قال الكاتب والباحث يوسف الديني إن مفهوم (التنوير) في السياق السعودي لم يطرح بشكل إيجابي إلا في نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، عبر مجموعة من الشباب المتحوّلين عن الخطاب الإسلامي على اختلاف تنويعاته وفروعه
وقال في دراسته التي عنونها بـ ” التنوير الإسلامي في السعودية- سجال السقوف المنخفضة” أن سياق “التنوير السعودي” لا يتصل من قريب أو بعيد بالأفكار التي تم طرحها في التنوير الغربي إلا على سبيل الاستئناس والقراءة المستكشفة، واعتبر رفع الإسلاميين السعوديين لمصطلح “التنوير” كان مجرد اجترار للمصطلح للخروج من احتكار وتكريس مصطلحات (شرعية).
الديني رأى في دراسته -التي نشرت في كتاب “الإسلاميون في الخليج-القضايا” الذي أصدره مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي، أن ثمة اتجاهات متعددة لقراءة ظاهرة التنوير الإسلامي في السعودية، ولخّصها الديني بأربع فقرات هي: ردة الفعل، ونقد السلفية من الداخل، والتنوير سياق طبيعي مر بأزمة تشكل، والتنوير حالة ذات جذور تاريخية. كما قال الديني أن التنويريين في السعودية يصفون دعوتهم بأنهم ذات جذور تاريخية وأنها الامتداد الطبيعي للفكر الديني.
وعرضت الدراسة ملاحظات وصفها الكاتب بـ”الجوهرية” على ظاهرة التنوير الإسلامي في السعودية، واعتبر أولى الملاحظات حالة الصراع على “أبوية” التنوير الإسلامي في السعودية؛ التي يمكن القول إنها تحولت إلى مكتسب معنوي يتقاتل عليه التنويريون وخصومهم، في حين أن المشكلة تبدأ ولا تنتهي عند حدود المصطلح وحمولاته الفكرية وتطبيقاتها على المشهد السعودي، إضافة إلى البحث عن سؤال جوهري يتصل بحقيقة وجود رؤية فكرية متماسكة للتنوير، كما يطرحه دعاته يمكن أن تكون مستقلة عن كل الأفكار المخالفة للسائد السلفي والتي لم تخل منها مرحلة زمنية منذ بدايات الحالة الإسلامية في السعودية.
وتساءل الديني في دراسته عن اللحظة التي ولدت فيها نواة التنوير الإسلامي، وهل يمكن اعتبارمرحلةالمفكر عبد الله القصيمي،التي بلغت ذروتها بكتابه”هذه هي الأغلال”لحظة تنويرية، أم كانت اجتهادات الشيخ ابن سعدي الخارجة عن النص السلفي السائد تجديداً من الداخل الوهابي،وهل يمكن القول إن آراء عددمن نقاد الحالة السلفية من داخلها ككتابات عبد الوهاب أبوسليمان،وعبد الحميدأبوسليمان،وعبد الله الجديع،ودبيان الدبيان،وحسن المالكي،وعبد الله الحامد،وإبراهيم البليهي، وكل هؤلاء تبنوا آراءاجتهادية في المجال الفقهي والشرعي والفكري تخالف السائدالسلفي,هل يمكن أن يقال إنهم كانوا تنويريين أم تجديديين أم إصلاحيين.
كما تساءل الباحث عن سياقات التجديد التي جاءت بها ظاهرة التنويريين الإسلاميين في السعودية، وبعد عرضه الأفكار التي يطرحها دعاة التنوير الإسلامي الجدد، وأبرزها يتصل بمواءمة مصطلحات سياسية مع التصور الإسلامي، كالديمقراطية وآليات الانتخاب ،أو حق الحريات العام، أو بملفات وقضايا فقهية كالحجاب والموقف من الموسيقى وحقوق المرأة،أو يتصل بمسائل الهوية كمخالفة الرأي السائد فيما يتصل بالمظهر كـ”للحية”، تساءلت الدراسة هل يمكن أن يقودنا ذلك إلى رؤية فكرية خاصة يمكن الاصطلاح عليها بالتنوير أو التجديد؟
ونفى الديني في دراسته التي نشرت في الكتاب الخامس والأربعين لشهر سبتمبر الجاري وجود منظومة معرفية جاء بها التنويريون الإسلاميون في السعودية، وأوضح أن كل أطروحات ما يسمى بالتنوير الإسلامي هو تناولٌ لمفردات وقضايا جزئية أكثر من كونه تأصيلاً لمنظومة معرفية؛ ومع كل الأثر المدوي لتلك الطروحات التجزيئية فإنها لا تخرج في غالبها عن اجتهادات مسبوقة لعلماء وفقهاء معاصرين من الأزهر أو لمفكرين إسلاميين، بل كثير منها يقف عند أطروحات متجاوَزة لشخصيات من الوسط الإسلامي ذاته كالقرضاوي على سبيل المثال.
وختم الديني دراسته بعرضه للمعضلة التي يعاني منها تيار التنوير الإسلامي في السعودية، وهي أنه ما زال يعاني من معضلة انتزاع الشرعية، بحكم الهجمات القاسية التي تعرض لها من تيار الإسلام السياسي ومن السلفيين.
وأشارت الدراسة التي تصدرت عشر دراسات عن إسلاميي الخليج إلى أن العديد من أفراد التيار انشغلوا بالصراع على مكتسب (أبوية) التيار أكثر من تأسيس نظرية متماسكة لأفكاره.
وعن مستقبل التيار في السعودية قال الباحث إن ما يطرحه التنويريون الإسلاميون من اجتهادات هي أساساً مسبوقة، لا تشفع له كثيراً للبقاء كتيار فاعل، ما لم يكسر حاجز الخوف والتردد اللَّذين يحولانه بفعل الزمن إلى تيار متكلس، يردد شعارات بعناوين حالمة، دون أن ينعكس ذلك على المشهد الفكري المتغير باطراد.
15 سبتمبر 2010