يقول ما بعد الحداثيون “إن أول الموضوعية هو الاعتراف بالذاتية”. هذه المقولة هي أول ما يثبت عند مطالعة القراءات والتحليلات المختلفة حول حزب الله، فبينما رفعته بعض هذه القراءات إلى مقام القداسة والتعالي، الذي يتحد فيه السياسي بالديني والإيديولوجي، تهبط به رؤى أخرى بعيدا عنها، واضعة إياه في دائرة الطائفية والممانعة والاستعصاء على الاندماج في مجتمع تعددي -كالمجتمع اللبناني- مثّل منذ إنشائه نموذجا معبرا للديموقراطية التوافقية. وبينما يرى البعض في حزب الله الحل ورافده، يراه البعض الآخر الأزمة وتعقيداتها.
وبالنتيجة فإن كثيرا من قراءات حزب الله تأتي مشدودة على مسافة بين الفرقاء، بين الدين والسياسة، وبين الداخل والخارج، وبين انتماء الوطن وولاءات الطائفة.
من هنا حرص مركز المسبار، وهو يصدر كتابه الخامس عشر حول حزب الله، على أن يقدم رؤية متوازنة لا تميل إلى هؤلاء ولا إلى أولئك، وتكشف مختلف أبعاد ظاهرته، وفي الآن نفسه، جانبا مهما من الأزمة اللبنانية الحالية، التي ولدت بقوة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وتصاعدت فاعلياتها بعد حرب يوليو (تموز) سنة 2006.
تمثل قراءة “حزب الله” اللبناني كذلك مراجعة سوسيولوجية تاريخية للتغيرات والتطورات، التي مرّت بها البنية الاجتماعية للطائفة الشيعية في لبنان منذ أواسط السبعينيات من القرن الفائت حتى اليوم، ولكن نؤكد في الآن نفسه أن حزب الله رغم سعيه أو احتكاره للحديث باسم الشيعة اللبنانيين، إلا أنه لا يمثل كل أفراد هذه الطائفة، كما أن إيديولوجيته ومرجعيته الدينية ليست الوحيدة في فضائها، وإن كانت الغالبة.
يأتي هذا الكتاب إذن متجاوبا مع تزايد اهتمام الدوائر السياسية والبحثية والاستراتيجية بنشاط “حزب الله” وحضوره، بل ويتعزز تباعاً، ليس بفضل براغماتية الحزب التي تراوحت من راديكالية متطرفة الى انخراط من نوع خاص في تفاصيل العمل السياسي، أو نضاله الذي يريده لا متناهيا مع العدو الإسرائيلي، وهو أبلى بلاء حسناً إن في العام 2000 حيث أجبر القوات الإسرائيلية على الانسحاب من جنوب لبنان، متوجا بذلك ما يزيد على عقدين من العمل المقاوم، أو في العام 2006، حين استطاع الصمود في وجه الآلة الحربية الإسرائيلية لأكثر من شهر.
يمثل حزب الله ضلعا رئيسيا في مثلث الرفض السوري/الإيراني، وهو لا يخفي ولاءاته لأي منهما، وبينما يحضر الحليف السوري بشكل براغماتي ومصلحي، يتأكد الحضور الإيراني على مختلف المستويات الإيديولوجية والعقائدية والسياسية، وهو ما لا ينكره الحزب منذ تأسيسه، حيث لا يخفي انتماءه الى مرجعية ولاية الفقيه وائتماره بأمرها، وهي التي تصرّ على هزيمة من تعتبرهم شياطين كباراً، لكن خارج أرضها، في ملاعب العراق وفلسطين ولبنان. وفي هذا وذاك يبقى أن الواقع العربي، هو الأشد تأثّرا بنتائج ما يجري وإن كان آخر الداخلين فيه، مع أنه أول المعنيين به
وقد باتت المسألة الشيعية، وتحديدا موقع “حزب الله” ودوره، مطروحة بقوة في الواقع اللبناني الداخلي والعربي غير المعزول عن جواره الإقليمي وسياسات الدول الكبرى، وهي حاضرة أو مستحضرة في مستويات عدة: من قيادات القرار في الدول الى مستوى الحراك الشعبي في الشوارع العربية، ومن العقيدة الدينية إلى الثقافة والسياسة فالسلوك اليومي. باختصار، بات موضوع الحزب، وخصوصا بعد تحوله من مقاومة إسرائيل إلى منازعة أطراف الداخل اللبناني موضوعا مطروحا في الشارع والوعي العربي دائما
في البداية، تأتي دراسة أحمد الزعبي “حزب الله: النشأة- التنظيم – المشروع” قراءة تاريخية وتحليلية لمسار الحزب منذ نشأته حتى الآن، وكذلك تحولاته الإيديولوجية والسياسية، من خلال وثيقة التأسيس وسيرته بشقيها: العسكري عبر مقاومة إسرائيل، والسياسي من خلال علاقاته بالأطراف السياسية المكونة للنسيج الوطني اللبناني، وصولا إلى الأزمة المستحكمة بين الحزب وبين قوى الأكثرية في لبنان في أعقاب حرب يوليو (تموز) العدوانية على لبنان في صيف العام 2006، ويؤكد الزعبي في دراسته عدم استقامة دراسة حزب الله على منوال حركات الإسلام السياسي الأخرى.
وتأتي دراسة الدكتور سعود المولى بعنوان “المسار والمصير: سياقات حزب الله-رؤى موازية”، وفيها يعرض إشكالية قديمة/جديدة، وهي هل الحزب بديل الدولة والوطن والأمة؟ عارضا لنماذج من اجتهادات ورؤى موازية لمواقف ورؤى حزب الله، مركزاً تحديداً على تراث الإمامين موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين، التي تختلف جوهريا مع كثير من تصورات حزب الله للطائفة والوطن في الآن نفسه، كما تؤكد على أولوية المصلحة الوطنية في مقاربة مسألة المقاومة التي لا يمكن أخذها على الإطلاق العام.
ويطرح الدكتور جمال عبد الجواد رؤية للخروج من المأزق اللبناني، الذي يمثل حزب الله ضلعاً رئيساً فيه، حيث تتمثل المعضلة الرئيسية التي تعترض التوصل لتسويات فعالة مع حزب الله في هذه المرحلة، في تداخل الطبيعة الطائفية للحزب شديدة المحلية، والتي تضيق كثيراً عن المجال الوطني اللبناني، مع إيديولوجيته ذات الطموح الإقليمي بل والعالمي، ولن يكون من الممكن التعامل مع ظاهرة حزب الله دون التعامل مع هذين البعدين المتداخلين في الظاهرة، كما يرى الباحث.
ومن جانب آخر، يقدم الدكتور علي فياض، وهو رئيس مركز البحث والدراسات في “حزب الله”، دراسة بعنوان “حزب الله وأسئلة التغيير السياسي: رؤية من الداخل” وفيها يؤسس الكاتب، ويرد بطريق مباشر، على الأسئلة المطروحة على موقف وموقع حزب الله في النظام اللبناني، مؤكدا على حاجة الحزب وسائر حركات الإسلام السياسي لقطع طريق طويل وشاق لتطوير بناهم النظرية والفكرية من أجل الإصلاح، وتكريس صيغ تعايش مع معطيات اجتماعية وسياسية، لا ترقى إلى مستوى تطلعاتهم الأصلية، ولكنه إصلاح يقوم بدور وسيط بين النهائي والأصلي وبين المرحلي.
ويكتب الدكتور رضوان السيد دراسة تحت عنوان “حزب الله: الإيديولوجيا والتجربة والرهانات” يؤكد فيها خصوصية تجربة حزب الله عن سائر تجارب الصحوة الشيعية في العراق وغيره. كما يحدد دور كل من الإيديولوجيا والواقع على مستقبل الحزب واندماجه داخل الكيان اللبناني، وكذلك الحيلولة دون انهيار هذا الكيان. ويكشف رضوان في دراسته كذلك عن رهانات كل من سوريا وإيران والحزب نفسه في المستقبل.
وتعرض دراسة الدكتور وجيه كوثراني للمفهوم بعنوان “لبنان: بين ولاية الفقيه الإيرانية وحزب الله”، راصدة إشكالية علاقة الشيعة عموما، وحزب الله خصوصا، بنظرية ولاية الفقيه الإيرانية، وتأثير ذلك على علاقة الحزب بالنسيج الوطني والطائفي اللبناني، عارضا لنماذج من المسائل الخلافية المطروحة بقوة في الساحة اللبنانية بين الحزب من جهة، والمجتمع السياسي من جهة أخرى، والتحديات المستقبلية لهذه العلاقة الملتبسة والإشكالية في الآن نفسه.
ثم تأتي دراسة الدكتور مصطفى لطفي بعنوان “حزب الله والأزمة: بين الممانعة والديمقراطية التوافقية”، والتي يرى الكاتب فيها حزب الله كوريث للإيديولوجية العربية الثورية المسلحة، وأن خطاب المقاومة يظل هو الحاكم لممارساته وخطابه، وأنه كان مغيبا لحقيقة لبنانية ناصعة وهي النظام الطائفي في لبنان، وضرورة التوافق داخله، دون انفراد طائفة بمصيره، وأنه بعد تحرير لبنان عام 2000 يبدو أن ممانعة حزب الله المقاومة قد تحولت إلى ممانعة في الداخل كذلك للقوى والطوائف الأخرى، التي يدير الأزمة معها وفق منطق المقاومة المسلحة الكامن، وسياسات الشارع المعلنة، ووفق سيناريوهات متعددة لخطابه وممارساته تحاول الدراسة الكشف عنها.
ونظرا لأهمية شخص الأمين العام لحزب الله وكاريزميته، نعرض لسيرته، ولمراحل التكوين والتعليم والدور السياسي والقيادي له، وهي المسيرة التي صنعت كاريزما الرجل وشهرته، التي لم تتح لأي رجل ديني شيعي في العالم العربي خلال العقود الأخيرة، فهو الزعيم الذي قارنه البعض بجمال عبد الناصر، كما يرى فيه آخرون تجليا دينيا بطوليا يجسد الأمة كما يجسد الوطن.
ويضم الكتاب دراسة لوضاح شراره بعنوان “في مقدمات انفجار الأزمة الوطنية اللبنانية العامة”، والتي يؤكد فيها أن الأزمة اللبنانية قد تفجرت بعد زعزعة السيطرة السورية الأمنية والسياسية على الدولة اللبنانية، وهو ما يجعل الحل حسب منطق المتحالفين مع هذه السيطرة رهن دوامها على السياسة والأمن اللبنانيين، وعلى النحو الذي ترتئيه هذه السيطرة. ويتتبع شراره تطورات الأزمة، وموقف حزب الله وخطابه كحليف سوريا الأساسي في إدارتها، مفككا لهذا المنطق والخطاب وثنائية الداخل والخارج التي تحكمه، وترهن لبنان إلى خارجه كما يرى الكاتب.
ويتتبع محمد حسين شمس الدين في دراسته “المقاومة بين لبنان “الساحة” و”الوطن” مفهوم المقاومة باعتباره رأس مال حزب الله وصانع شهرته ومكانته، موضحا كيف أن “الانتصار الإلهي” لحزب الله في العام 2006 حوّل لبنان الى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، بما يتناقض بشكل كامل مع الأهداف والغايات التي انطلقت لأجلها المقاومة في لبنان. ويرصد شمس الدين التحولات التي طرأت على صورة “حزب الله” عن تلك التي اشتهر بها قبل حرب يوليو (تموز) العام 2006 الإسرائيلية على لبنان، ومن خلالها تحول موقع الحزب السياسي، في قراءة لمسار الأزمة السياسية في لبنان منذ جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005، وعلاقة كل ذلك بالمصالح الاستراتيجية الإيرانية والسورية.
ويضم العدد قراءة ومراجعة في كتاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم “حزب الله: المنهج، التجربة، المستقبل”، عنونها كاتبها الدكتور قاسم عزالدين” حزب الله كما يراه حزب الله” حيث يعتبر هذا الكتاب وثيقة رسمية وشهادة عصر حول حزب الله بدءا من نشأته، وجدالاته وصراعاته في الساحة اللبنانية، وعلاقاته الداخلية والخارجية، وكذلك تجربته الميدانية في المقاومة، وإن أكد الكاتب على تميز خطاب حزب الله عن سواه من خطابات حركات التحرر الوطني، في تركيزه على التجربة أكثر من تركيزه على التنظير، ولكنها تجربة ذات أصول عقدية وإيمانية، أكثر منها تجربة براغماتية أو مثالية محضة.
وتأتي مراجعة كتاب وضاح شرارة “دولة حزب الله” أحد أهم ما صدر ضد حزب الله من كتب وانتقادات، والذي يحلل فيه المؤلف الظروف السوسيولوجية والثقافية والدينية التي أدت الى تبلور صورة الحزب في العقدين الأخيرين.
ويضم الكتاب أخيرا داسة مستقلة بعنوان “المرأة والولاية السياسية: إيران نموذجاً” للباحثة عزة هاشم، التي تؤكد فيها أن فاعلية مشاركة المرأة الإيرانية في العمل السياسي؛ جاءت نتيجة عدد من العوامل والظروف، ساعدت -في اجتماعها- على تمكين حق المشاركة لها، في نظام الجمهورية الإيرانية بعد الثورة، وهو ما يعتبر حدثاً متفرداً قياساً إلى نظيرتها العربية.
وكالمعتاد يختتم الكتاب بعرض ببليوغرافي بالإنجليزية والعربية والفرنسية، لأهم الإصدارات والكتابات عن حزب الله في السنوات الأخيرة.
إننا وإذ نقدم هذا الكتاب، سعينا إلى عرض وجهات نظر مختلفة، وحرصنا على أن تكون متوازنة وموضوعية، وهي في مجموعها تشير إلى مناح مختلفة من سيرة هذا الحزب، وكذلك خطابه السياسي والديني وعلاقاته بالداخل اللبناني وقضايا الأمة كما ترسم احتمالات للمستقبل.