تقديم
يدرس كتاب «مناورات الإخوان: كمون العنف ومكائد التجنيد والاختراق» (الكتاب المئتان، أغسطس (آب) 2023) تكيّف الجماعات المتطرفة مع التحولات السياسية؛ فيبحث في عناصر بقاء التنظيمات، وآلياتها المبتكرة لتجنيد متعاطفين معها، والاستثمار في الظرف السياسي والمظالم المفترضة، كما يلاحظ آليات تهيئة الخطاب الثقافي والديني والمؤسساتي عبر واجهات تخدم أفكارها، وتشكيل مؤتمرات وكيانات عابرة للطوائف تسهم في تطويرها، واستغلال الفضاء الديني لتثوير المجتمعات المسلمة في أميركا وأوروبا، عبر ربطها بقضايا التنظيمات وتحريضها على الوفاء لدولها، وتناول الكتاب جزءًا من الرؤية الفلسفية الأوروبية للعنف الأصولي الجديد، بين الأنسنة التي تقترب من التبرير إلى اجتهادات التفهّم ومحاولات التجاوز.
بدأت الدراسات بتفسير بقاء الجماعات الإرهابية، فحدد الباحث أحمد شلاطة، أبرز العوامل التي تنشأ عليها التنظيمات المتطرفة، سواء الذاتية النابعة عن تصوّر مثالي للدين، أو الأيديولوجية المستندة إلى جانب دفاعي متوهم، يستثمر في من يعالج الأزمات بانطباعية عاطفية، أو العوامل الخارجية المتمثلة في الأزمات الإقليمية التي تغذي المظالم المتوهمة. تشير الدراسة إلى الحواضن الجاذبة للتنظيمات الإرهابية؛ التي تلجأ إلى ملاذات آمنة في إفريقيا وأميركا اللاتينية، توظّف فيها المحفزات لخلق إرهاب محلي، أو التخادم معه، فيفرّق الباحث بهذا، بين القاعدة وداعش وبوكو حرام، وجماعات ماي ماي المحلية، ويؤكد أنّ التنظيمات تستفيد من تجارب سابقاتها في التعامل مع البيئة المحلية، وتستقوي بخطاب ناعم من الأنموذج القديم، وتزيد عليه بالجديد، فتجدد آليات الجذب والتجنيد عبره.
رصد الباحث ماهر فرغلي أنماط التجنيد الجديد الذي اعتمدته جماعة الإخوان خلال العشرية الأخيرة، بعد سقوط حكمها في مصر سنة 2013، ويلاحظ أنه يطور الاستهداف الفئوي، ويركز على المبادرة أو الدعوة الفردية المباشرة، وتوسيع دائرتي الربط العام والانتشار. تعرض الدراسة شهادة منشق، عمل في مشروع لجنة المدارس الذي بدأ منذ سنة 2002، وكان مسؤول قسم الأشبال داخل الجماعة؛ وأشار إلى سعي الإخوان عبر مجالس الآباء إلى تأسيس قاعدة بيانات عن الطلاب والمعلمين، وإنشاء مسابقات لتجنيد نخب وتمويل هذا المشروع من «أموال الزكاة». طورت الجماعة من أدوات الوصول إلى المستهدفين بعد سقوطها، فاستخدمت الخلايا الإلكترونية، التي تعتمد على سرية الدعوة، والتحريات، وتعريض المستهدف إلى تيار تبثه منصات الجماعة الرديفة في الوسائط الاجتماعية، والمجلات، والوثائقيات المنتقاة، والقنوات التلفزيونية والافتراضية، تركز على بعد السرية. أما في إطار زيادة المتعاطفين، فركزت الجماعة على مراكز التنمية البشرية، وهي قريبة، لما تناوله الباحث المصري طارق أبو السعد في تجربة توظيف الإخوان للاتحادات الطلابية، في الجامعات المصرية منذ بداياتها، وتأثير الجماعة في الحركة الطلابية، إذ قامت بفرض أجندتها، ولما تقدمت في الاتحاد وظفت ميزانيته لنشر كتب البنا، والمودودي، وقطب.
تناول الباحث أحمد الشوربجي محاولات جماعة الإخوان بناء نفوذها في المؤسسات الدينية وجامعات العلوم الشرعية مثل: الأزهر الشريف، بداية من اهتمام حسن البنا بالطلاب الوافدين إلى القاهرة سواء للدراسة في الأزهر، أو الجامعات المصرية الأخرى، عبر «قسم الاتصال بالعالم الإسلامي»، ثم الاستكتاب في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية. حاول الباحث رصد تأثير أحمد حسن الباقوري في مرحلة وزارة الشؤون الدينية بعد ثورة 1952، ونسب إليه تمتين دور البهي الخولي ومحمد الغزالي وسيد سابق، وزعم أنّ التأثير استمر حتى بعد تحوله إلى جامعة الأزهر (1964-1969) إذ استعان بفريق على مسؤوليته الشخصية، ذكر منهم القرضاوي والعسال، وعبر هذه الفترة القصيرة استطاع التنظيم السيطرة على إنشاء مؤسسات دينية خارج مصر، تُدرس العلوم الشرعية، وصولًا إلى تأسيس اتحادات عابرة لرجال الدين المنتظمين بالإخوان، ومعاهد فكرية عالمية، يستخدمها لخلق مجتمعات علمائية موازية للمؤسسات الرسمية، تجعل معيار الحق الديني ليس في العلم والفقه التقليديين بل في الأهداف الحركية التنظيمية.
عرض الباحث سامح فايز، محاولة الجماعة السيطرة على الفضاء الثقافي، عبر تقديم مثقفين مهتمين بالأدب العربي، والرواية، يعيدون إنتاج أفكار سيد قطب في أوعية جديدة، أو يمثلون التنظيم. حاول الباحث فهم نظرية «أسلمة المعرفة» لراجي الفاروقي باعتبارها تحايلًا لإدخال عناصر الجماعة إلى جمهور كل المحبين للعلوم. أشارت الدراسة إلى طفرات دور النشر التي تمولها الجماعة، حيث ارتفع عدد الدور من (260) دار نشر إلى (560)، فكانت سببًا في زيادة نفوذ الإخوان باتحادات النشر. اختار الباحث أنموذجين لباحثين قاما بالترويج لأفكار النهضة، وسيد قطب عبر روايات أدبية، ومشاريع ثقافية، عبر أحدهما عن ذلك بقوله: «لو تخلص الداعية من إلصاق كلمة إخوان باسمه، سيكون من السهل بمكان أن يقدم نفسه للمجتمعات تحت أي شكل؛ روائي أو ممثل أو غيرهما». وانتبه الباحث إلى أن كتبًا تنسب الحركية إلى السُنّة، أو تفجرها بتفسيرٍ منحرف للقرآن الكريم، فتنقل محتوى كتب سيد قطب وتفسيراته الحركية؛ دون أن تشير إليه أو إلى كتابه، كما لاحظ أنّ بعضًا من الروائيين يخفون صلتهم بالتنظيم، ويفسر ذلك بأنّهم يراهنون على فرصهم في الوصول إلى جمهور أوسع، يؤدون عبره دور الواجهات الثقافية والدينية.
تطرق المخرج والمسرحي أسامة أبو العطا إلى دور السينما والدراما والمسرح في التوعية بخطر الإرهاب في مصر، ومواجهة الاختراق الناعم لفن التمثيل. بدأت الدراسة برصد البدايات التي تَزَعَم مسار كتابة السيناريو فيها أسامة أنور عكاشة، ووحيد حامد، بداية من أفلام المجابهة، التي تمثلت في فيلم «الإرهاب» (1989)، و«انفجار» (1990) و«الخطر» (1990)، و«الإرهاب والكباب» (1992)، و«الإرهابي» (1994) و«طيور الظلام» (1995). ورصدت الدراسة كيفية تعامل النصوص المسرحية مع صورة المتطرف السياسي والديني منذ 1950 وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين. جزم الباحث بأنّ صورة المتطرف في السينما والمسرح كانت سببًا في محاربة التنظيمات الإرهابية للدولة المصرية، وأنّ عبقرية التمييز بين المتديّن والعادي، أدت رسالة إيجابية، قبل أن يختم بأن الفن وسيلةُ تفسيرٍ وتقديم رؤيا!
تناول الباحث السوداني عبدالمنعم همت، إنشاء تيارات الإسلام السياسي لمؤسسات موازية للمنظمات الإقليمية والإسلامية، متمثلةً في التحالف بين الحركة الإسلاموية في السودان وتيار ولاية الفقيه الحاكم في إيران. غطت الدراسة في محورين العلاقة بين جناحي الإسلام السياسي، ثم محاولة بناء المؤتمر الشعبي الإسلامي، الذي رعاه نظام الجبهة القومية الإسلامية في السودان في تسعينيات القرن المنصرم، وجمع فيه المتمردين على الدول والمتطرفين من اليسار واليمين، بالإضافة إلى بعض المثقفين والواجهات الثقافية التي لا تزال فاعلة، خصوصًا في بعدها الأوروبي والأميركي؛ إذ كان المؤتمر مهمومًا باختراق تمثيل المسلمين في الدول الأوروبية وأميركا.
ناقش الأكاديمي والباحث المصري عماد الدين عبدالرازق، طروحات أربعة مفكرين ألمان حول الأصولية والعنف وهم: حنة آرندت (Hannah Arendt) (1906-1975)، ويورغن هابرماس (Jürgen Habermas)، وفريتس شتيبات ( Fritz Steppat) (1923-2006) وراينر فورست (Rainer Forst)؛ عكست الاجتهادات المتباينة في فهم العنف الأصولي، وانتهت جلها إلى أنّ التسامح وحده يشكل علاجًا ناجعًا للمشكلة الأصولية.
في الختام يتقدم مركز المسبار للدراسات والبحوث بالشكر الجزيل، لفريق العمل الذي ساهم في تنسيق هذا الكتاب، وإخراجه إلى النور، آملين أن ترضيكم ثمرة جهوده، وتضيف إلى مكتبتكم الفائدة.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
أغسطس (آب) 2023