بعد أن قدمنا الإصدار التاسع عشر من كتاب المسبار الشهري حول الإسلامية اليمنية (يوليو/تموز 2008)، بتمثلاتها المختلفة، شيعية وسنية، نخصص هذا الإصدار الحادي والثلاثين لدراسة شيعة اليمن، زيدية وإسماعيلية أو مكارمة كما هو دارج، ليس فقط لزخمها التاريخي الممتد عبر قرون حتى قيام الثورة اليمنية في ستينيات القرن المنصرم، ولكن كذلك لقراءة تأثيراتها وتمثلاتها المعاصرة التي نشطت في العقدين الأخيرين، ليس فقط على المستوى السياسي والعمل السلمي، ولكن أيضا على مستوى المجابهة والصدام مع الدولة المركزية، كما تمثل في حركة الحوثي وأبنائه. ولا يقف الحضور الشيعي التاريخي والمعاصر في اليمن عند حدود الفرقة والإمامة التاريخية، ولكنه يمتد صراعا نظريا حاضرا، تأثيرا وتأثرا، اتفاقا واختلافا، مع الفرق الأخرى، سواء في ذلك الأغلبية السُّنية أو الإمامية الاثنى عشرية.
من هنا أتى هذا الإصدار الحادي والثلاثون من كتاب المسبار ليشعل مصباحا يضئ عتمات المشهد الشيعي في اليمن، ونأمل أن يشكّل كتابنا “شيعة اليمن” إضافة في هذا المجال.في البداية يقرأ المفكر اليمني الأستاذ زيد الوزير تاريخ وحاضر الزيدية في اليمن، وإشكالات قراءة هذا الحضور من وجهة نظر زيدية ونقدية لكثير من الرؤى التاريخية والسياسية حول وضع الشيعة في اليمن.
ثم تأتي دراسة الدكتور فؤاد البنا المعنونة “الحركات السياسية الشيعية في اليمن” التي يقرأ فيها خريطة الحركات والأحزاب السياسية الشيعية المعاصرة، وهي حزب الحق الذي تأسس سنة 1990، والذي قدم نفسه كمدافع عن المذهب الزيدي وحقوق أبنائه، وإظهارهم كأقلية مضطهدة، على الرغم من أن رؤساء السلطات الثلاث في البلد زيديون، متتبعا مساره السياسي ومنبره الإعلامي وتركيبة قياداته ومواقفه المختلفة، وانتهاء بأزمته، ويرى الباحث أن لهذا الحزب ميولا إمامية واضحة، ثم تناول حزب اتحاد القوى الشعبية الذي يسيطر عليه آل الوزير، والذي تأسس سنة 1962 وقد تأثرت قياداته بفكر الإخوان المسلمين والمفكر الجزائري مالك بن نبي، ويلاحظ على خطاب أصحابه -كما يرى الباحث- أنه أوسع من دائرة فعله وتأثيره بدرجة كبيرة، ثم تناول تنظيم الشباب المؤمن، وهو التنظيم الذي خرجت عنه جماعة الحوثيين، ويرصد الباحث انشقاق وخروج بعض الشباب من حزب الحق وانضمامهم لتنظيم الشباب المؤمن، ثم حركة التوحيد والعمل الإسلامي التي أعلن عن تأسيسها بعد الوحدة إبراهيم بن محمد الوزير، ولكن هذه الحركة اختفت قبل أن تظهر ولم يبق منها سوى صوتها الإعلامي المتمثل في جريدة البلاغ، كما عرض الكاتب لانشقاق حركة الحوثيين وموقف الحركات الشيعية المختلفة منها، وعرّف بما يسمى بالمجلس الأعلى لشيعة اليمن والخليج، الذي تكون في إيران، ويتزعمه شيعي يمني مقيمٌ فيها، اسمه عصام بن علي العماد.
ويقرأ الباحث عبد الفتاح البتول في دراسته “الشيعة في اليمن من التأسيس إلى الترسيخ” جذور وأفكار واتجاهات الزيدية في اليمن، ومدى انطباق فروعها على أصولها أو مغادرتها لها، ومخالفتها لما أسسه الإمام زيد نفسه، وإن كانت هذه الدراسة تحمل موقفا لا تخفيه من التأكيد على التقارب بين الزيدية والإمامية تاريخا ومعاصرة، ونفي مثل هذا التقارب بينها وبين مذهب أهل السُّنة، إلا أنها تضيف لمعرفتنا بالشيعة الزيدية وفرقها وتطوراتها حتى العصر الحاضر.
وعن دور الزيدية في الثورة اليمنية، وكيف بدأت إرهاصات هذه الثورة زيدية بشكل كبير، منذ اعتراض الأسر والنخب الزيدية على توريث الإمام يحيي ابنه الإمام أحمد بعده، ثم تأكد هذا الدور عبر مشاركة عدد كبير من النخب الزيدية في الثورة اليمنية سنة 1962، يكتب الدكتور فؤاد البعداني عن “الثورة والزيدية في اليمن”، وتتتبع هذه الدراسة الحضور والوجوه الزيدية في الثورة اليمنية، وبعد قيامها، مؤكدة على سعيها إلى الوقوف على معالم تلك العلاقة، من أكثر من جهة، منها: ارتباط الحكم الإمامي قبل الثورة بنظرية الإمامة الزيدية، وقيام الثورة اليمنية ضد الحكم الإمامي وفكرة الإمامة، ثم دور الفكر الزيدي، والمعارضة الزيدية، في تفجير الثورة اليمنية.
وعن العلاقة بين الشيعة الزيدية في اليمن والإمامية الاثنى عشرية يقدم لنا الشيخ محمد المهدي دراسته “الزيدية والاثنى عشرية: أوجه الاتفاق والاختلاف”؛ فرغم ظهور الزيدية في اليمن بمظهر الاعتدال عند أهل السنة، وأنها ليست مذهباً مضارعاً للاثنا عشرية في نظرته إلى الصحابة، وعامة المسلمين، إلا أن تقاربا تاريخيا وحادثا قد قرب بين الفرقتين أوجد اتفاقا بينهما في عدد من الأصول والفروع وصار جزءا من جهود التجديد الزيدي فك هذا الارتباط والعودة إلى الأصل، أو القرب من السُّنة، والابتعاد والاختلاف مع الاثنى عشرية.
وفي دراسة أخرى يقرأ الدكتور سفيان المقرمي جذور الشيعة الإسماعيلية في اليمن حتى العصر الحاضر، عارضا لدولتيهم التاريخيتين فيه في عهد علي بن الفضل والدولة الصليحية حتى انتشار مجموعاتهم الجغرافي في الساحة اليمنية، مؤكدا على استمرار المشكل التوثيقي في التأريخ للشيعة الإسماعيلية نظرا لدخولهم دورات الستر أكثر من دورات الكشف، وهو المشكل المستمر الذي نرى أن من الضرورة إزالته وحله نحو الدفع بالبحث حول هذه الطائفة والفرقة التي كادت أن تحكم إحدى دولها الأمة الإسلامية جمعاء في القرن الرابع الهجري، ألا وهي الخلافة الفاطمية.
ثم يعرض الدكتور أنور الخضري في دراسته “الصراع الزيدي السلفي” لمسارات الصراع بين الزيديين والسلفيين من الوهابيين وغيرهم، خاصة في ظل بروز جناح متشدد داخل الزيدية أيضا، تحول لمسلح في السنوات الأخيرة على يد جماعة الحوثي، التي مثلت صحوة زيدية عنيفة بعد الوحدة سنة 1994، ويعرض الخضري في دراسته للجدل المتبادل بين الفريقين والكتابات التي عرضت له، بتحيز لأحدهما ضد الآخر، مستثنيا في دراسته بعض المحطات المهمة التي تقاربت فيه الفرقتان، مثل مرحلة الإمامين محمد بن علي الشوكاني والأمير الصنعاني وغيرهما، كما يعرض بالخصوص للصراع العملي المحمول على هذا المنطق النظري والعقدي السابق كما يتجلى حاليا ومنذ عقد التسعينيات في حركة الحوثي وثورتها ضد النظام اليمني للرئيس علي عبد الله صالح، والذي وجد سندا هائلا من السلفيين بمختلف تنوعاتهم بما فيها السلفية الجهادية والقاعدة، حسب بعض الآراء، وقد خلص الباحث إلى أن مستقبل الصراع الزيدي السلفي صراع فكري مذهبي بالأساس، وأن هناك من القوى التي تسعى إلى تحويل هذا الصراع إلى شكل عنف مسلح ومواجهات عسكرية، يطغى عليها طابع التعصب المذهبي والحقد الطائفي. وفي حين يتخوف السلفيون في اليمن من مصير كمصير قوى السُّنة على يد ميليشيات الطوائف الشيعية في العراق، كما أبدى الشيخ المهدي ذلك في حواره مع صحيفة الرشد، يبقى تيار الحوثي مدعوماً من قوى إقليمية، مجهزا عقديا وعسكريا لصراع بهذا الطابع.
وكدليل على التقهقر الزيدي والأزمة النظرية والعملية تأتي دراسة سعيد عبيد الجمحي حول “المتحولون من الزيدية إلى السلفية”، والتي عرض فيها لنماذج متعددة من المتحولين من الزيدية إلى أهل السنة قديما وحديثا، ولكنه ركز في دراسته تلك على عَرَّاب السلفية اليمنية الشيخ الراحل مقبل بن هادي الوادعي أحد أشهر المراجع السلفية المعاصرة، وأكثرها تشددا، حتى كان أحد مرجعيات الجماعة السلفية المحتسبة التي قامت بأحداث جهيمان سنة 1979، وتواصل طرحه وجرحه وتعديله ليس فقط للزيدية والفرق الأخرى، ولكن صراعا على السلفية ذاتها بينه وبين سلفيات أخرى يرى انحرافها عن المنهج السلفي الصحيح، ويحاول الباحث في هذه الدراسة توضيح مراحل حياة الوادعي ودوره وتفسير تحوله كما أتى في كتاباته وأهم مراكز دعوته داخل اليمن.
وتأتي دراسة الدكتور أحمد الدغشي “االتشيع المعاصر في اليمن: الحوثيون أنموذجا” مركزة على أبرز الحركات الشيعية المعاصرة في اليمن، وأبعدها أثرا وخطرا، وهي الحركة الحوثية التي أخذت مساحة واسعة من الجدل الثقافي والفكري على الصعيدين الداخلي والخارجي، وظهرت كتابات متباينة الوجهة حولها، تأييداً ومعارضة، بدوافع مختلفة، حتى غلبت على قراءتها القراءة ذات اللون الواحد، وبالعين الواحدة، هي عين المحب الغالي، أو المبغض الشاني، عارضا لأسسها الفكرية ومواقفها العملية وعلاقتها بالسلطة والاتجاهات الأخرى.
ثم يقدم مجيب الحميدي قراءة لكتاب أشواق أحمد غليس “التجديد في فكر الإمامة عند الزيدية في اليمن” وهو يعد واحدا من أهم الكتب التي تسلط الضوء على جهود التجديد داخل المذهب الزيدي والموقف من الإمامة، التي دعت النخب الزيدية لتجديدها عبر الإمامية الدستورية، في ثورة 1948، ثم تجاوزها عبر الجمهورية الشوروية عند آل الوزير بعد قيام الثورة.
ونتابع في هذا العدد سلسلتنا المستقلة حول “العلاقة بين الإسلام والغرب” والتي نقدم فيها دراسة الدكتور قدري حفني المعنونة “حوار الإسلام والغرب بين المدخل النفسي ودعاية الحرب” والتي يعرض فيها لإشكالات العلاقة وكيف نجحت بروباغندا الحرب في تأجيج شعارات الكراهية والعداء هنا وهناك. وكعادتنا في كتاب المسبار الشهري نقدم للقارئ ببليوغرافيا بأهم المؤلفات العربية والأجنبية حول ملف الكتاب هذا الشهر “شيعة اليمن” عساها تضيف لعارفٍ معرفة، ولطالبٍ علما ولمجتهدٍ مفتاحا جديدا.
كما يضم الكتاب كعادته باب الذاكرة، ذاكرة الكتاب، الذي تأتي فيه حوادثه متعاقبة متوالية مضيفة لوعينا تنظيما ولقراءتنا تراتبا.ونَعِدُ إذ نقدم لهذا الإصدار الحادي والثلاثين من كتاب المسبار الشهري، أن نتابع الإسلامية اليمنية المسلحة، خاصة صعود تنظيم القاعدة الذي اتخذ من اليمن قاعدة ينطلق منها لعدد من دول الجوار، في إصداراتنا القادمة.