كانت الحركة الإسلامية الأردنية هي الحركة الإسلامية الأسبق بعد مصر، ففي الأردن كان إنشاء الفرع الأول- عربيا – للإخوان المسلمين في أربعينيات القرن المنصرم، وهو الفرع الذي تأخر عقدا عن إنشاء أول فرع، وهو فرع الإخوان المسلمين في جيبوتي سنة 1933، كما نال الإخوان المسلمون الشرعية السياسية والمجتمعية في الأردن، في ظل حكم الأسرة الهاشمية، ومنذ عهد الملك المؤسس عبد الله الأول، وهو ما استمر في علاقة الجماعة بالسلطة، حتى ساءت تلك العلاقة أواخر عهد الملك الراحل الحسين بن طلال، وعهد الملك الحالي عبد الله الثاني، بعد انخراط الأردن في عملية السلام والتسوية مع إسرائيل.
ونشطت في الأردن منذ أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات تنظيمات السلفية الجهادية والتي امتد تأثيرها الفكري عبر عدد من المنظرين شأن أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني، أو القادة العمليين شأن أبي مصعب الزرقاوي صاحب الدور المعروف في قيادة القاعدة في بلاد الرافدين.
تموجات وتنوعات وتأثيرات داخلية وخارجية تلف المشهد الإسلامي الأردني، كانت دافعا وراء هذا الإصدار من كتاب المسبار الشهري التاسع والعشرين، وقد حاولنا قدر استطاعتنا إضاءتها من مختلف وجهاتها، وقراءة مختلف أبعادها وتأثيراتها.
في الدراسة الأولى يقدم لنا محمد عبد المجيد دراسة تعريفية بعنوان “الحركة الإسلامية الأردنية خارطة الاتفاق والاختلاف”، رسم لنا فيها خارطة الحركات الإسلامية في الأردن، ونقاط الاتفاق والاختلاف بينها من الناحيتين النظرية والعملية، وقد قسم لنا هذه الحركات إلى نوعين: الحركات التي لا تؤمن بالنهج الديموقراطي، وتلك التي تؤمن به.
ثم تأتي دراسة محمد حسن الشريف حول التنظيم الإسلامي الأهم والأكبر في الأردن، وهو تنظيم الإخوان المسلمين، متتبعا نشأته ورموزه وعلاقاته المختلفة مع السلطة والقوى الإسلامية الأخرى داخل الأردن وخارجه، وأهم مرجعياته الفكرية ومحطاته المختلفة.
وتكشف دراسة محمد زاهد جول: “الحركة الإسلامية الأردنية: إشكالية العلاقة بالآخر” عن تأثير البيئة الأردنية على الحركة الإسلامية الأردنية، حيث يرى كاتبها أن التركيبة الديموغرافية والسكانية في المجتمع الأردني لعبت دورا أساسيا في تكوين الحركات الإسلامية في الأردن، وكاشفاً عن هذا التأثير في علاقة إسلاميي الأردن بكل من الدولة والقبيلة في المجتمع الأردني.
من جهته يرى حسن أبو هنيه في دراسته بعنوان: “السلفية الجهادية في الأردن: النشأة والإطار والدور”، أن التحولات العميقة دولياً وإقليمياً ومحلياً، عملت على بلورة السلفية الجِهادية الأردنية، وفي حين كشفت نتائج الانتخابات النيابية الأولى عقب الانفتاح والتحول الديموقراطي عن قوةِ الحركة الإسلامية الأردنية، ومدى نفوذها وحُسن تنظيمها، فقد كشفت في الوقت نفسه عن بروز السلفية الجِهادية وخطرها في الداخل، بعد عودة “الأفغان الأردنيين”، الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني، والذين أحسوا بالزهو والقوة كمنتصرين.
وفي دراسته “جبهة العمل الإسلامي: المنطلقات الفكرية والتجربة والدور”، يقرأ الباحث محمد أبو رمان تجربة حزب جبهة العمل الإسلامي، التي تمثل الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وقد جاء تأسيس حزب جبهة العمل الإسلامي عقب عودة الحياة الديموقراطية والبرلمانية عام 1989، وعقب صدور قانون الأحزاب عام 1992، تقدم حزب جبهة العمل بطلب ترخيص، وتم قبول الطلب بتاريخ 8/10/1992، وعمل على تصويب أوضاعه القانونية عقب صدور قانون الأحزاب الجديد لسنة 2007.
ثم تأتي دراسة مروان شحاده المفهومية حول: “إشكالية القطرية والأممية في فكر إسلاميي الأردن” والتي تنطلق من تساؤل رئيسي مفاده: هل هناك إشكالية بين القطرية والأممية في فكر إسلاميي الأردن؟ وهو ما تحاول الإجابة عنه من خلال تتبع تشكل الحركات الإسلامية المعاصرة في الأردن، بمختلف توجهاتها وأطيافها، والتي تأتي ضمن تناول نسق علاقات الداخل والخارج لدى جماعة الإخوان المسلمين.
ثم تأتي قراءة خالد وليد لتجربة الإخوان المسلمين السياسية في الأردن، وهذا يعني أن الجماعة تتعامل بنوع من البراغماتية مع الديموقراطية، فهي لم تحدد موقفاً واضحاً، وتركت لنوابها حرية الكلام بين القبول والرفض، وكذلك الحال مع التعددية السياسية، حيث يلاحظ الكاتب غموض الموقف الإخواني منها، وأن موقف الجماعة من الديموقراطية إنما هو موقف تكتيكي جاء فقط استجابة للتحولات الداخلية والخارجية في المجتمع، كما يعكس محاولةً للتوافق مع التيارات الفكرية والسياسية، التي أخذت تنافس الجماعة.
ويقرأ الدكتور على سليمان كتاب” الإِخْوَانُ الْمُسْلِمُونَ فِي الاِنْتِخَابَاتِ الأُرْدُنِيةِ 2007″ لمؤلفه الباحث والخبير في دراسات الحركة الإسلامية محمد أبو رمان، والذي يحاول تفسير النتائجُ المتواضعةُ لجماعةِ الإخوان المسلمين في الأردن، في الانتخابات النيابية التي جرت في 20/11/2007، والتي شكلت صدمةً كبيرةً لمعظم المراقبين والمحللين.
أما دراسة العدد للباحث هاني نسيره، فتأتي مفتتحة سلسلة جديدة من الدراسات المستقلة حول العلاقة بين الشرق والغرب، وهي بعنوان “الحوار مع الغرب: مداخل معرفية”، وباحثة عن مداخل وسيناريوهات معرفية لإدارة حوار الشرق مع الغرب، وأهمية هذا الحوار ومرجعياته وإشكالياته وسيناريوهاته، كما تقترح عددا من المداخل المعرفية المهمة في هذا السياق، مؤكدة على أهمية موضوع الحوار مع الغرب، ليس فقط في تشكيل علاقتنا بالآخر، ولكن في تشكيل علاقتنا بالذات في الآن نفسه، وأن إشكال الحوار هذا كان المخاض والحاضنة التي ولد منها سؤال النهضة الكبير والمرير، الذي فجره أمير البيان شكيب أرسلان في ثلاثينيات القرن الماضي، في كتابه “لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟”، ومن خلال عدد من المحاور يناقش شروط الحوار ومجالاته ولغته وكيفيته والسيناريوهات الممكنة في إدارته.
إن هذا الإصدار التاسع والعشرين من كتاب المسبار الشهري يأتي كاشفا عن جدل إسلاموي- إسلاموي ساخن بين تيارات إسلامية تتصاعد وتتنافس على القاعدة المجتمعية في الشارع العربي، كما تأتي مؤكدة على التباس العلاقة بين الإسلاميين والسياسة من جهة، سواء بالدوران عليها أو بالرفض لها، وكذلك التباس العلاقة بالسلطة التي لم يستمر سلامها معها بعد طول وفاق.