تقديم
منحت وسائل التواصل الاجتماعي فرصاً وإمكانات لجماعات العنف الديني، وساعدتها على تكثيف ثقافة التطرف وتجنيد الأتباع وحثهم على الانضمام إليها. إن المعارك التي تديرها الحركات الدينية الراديكالية والتنظيمات الإرهابية لا تقتصر على الميادين التقليدية: السياسية أو المسلحة، وإنما تمتد إلى «الميديا الجديدة» حيث تعمد إلى تأسيس عوالم افتراضية غايتها الجذب والترويج لأيديولوجياتها. ويمكن القول: إن المعركة الأخطر التي تواجه الحكومات في العالم العربي والغرب، تتمثل في الحد من النفوذ الذي يحظى به المتطرفون في الفضاء السيبيري. ولعل الأنموذج الذي يقدمه (داعش) يشكل دليلاً على مخاطر استخدام وسائط الإعلام الجديدة من قبل هذا التنظيم الإرهابي، لا سيما في عملية التجنيد.
إن الحرب الإعلامية ضد الإرهاب ليست سهلة على الإطلاق. ومع الإقرار بصعوبة فهم هذه الظاهرة الخطرة نظراً لتعقدها وارتباطها بعوامل مختلفة، من المهم مواجهة إعلام الإرهابيين ومنابره الافتراضية بطرق عدة، تشكل التوعية إحدى قواعدها، مما يسهم في تحجيم حضوره ويضع حداً لتأثيره في الأفراد أو الجماعات، خصوصاً أن العالم العربي يعاني من تشنجات مذهبية وسياسية تسعى «داعش وأخواتها» إلى استغلالها في لعبة التوتر والصراع على الإقليم.
من العوامل التي تجعل المعركة الإعلامية على الإرهاب مجدية، تضاد معايير الإعلام بيننا وبين الإرهابيين. لكي ينجح الإعلام الإرهابي -الداعشي مثلاً- فهو لا يحتاج إلاَّ إقناع بضعة آلاف من بين مئات الملايين من المسلمين. ولكن في المقابل فإننا نملك الشرعية الأخلاقية والدينية والإنسانية التي يمكن البناء عليها لتحقيق النجاحات المطلوبة في هذا المجال.
يتمتع المتطرفون والإرهابيون بقدرات في التعامل مع الإعلام البديل لا يمكن التقليل من شأنها، إذ إن أساليبهم ليست تقليدية، بل متطورة. وهذا ما كشفت عنه المرحلة الأخيرة، حيث تم استخدام أحدث الوسائط الإعلامية، من تطبيقات الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، إلى المواقع الاجتماعية والأفلام الطويلة. وقد حقق ذلك لهم انتشاراً واسعاً ومكنهم من التأثير في الرأي العام، سلباً أو إيجاباً، وجعلهم حديث الساعة، لدى المؤيدين والمعارضين.
تفيد التنظيمات المتطرفة والإرهابية من التطور التكنولوجي، والانفتاح في العالم الافتراضي لبث دعايتها وأفكارها. وقد حقق «إعلام داعش» انتشاراً في بداية الصيف الماضي بعد مأسسته، وتطويره بشكل يضاهي الإنتاج السينمائي، فضلاً عن استخدامه كأداة توثيقية إلكترونية، مستغلاً رصيده المادي من أجل بث الخوف والرعب في النفوس.
إن رأس حربة الإعلام المتطرف والإرهابي تتمثل بوسائل التواصل الاجتماعي، التي وسّعت بشكل كبير إمكاناته في الوصول والتفاعل والإقناع. وقد فاجأ تنظيم «داعش» المهتمين والمختصين في دراسة الجماعات المتطرفة، بقدرته الاستثنائية على استغلال الميديا الجديدة في نشر أيديولوجيته الراديكالية، وتجنيد أكبر عدد من الشبّان حول العالم، ومواكبة واستخدام أهم الوسائل تطوراً تقنياً وتوظيفها في الميدان. وأظهرت التخريجات الأخيرة التي عممها «داعش» عبر أفلامه على موقع «الفرقان» الخاص به مستويين متناقضين: الأول: تقنية عالية في إنتاج مقاطع اليوتيوب، والثاني: عولمة الخوف من الإسلام.
من الواضح أن جميع الحركات المتطرفة والأصولية والجهادية استطاعت استخدام جميع الأدوات الحديثة لتعميم ثقافتها الماضوية، مستغلّة وسائط التكنولوجيا الجديدة لضرب الحداثة، وهي لا تجد غضاضة في توظيف فضاءات العولمة من أجل العدوان على العالم. هذا التجنيد الممنهج على الإنترنت، هو استغلال عكسي للتقنية التي من المفترض أنها تقلص الفروقات والتشنج بين الجماعات، ومثل ذلك يصح على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يستعمل «إرهابيو الفضاء الإلكتروني» أحدث الأساليب بهدف الفصل بين البشر على أسس أيديولوجية وعقدية متطرفة، وبث ثقافة الاستئصال.
إن الخطوة الأولى لمواجهة الإعلام المتطرف والإرهابي، خصوصاً ما يروج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتمثل في محاولة فهمه وتحليله. وقد جاء كتابنا الموسوم: «منصات الميديا الجديدة والعنف المقدس» (الكتاب التاسع والتسعون، مارس/ آذار 2015) في هذا السياق، حيث تسعى الدراسات المنشورة إلى رصد كيفية تمكن الجماعات المتطرفة والإرهابية وفي مقدمتها «داعش» من توظيف هذه الوسائط. ونأمل أن يسهم هذا العمل في تطوير إستراتيجية إعلامية مضادة تكافح التطرف والإرهاب، وبالقدرات نفسها التي يملكها إرهابيو ومتطرفو وأصوليو الفضاءات الافتراضية.
في الختام، يتقدم مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميلين إبراهيم أمين نمر، وعبدالله حميد الدين، اللذين نسّقا هذا العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهدهما وفريق العمل. .
رئيس التحرير
شاهد فهرس الكتاب