تعتبر حركة الجهاد الإسلامي حركة سياسية نافذة في الحياة السياسية الفلسطينية، على الأقل في شقها الإسلامي، لاسيما وأنها كانت سباقة في العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، وما شكلته من بارقة أمل لدى العديد من الشباب الفلسطيني
لكن السنين الثلاثين الأخيرة التي مضت على تأسيسها، لم تستطع النهوض بها إلى مستوى العمل السياسي الذي يتجاوز الفعل المسلح، كما نجحت بذلك حركة حماس على سبيل المثال التي جاءت بعدها في الانطلاق الفعلي، لكنها سجلت نجاحات سياسية وعسكرية كبيرة.
ومع ذلك، فقد أثارت حركة الجهاد الإسلامي الكثير من التساؤلات المشروعة حول مشروعها السياسي، الفكري، العسكري، علما بأنها أجابت عن الكثير من تلك الأسئلة من خلال كتابات ومقابلات أعدها جملة من قادة الحركة والناطقين باسمها، والكتابات الفكرية المقربة منها.
في هذا الملف من “كتاب المسبار الشهري”، واستنادا إلى عدد من دراسات المتخصصين في الساحة الفلسطينية، يحاول المشاركون الإجابة عن هذه التساؤلات، في مختلف المجالات: التاريخية، السياسية، الفكرية، العسكرية، الثقافية، العلاقات المحلية والإقليمية والدولية.
بداية يتناول الباحث عدنان أبو عامر البدايات التاريخية لانطلاق الحركة، وما رافق ذلك من معطيات تاريخية وسياقات سياسية، مركزا على الميراث التاريخي الذي اعتمدت عليه في إقامة بنيتها الفكرية والجماهيرية، ومستفيدة في ذلك من القواعد التي بنتها جماعة الإخوان المسلمين خلال عقود النصف الثاني من القرن العشرين.
ويستعرض الباحث التطور الذي شمل الحركة، بدءاً بالعمل الدعوي، والمؤسسات، ومواقف الحركة من العديد من التطورات على الساحة الفلسطينية، لاسيما مسيرة التسوية، وقيام السلطة الفلسطينية، وما تبعها من مجريات سياسية داخلية.
ثم ينتقل الكاتب عامر خليل إلى البناء التنظيمي لحركة الجهاد الإسلامي، وهي مسألة معقدة لطبيعة السرية التي تحيط بعمل أجهزتها المختلفة، والدوائر الضيقة لبنائها التنظيمي، الذي يتميز بتركيزه على العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي.
لكن السنوات الأخيرة في انتفاضة الأقصى شهدت توسعا ملموسا في جميع مجالات العمل التنظيمي الجماهيري، وتكونت أجهزة ودوائر معلنة، تحمل عناوين العمل المختلفة لها، بما يوازي عمل أي مؤسسات في دولة مستقلة، متناولا بالتحليل أبرز هياكل العمل التنظيمي كاللجان الدعوية، الطلابية، السياسية، النقابية.
ينتقل د. زكريا السنوار بالحديث إلى العمل العسكري عند الجهاد الإسلامي، وما رافقه من طرح تساؤلات تتعلق بمن بدأ العمل المسلح فعلا؟ وأبرز السمات الميدانية التي ميزت عملها الفدائي؛ كما تتناول الدراسة أهداف العمل الفدائي عند الجهاد، وما بات يعرف في الساحة الفلسطينية بـ”إشكالية التبني” للعمليات العسكرية.
أما عن الموقف الإسرائيلي من الجهاد الإسلامي، فيتناوله د. إبراهيم أبو جابر من خلال القراءة الإسرائيلية لظاهرة الحركات الإسلامية الفلسطينية، عبر إيراده للعديد من التفسيرات والتحليلات الاستخبارية والبحثية في آن واحد معا.
وتتناول دراسة أخرى موقف حركة الجهاد الإسلامي من نظيراتها من الحركات الإسلامية الأخرى، خصوصا جماعة الإخوان المسلمين، ووليدتها الشرعية حركة حماس، وطبيعة العلاقات التي ميزت الجانبين، تاريخيا وسياسيا وتنظيميا وميدانيا، من خلال التنقل بين المراحل التاريخية لهذه العلاقات بين عامي 1980-2008.
وعن السيناريوهات التي تراها الجهاد الإسلامي مناسبة لمعالجة المأزق الفلسطيني، خاصة على صعيد الانقسام الفلسطيني القائم حاليا، يخصص د. خالد شعبان دراسته، التي تتعرض أيضا لرؤية الجهاد لكيفية النهوض بالحالة الفلسطينية، دون الإخلال بمبدأ المقاومة التي تراه الحركة قاسما مشتركا لجميع القوى السياسية.
وحول علاقة الجهاد الإسلامي بالسلطة الفلسطينية، يعرض د. خالد صافي قراءة تاريخية تفصيلية لهذه العلاقة، التي اتسمت خلال مرحلة الدراسة 1994-2008 بالتوتر وعدم الوفاق، باستثناء بعض السنوات التي اشتدت فيها الحملة الإسرائيلية على الجانبين أوائل انتفاضة الأقصى.
واختار الباحث نهاد الشيخ خليل الحديث عن دور المؤسس د. فتحي الشقاقي الأمين العام الأول للجهاد الإسلامي في بناء ومسيرة الحركة، لاسيما في مراحلها التأسيسية الأولى، وأهم المبادئ الفكرية التي أسس لها، وحجم الفراغ الذي تركه الشقاقي بعد اغتياله.
ويقدم الصحافي مأمون عامر قراءة فكرية في كتاب “رحلة الدم الذي غلب السيف”، وهو عبارة عن الأعمال الكاملة للشقاقي، والتي جمعها ووثقها د. محمد السيد سعيد، مركزا الحديث على أبرز المحاور الفكرية تحديدا للجهاد الإسلامي، بما تشمله من النواحي الثقافية والعلمية.
أما دراسة الكتاب المستقلة، فهي تأتي ضمن سلسلة “في العقل الأصولي”، حيث يتناول د. هيثم مناع إشكالية الإسلام وحقوق الإنسان، ويعرض لقراءات إسلامية للمفهوم، مؤكدا منذ البداية أن التطرق للإسلام وحقوق الإنسان في الضفتين العربية والأوروبية ليس بالمهمة السهلة، حيث تناولت الموضوع قلة قليلة في نهاية القرن التاسع عشر، أما الآن، فقد أصبحت مسألة حقوق الإنسان في الإسلام من الموضوعات التي تتناولها معظم التيارات الفكرية والسياسية الإسلامية، وهذا ما يتناوله د. المناع بالتفصيل في دراسته.
وبعد، فهذا الكتاب، وهو الإصدار السابع والعشرون من كتاب المسبار الشهري، يضم مادة سياسية وفكرية وتاريخية ثرية، جديرة بالدراسة والتأمل، لاسيما من خلال إعطاء صورة قريبة عن التيار الإسلامي الفلسطيني الذي بات يشكل عنصرا هاما ومركزيا في مسيرة الشعب الفلسطيني، لاسيما على صعيد التطورات السياسية التي تشهدها في المرحلة الحالية، وما سيكون له من نتائج وآثار بعيدة المدى.