شكل تجنيد الحوثيين للأطفال في الأعمال القتالية ظاهرة مكتملة الشروط، إذ لم يعد بالإمكان الحديث عن حالات معزولة، أو أعمال تجنيد لا تشكل نسقاً متبعاً، ولكن المسألة تعدت «الحالات المعزولة أو المنفردة»، وتعدت كونها أفعالاً نادرة أو تجاوزات شاذة عن توجيهات القيادة الحوثية، أو خروجاً على ضوابط الجماعة إلى كونها ضرباً من السياسة المتبعة، والعمليات الممنهجة التي تستند إلى خطاب ديني وأيديولوجي وسياسي، جعلها ترقى إلى مستوى الظاهرة التي أصبحت تشكل قلقاً للمنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، ومنظمات حماية الطفولة في العالم.
يعود تاريخ تجنيد الحوثيين للأطفال إلى فترة ما قبل عمليات قوات التحالف العربي في اليمن؛ التي بدأت في 26 مارس (آذار) 2015، إذ سبق للحوثيين أن جندوا الأطفال أثناء فترة الحروب الست التي شنوها ضد الدولة والمجتمع اليمني ما بين عامي 2004 إلى 2010 إبان نظام حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وقد وثقت دراسة ميدانية أجريت لصالح منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» عام 2011 حالات تجنيد للأطفال من قبل الحوثيين في فترة الحروب الست. وجاء في الدراسة أن (67.5%) من مهجري حروب التمرد الحوثي بين عامي 2004 و2010 أكدوا وجود «تجنيد للأطفال بصورة منتظمة» من قبل الحوثيين في الحرب.
وأشارت الدراسة إلى أن نسبة الأطفال من ذوي الأعمار ما بين (14) و(15) سنة يبلغ خُمس مقاتلي الحوثيين قبل عام 2011، مع وجود إحصائيات أخرى ترفع النسبة إلى النصف في فترات محددة تحتدم فيها المعارك خلال تلك الحروب الست. وجاء في مقابلات أجراها معد تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» مع عدد من مهجري «الحروب الست» أن ثلث المستطلعين من المهجرين يخشون العودة إلى أماكنهم -التي هجرتهم منها جماعة الحوثي- خشية أن يأخذ الحوثيون أولادهم إلى معسكرات التجنيد[1].
وإذا كانت نسبة المجندين من الأطفال تصل إلى خمس مقاتلي الحوثيين قبل 2011، فإن اليونيسف ذكرت في تقرير لها عام 2015 أن نسبة الأطفال المجندين في صفوف مقاتلي الحوثي ارتفعت بشكل مذهل، إذ بلغت النسبة ثلث المقاتلين.
وأكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير لها في شهر مايو (أيار) 2015 أن نسبة الأطفال في صفوف المقاتلين الحوثيين، ولدى جماعات وميليشيات أخرى بلغت الثلث، معضدة تقارير اليونيسف.
وأورد تقرير لـ«هيومن رايتس ووتش» حول الحرب في اليمن، أن (72%) من حالات الأطفال المجندين قام بها الحوثيون، مما يعني أن المتمردين حققوا رقماً أعلى في تجنيد الأطفال، حسب تقرير صادر عام 2017 [2].
وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية في فبراير (شباط) 2017، أكدت المنظمة أن الحوثيين يأخذون أطفالاً في سن الخامسة عشرة، ويذهبون بهم إلى الخطوط الأمامية في جبهات القتال. وقالت سماح حديد (المديرة الإقليمية للمنظمة في بيروت): إنه «مروع ما يقوم به الحوثيون من أخذ الأطفال من والديهم وأسرهم، وتجريدهم من طفولتهم، ليذهبوا بهم إلى الخطوط الأمامية للنار، حيث يتعرضون لإمكان القتل».
وذكر أن جماعة الحوثي التي تعرف كذلك باسم «أنصار الله» تستمر في تجنيد الأطفال للحرب، مؤكدة لقاء ممثليها بعدد من الأسر في العاصمة صنعاء، حيث ذكر أعضاء في هذه الأسر في شهادات للمنظمة أنهم علموا بخبر تجنيد أطفالهم من السكان المحليين، الذين رأوا مسلحين حوثيين يأخذون عدداً من الأطفال في حافلة منطلقين بهم بعيداً من حيهم السكني، ودون علم ذويهم[3].
ولأن تجنيد الحوثيين للأطفال أصبح ظاهرة يصعب التغاضي عنها، التقت ممثلة الأمم المتحدة للحد من تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة ليلى زروقي زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في 2012، وطالبته بوقف تجنيد الأطفال في الحرب. وتذكر أمنستي أن الحوثي التزم -في حينه- بوقف تجنيد جماعته للأطفال في الصراع الدائر، غير أن عمليات التجنيد حسب المنظمة لم تنقطع، وتزايدت وتيرتها بعد دخول الحوثيين صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014 [4].
وحسب تقرير دولي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة للجمعية العامة في 30 أبريل (نيسان) 2010 عن تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة، بلغ عدد الأطفال المقاتلين في صفوف الحوثيين نصف العدد الإجمالي للمقاتلين لدى الأطراف المتصارعة حينها، وذكر التقرير أن أكثر المجاميع المسلحة تجنيداً للأطفال هم الحوثيون[5].
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2009 أجرت منظمة «سياج لحماية الطفولة» دراسة ميدانية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» أكدت فيها أن نسبة الأطفال بين المقاتلين الحوثيين في ذلك التاريخ بلغت (50%) من قوام المقاتلين في الجماعة.
ربَّ سائل أن يسأل حول النسب المختلفة لتجنيد الحوثيين للأطفال، وكيف كانت على سبيل المثال (50%) في 2009، لتعود إلى ثلث المقاتلين في 2015، حسب اليونيسف كما مر بنا؟ وكيف يتوافق ذلك مع التقارير الدولية التي تؤكد أن وتيرة تجنيد الحوثيين للأطفال قد ارتفعت؟
إن عدد الأطفال المقاتلين في صفوف الحوثيين لم ينخفض، بل تضاعف، على الرغم من أن النسبة هبطت من النصف إلى الثلث. والسبب يرجع إلى أن الحوثيين بعد دخولهم صنعاء سيطروا على قوى الجيش والأمن، وهو ما ضاعف عدد مقاتليهم من البالغين بما ضموه إلى قوتهم من أفراد وضباط، بحيث أصبح عددهم كبيراً بدت معه نسبة الأطفال أقل مقارنة بقوام مقاتليهم، بعد أن سيطروا على قوى الجيش والأمن، على الرغم من أنهم واصلوا عمليات تجنيد الأطفال التي تضاعفت بعد دخول صنعاء، بما يعني أن نسبة الثلث عام 2015 تشير إلى عدد أكبر من الأطفال المقاتلين، وأكثر من العدد الذي تشير إليه نسبة النصف قبل 2011.
جزء من دراسة نشرت في كتاب المسبار (تجنيد الأطفال: داعش – الحوثيون – بوكو حرام) (الكتاب الثامن والعشرون بعد المئة، أغسطس (آب) 2017)
بإمكانكم الاطلاع على الدراسة الكاملة من خلال الملف أدناه
[1] انظر:
Yemen child protection UNISEF Report page 25,27.
[2] Yemen Events of 2016, Human Rights Watch, February 25, 2016:
https://www.hrw.org/world-report/2017/country-chapters/yemen
[3] Yemen: Huthi forces recruiting child soldiers for front-line combat, 28 February 2017, Amnesty international: https://www.amnesty.org/en/latest/news/2017/02/yemen-huthi-forces-recruiting-child-soldiers-for-front-line-combat
[4] المرجع نفسه.
[5] انظر:
Secretary-General: Children in armed conflict, Report, 2010.