سعى الأزهر الشريف بعد الثورة المصرية (2011) إلى ترسيخ الوسطية الإسلامية وإلى الإفادة من الوضعية الجديدة لتجذير دوره القيادي، وذلك بانتزاع صفة الوسطية عن حركات الإسلام السياسي، وتجسيدها تجسيداً وطنياً يحظى بمقبولية واسعة، من خلال مجموعة من الوثائق التي صدرت بعد 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وهذه الوثائق هي: وثيقة مستقبل مصر (19 يونيو (حزيران) 2011)؛ وثيقة الربيع العربي (31 أكتوبر (تشرين الأول) 2011)؛ وثيقة الأزهر عن منظومة الحريات الأساسية (8 يناير (كانون الثاني) 2012)؛ وثيقة الأزهر الشريف لنبذ العنف (31 يناير (كانون الثاني) 2013)؛ وثيقة حقوق المرأة.
يقدم البروفيسور محمد الحدّاد (أستاذ كرسي اليونيسكو للأديان المقارنة في جامعتي السوربون _فرنسا، ومنوبة _تونس) قراءة في وثائق الأزهر، مفصلاً الكلام حول مضامينها وسياقاتها. وقد خرجت الدراسة المعنونة: “وثائق الأزهر.. المضامين والدلالات” بنتائج مهمة على مستويين التحليلي والنقدي وطرحت أسئلة جدية: هل سيواصل الأزهر هذا المسعى ويرسخ الإعلانات السابقة ويقدّم غيرها؟ أم أنّ المتغيرات التي حدثت في مصر بعد تلك الإعلانات ستجعله يتراجع، ويبتعد عن الشأن العام؟، هل يمكن أن يشهد العالم الإسلامي – من خلال مؤسسة الأزهر – تبلور مرجعية واضحة في شكل إعلانات، كما يحصل مثلاً في الكنيسة الكاثوليكية مع الرسائل البابوية، بما يوضح الموقف الإسلامي لعموم المسلمين وللعالم أجمع، ويضع حدّاً للفتاوى المنفلتة والمواقف المتضاربة، وتوظيف الدين في الصراعات الحزبية؟ وهل يستطيع الأزهر أن يحافظ على دور وفاقي، وهو الذي وجد نفسه في معامع السياسة وصراعاتها؟
نشرت الدراسة في كتاب المسبار “الأزهر مرجعية التقليد السُنّي في أزمنة التغيير” (الكتاب الثامن والثمانون أبريل (نيسان) 2014).