كتاب المسبار السابع والأربعون جاء مختلفاً عن سياق ماسبقه، فقد شاركت في دراساته الإحدى عشرة، تسع باحثات من دول مختلفة وانتماءات متعددة.
النسوية الإسلامية التي خصصت لها أبحاث الكتاب، خطاب يهتم بالمرأة ويتناول قضايا تحيز الرجل ضد المرأة من جهة، والسعي نحو توسيع دائرة حريتها ومساواتها بالرجل ارتكازاً على تأويل النصوص الدينية. النسوية الإسلامية خطاب خاص بالمرأة ومصبوغ بخبراتها وثقافاتها، ولهذا هناك اليوم حملة إسلامية بزعامة نساء مسلمات، للحصول على اعتراف أكثر وتمكين أكبر في المجال العام، في طموح إلى إيجاد قوانين تحمي الحقوق المكتسبة بناء على أسس الشريعة الإسلامية.
في البداية تكتب التونسية آمال قرامي عن اختراق عدد من النساء مجال المعرفة الدينية، وتمسكهنَ بحق الكلام في المجال العام، وكيف استطاعت العالمات تغيير بعض الصور النمطية والتمثلات الخاصة بالمرأة والإدلاء بدلوهن في حركة الاجتهاد، وأن إعادة تأويل مجموعة من الآيات القرآنية عن المرأة، جاء نتيجة لامتلاك عدد من النساء أدوات بحث جديدة، وانفتاحهن على علوم العصر، وتأثر بعضهن بالدراسات النسوية التي أنجزت بشأن التوراة والأناجيل أو اللاهوت المسيحي أو اليهودي، كما تناولت الدراسة في خاتمتها السلبيات المترتبة على حضور العالمات في الفضاء الإعلامي، وجهل بعضهن بقواعد العمل في المجال الإعلامي، وأسباب ترحيب بعض الحكومات والمجتمعات بفئة العالمات لتوظيفه في تحصين النساء أخلاقياً وأسلمتهن على يد بنات جنسهن.
أما أميمة أبو بكر فارتكزت دراستها على ماتراه الباحثة اجتهاداً في استقراء لبعض الظروف المحيطة بنزول آيات مختارة من القرآن، تناولت علاقات النوع والجنس، تركيزاً على محور السلوك السلطوي لبعض الرجال، و نمط التفكير الأبوي المهيمن، وتناولت دراستها تحليلاً من منظور نقدي نسوي يأخذ مسألة علاقات القوة والتمكين بين الجنسين (الجندر) في الاعتبار، كما شرحت دراستها اهتمام معظم المفسرين والفقهاء في خطاباتهم بتسليط الضوء على الحق الرجالي المطلق في تعدد الزواج، والنظرة المنحازة إلى التركيز على الامتيازات المطلقة ، معتبرة ذلك مجانبة للصواب في فهم المقصد الإلهي الأساس، مستعرضة وعي النساء المبكر بخصوصية موقعهن – كنوع أو كفئة – داخل الجماعة المؤمنة.
وتبرز الباحثة اللبنانية ريتا فرج الدلالات المهمة لدخول المرأة في معترك الإسلام الحركي، سواء على صعيد تظهيرها كعنصر فاعل في الإطار الدعوي والاجتماعي وإلى حد ما سياسي؛ أم لتصاعد دورها ولو بشكل تراكمي طفيف داخل حركات جهادية وسياسية ما زالت حتى الوقت الراهن تبحث عن إطار لتأكيد شرعيتها، وتشي هذه العوامل حسب الدراسة بتحول المزاج الإسلاموي نحو مزيد من مجاراة أزمات الواقع، في الحيز الذي قدمته بعض الحركات الإسلامية للمرأة، مما يبرهن عن معطيات مفصلية عن الأدوار الجديدة التي اضطلعت بها المرأة، التي تعاملت معها السلطات الحاكمة بحذر، ونظر اليها الغرب بالمقابل من منطلق لا يقل توْجساً عن البيئات السياسية الحاضنة لها.
قدمت الباحثة السعودية فوزية الخليوي رصداً صحافياً لقضايا المرأة السعودية وحراكها الاجتماعي والثقافي وردود الفعل إيجابا ورفضا في الإعلام السعودي، متناولة موقف التيارات السعودية من محافظين وليبراليين ورجال دين من القضايا التي أثيرت في السنوات الماضية، وتصاعدت وتيرة المطالبة بها مع الانفتاح الاعلامي الذي عاشته السعودية منذ تولي الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم 2005، وهي قضايا كانت تدور حول حقوق المرأة الزوجية والطلاق، وقيادة السيارة، إضافة إلى عملها في المحاماة وتوليها الإفتاء ومنصب القضاء وقصر بيع الملابس النسائية على المرأة.
شرحت الباحثة الإماراتية سعاد العريمي كيف أن مسار مجتمع الإمارات الحديث يوضح أن الإسلام يشكّل مدرسة تعليمية فقهية لجميع فئات المجتمع، ويمثل مرجعية تقويمية للتجمعات النسائية الإسلامية، ولكنه لا يشكّل مدرسة فكرية نسوية منظمة. وتشرح الكاتبة أن النسائية الإسلامية حاضرة في الإمارات ولديها سجل تاريخي حافل بالإنجازات، ولكن ليس لديها “منهجية نسوية” واضحة. فآليات الحركة النسوية غير معمول بها في نطاق النشاط النسائي الإسلامي في مجتمع الإمارات. ولا يوجد توجه إسلامي نسوي منفصل عن رؤية الرجل، فجميع الأنشطة الإسلامية هي أنشطة جماعية لا تفرّق بين الذكر والأنثى، وبذلك لا يمكن أن يطلق على هذه التجمعات النسائية الناشطة لقب “النسوية الإسلامية،” بل هي نسائية إسلامية.
تناولت الباحثة المصرية أميمة عبداللطيف تأسيس تنظيم ” الأخوات المسلمات” عند جماعة الإخوان المسلمين، وهو وجه من وجوه التنظيمات النسائية، المنضويات تحت راية جماعات الإسلام السياسي، وهو من المسائل التي حرصت بعض الجماعات على أن تظل في خانة المسكوت عنه، في حين أفصحت عنه جماعات أخرى.كان المحيط السياسي والمجتمعي، الذي تتفاعل فيه هذه الجماعات، هو العامل الحاسم في إخراج الوجود النسائي للعلن والاحتفاء به، أو محاولة إبقائه في الظل حفاظاً عليه ليبقى دوماً خط الدفاع الأخير في حال تعرضت الجماعة لموجة اضطهاد تهدِّد وجودها، كما هو حال جماعة الإخوان المسلمين في خمسينات وستينات القرن الماضي. ومن خلال مقابلات قامت بها الباحثة مع ناشطات ينتمين إلى حزب الله في لبنان، وحركة الإخوان المسلمين في مصر، وجبهة العمل الإسلامي بالأردن، أظهرت الدراسة أن هناك إجماعاً على وجود نقاش حيوي بين الناشطات أنفسهنَّ حول دورهنَّ في الحركة الإسلامية. وعلى الرغم من أن النقاش ما زال في بداياته إلا أنه يؤكد الطرح القائل بأن النشاط السياسي للمرأة في الحركات الإسلامية يتطور بشكل متسارع.
عرفت التنظيمات السياسية الاسلامية في المغرب العديد من التحالفات فيما بينها، مكونة بذلك تيارا يقبل بالانخراط في المؤسسات الدستورية. هذا التيار كون نساء سياسيات لهن مرجعية إسلامية، انخرطن في المجتمع المدني، كما دخلن معركة الانتخابات، وأضحين نائبات في البرلمان، وفي الجماعات المحلية. ومن خلال تجربة ندية ياسين ابنة رئيس حركة العدل والإحسان المغربية يذهب عبدالرحمن عنبي من خلال بحثه إلى أنه لا يزال هناك إلى اليوم صراع بين الخاص والعام، الخاص هو الذي تأبى المرأة أن يلتصق بها في وظائفها المتعدّدة، وتسعى إلى الخروج منه لمزيد من المشاركة في الحياة العامة، والعام الذي يأبى الرجل التنازل عن جزء من مساحته لمزيد من المشاركة السياسيّة لـ “الآخر” الذي يعيش معه.
حسن عبود قدمت تحليلاً لتجربة زينب الغزالي من خلال كتابها( أيام من حياتي) تتيح لنا فرصة التعرّف عن كثب إلى آراء الغزالي السياسيّة والدينيّة والنِسويّة السجالية، فقد قدّمت الغزالي نفسها كقدوة مع الطليعة من “الإخوان المسلمين”، وتمتّعت بشخصيّة مستقلّة، وبحريّة لا تندرج بالمعتاد لدى المرأة الإسلاميّة الداعية. وقد وُظِّفَتْ سيرتُها سياسيًّا من قبل “الإخوان”، وكانت من أولى السِّيَر التي تُرجمت إلى اللغات الأوروبيّة والإسلاميّة.
“خارج السرب ” للمفكر الأردني فهمي جدعان هو موضوع إحدى القراءتين في كتابنا، فمن خلال حسن عبود نقرأ الكتاب الذي تناول النِّسوية الإسلاميّة الرافضة وإغراءات الحريّة” بأدبيات ونشاطات “عصبة” من النِّساء المسلمات المهاجرات من البلاد الآسيويّة والإفريقيّة الى الحضن الأوروبي أو الكندي. وقد جاءت هذه “العصبة”- بتعبير جدعان- بخطاب نِسوي معولم يلوم الإسلام على كل المصائب التي ألمّت بهن في أوطانهن، إنْ كان من ناحية الاستبداد “الذكوري”، أو ناحية “المجموع الفقهي النسائي” الإسلامي المضادّ للعقل والحريّة.
قدمت فدوى الجندي قراءة أخرى-في عددنا الاستثنائي- لكتاب الباكستانية الأصل صبا محمود والكتاب يعالج بعض المفاهيم التي يثيرها اندماج النساء في الحركة الإسلامية التي تشكل تحديا للفكر الليبرالي والعلماني على وجه العموم وللنظرية النسوية بالأخص، وذلك عن طريق دراسة ميدانية لحركة النساء التقوية في المساجد. حيث تعقد النساء لأول مرة في تاريخ مصر وبأعداد هائلة لقاءات عامة في المساجد لتدارس العقائد الإسلامية، مما نتج عنه تغيير في شخصية المساجد بصبغتها الرجولية وفي فن التعليم الإسلامي، وتناقش النساء بطريقة منفتحة سير تفاصيل أدق حياتهن اليومية لتتجانس مع متطلبات التقوى الإسلامية.
دراسة العدد عن توظيف جماعات العنف الإسلامي للمرأة والطفل في (جهادها)، تناوله عمر الشير الترابي ، مؤكداً أن الحركات الإسلامية تختلف بشكل كبير فيما بينها في رؤيتها “للمرأة”، ومع ذلك فقد برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة تجنيد النساء والأطفال في حركات العنف الإسلامية بكل طوائفه، إذ إنه من اللافت للنظر تزايد حالات انضمام العنصر النسائي في العمل العسكري، الذي وصل إلى حد توليهِنّ بعض العمليات العسكرية التنفيذية العليا إلى أن وصلت القيام بالعمليات الانتحارية (الاستشهادية)، وفي المحور الثاني تحدثت الدراسة عن اعتماد الجماعات ذاتها على الأطفال والقُصَّر في عمليات مشابهة، وفي حالات أخرى بنحو أقل تلك الجماعات على الأطفال. وقام الباحث بطرح بعض الأسئلة، وسعى من خلالها عبرها إلى رصد الأجوبة الممكنة، ورسم الصورة التي تشخص الظاهرة، وتحاول ربطها بسياقها الفكري والخلوص ببعض النتائج والحلول.
رئيس المركز