أزمة الصومال المزمنة لا يمكن ردها إلى عنصر واحد، وكيل الاتهامات من قبل كل فئة إلى الأخرى ليس حلاً، بل إنها نتاج تداخل من العناصر الدخيلة على المجتمع الصومالي والمتأصلة فيه، والإسلاميون في الصومال يشكلون اليوم مساحة كبيرة من خارطة اللاعبين على الساحة الصومالية.
كتاب المسبار الثاني والأربعون يتناول الخريطة الإسلامية الصومالية، التي هي من التنوع والتعقيد بحيث يصعب إخضاع مكوناتها لمعايير ثابتة ونمطية من حيث التصنيف.
في دراسته عن دور الإسلاميين في المجتمع الصومالي يوضح محمد عمر الشيخ أحمد الموقف الشعبي العام لدى الصوماليين من النمط الجديد لرجال الدين متمثلا في شباب الصحوة الإسلامية/ المطوع الحركي الجديد، حيث جاء بخطاب يجمع بين العصرنة وبين التمسك بثوابت الأمة، وكانت نظرة عموم الصوماليين إيجابية لأنهم رأوا فيه النمط الأقرب من روح الإسلام.
ويعرض محمد عمر أحمد ثلاث مراحل ذات ملامح واضحة مرت بها الحركة الإسلامية في الصومال، ولكل مرحلة أدواتها في التعبير أو رفض الواقع السياسي والاجتماعي الذي كان سائداً، الأولى مرحلة الإحياء والبعث، والثانية مرحلة بناء الجسور مع المجتمع، والثالثة مرحلة التصدي لقيادة المجتمع.
ويخلص الباحث إلى أنه رغم أن الكثيرين يعتبرون تلك الجماعات المتعددة في الساحة الدعوية في الصومال تمثل التنوع والتخصص والتعدد والثراء الفكري، إلا أن الإسلاميين يعتبرون التنظيم الحركي وسيلة لا بديل عنها لتحقيق نصرة الإسلام في واقع الحياة، وفي مقابل هؤلاء من يشكك في صوابية التكتلات الحركية، ويعتبر وجودها سبباً لتفرق كلمة المسلمين وتكبيل طاقات الشباب كما تقودهم في النهاية نحو التباغض والتدابر والقطيعة المؤلمة.
أما آدم الأزهري فيتناول هيئة علماء الصومال التي تأسست على مبدأ الإصلاح بين الناس، واحتواء الخلافات بالنصيحة والأساليب الحكيمة، والعمل من أجل مصلحة البلاد والعباد.
وقد تأسست الهيئة في مقديشو بعد انشطار تحالف تحرير الصومال إلى جناحي جيبوتي وأسمرا، وانسحاب حركة الشباب المجاهدين من المحاكم، واشتداد وطأة الاحتلال الأثيوبي في عام 2007. ويشرح الأزهري أسباب فشل الهيئة في تحقيق أهدافها، ومنها عدم القدرة على جمع العلماء الصوماليين الموزعين في المهجر والأقاليم والولايات مما لو توفر لأضفى مصداقية على جهود العلماء المتطوعين، ومنها اتهام المعارضة للهيئة بأنها منحازة إلى جناح شريف شيخ أحمد بجيبوتي، ووجود الاحتلال الإثيوبي، الذي بات بدوره يعرقل وصول العلماء إلى المناطق الساخنة في الصومال.
ويقدم محمد الأمين محمد الهادي دراسة نادرة حول دور القبيلة والقبلية في الحركات الإسلامية الصومالية، وقد اعتمد الباحث على معلومات خاصة وإشارات متفرقة في ثنايا بحوث سابقة، ولقاءات كثيرة قام بها مع عدد من الإسلاميين الذين كانوا يبوحون فيها بأحاديث لا يتداولونها عادة مع الآخرين من غير الإسلاميين، ويخلص الباحث إلى أنه رغم تغلغل الولاء القبلي بين الإسلاميين، إلا أنه لا يبدو أن المستقبل سيكشف عن استقطاب واصطفاف قبلي بالكامل، ولكنه لن يكون خالياً منها كذلك، ولا سيما في المناطق الداخلية والرعوية، إذ ستجد كل قبيلة أن مصلحتها تكمن في الوقوف مع طرف ضد آخر لتقويته وبالتالي زيادة أوراقه في الأزمة الصومالية العويصة على الحل. وسيستمر لجوء الإسلاميين كما يحدث حاليا إلى استخدام قبيلة في منطقة معينة ضد قبيلة أخرى لتحقيق إستراتيجية السيطرة، ولكن عودة الاستقطاب الحاد الذي كان عليه في التسعينيات يبدوغير وارد.
ويتناول عبدالقادر كاتب التصورات المتباينة للجماعات الإسلامية الصومالية لقيام الدولة الإسلامية، ووسائل الجماعات المتنوعة للوصول إلى غايتها، وما هي صورة الدولة المنشودة، وطبيعتها وعلاقتها بأفرادها، وهل ستكون طبيعة الدولة التي تريد الحركات الإسلامية تطبيقها في الصومال على غرار الدولة الإسلامية الأولى في عهد النبوة والخلافة الراشدة شكلاً ومضموناً، أم ستكُون نظاماً يجمع بين الثوابت والمعاصرة في نظام الحكم الذي يسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ويقوم عبدالواحد شافعي بإلقاء الضوء على المشهد العام الذي آلت إليه الأحوال في الصومال بعد انهيار الحكومة المركزية، وشرح الظروف والسياق الذي ظهرت فيه المحاكم الإسلامية، فهي كانت جزءاً من مشروع أسلمة المجتمع الذي دشنته الحركات الإسلامية، قبل أسلمة الدولة كتطبيق عملي لشمولية الإسلام وتنظيمه جميع نواحي الحياة المختلفة.
هذا الفراغ الأمني والسياسي وعدم وجود مجتمع مدني حديث، أتاح فرصة ثمينة للحركات الإسلامية بمختلف تياراتها، وأحيا حلمها بإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة الإسلامية.
وينتهي الباحث إلى أن جوهر الأزمة في الصومال سياسية، وتتمثل فى غياب الدولة ومؤسساتها، وما سوى ذلك من انتشار الفوضى وعدم الأمن وظهور المحاكم الإسلامية وتمدد التيارات الجهادية ولجوء عناصر إرهابية إلى الصومال وظهور القراصنة في السواحل الصومالية؛ كل ذلك ليس إلاعوارض تنتهي بانتهاء سببها الأول، الذي هو انهيار الدولة وغياب النظام.
وتتحدث دراسة محمد أحمد عبدالله عن ثلاثة تيارات للإخوان المسلمين في الصومال، والتصدعات في جسم الجماعة التي أفرزتها تطورات الوضع في الصومال، وفشل مساعي تنظيم الإخوان الدولي في أوروبا واليمن والخليج، في محاولة التدخل وممارسة الضغوط على الأطراف المتخاصمة، إلا أن المحاولة لم تُجدِ نفعاً، بسبب الاتهامات التي وجهت إلى مكتب الإرشاد في مصر من قبل بعض الأطراف بأنه لم يكن محايداً، بل كان منحازاً إلى جانب القيادة المقالة، بدعوى مراعاة الشرعية.
ويعرض لنا مهدي حاشي الشخصيات الأكثر حضوراً في المشهد الإعلامي والسياسي في الصومال. تتبع الباحث مبررات الصعود المفاجئ لبعض هؤلاء الأشخاص على المسرح السياسي الصومالي، والتغيرات التي طرأت في حياتهم بعد دخولهم في دهاليز هذا المعترك، من أجل فهم الأسباب التي أدت إلى أن تصل الحركة الإسلامية في الصومال إلى الاقتتال الداخلي والتشرذم، رغم ادعائها المعلن بأنها تسعى إلى إنقاذ الوطن وإعادة بنائه، ويختم الباحث بأن الصومال الذي مزقته النزاعات القبلية والحزبيةعلى كل المستويات، من المستبعد أن يكون التوجيه والتأثير فيه لأشخاص معدودين، وليست ساحة الإسلام السياسي مستثناة من هذه القاعدة، حيث تتوزع الولاءات بين عشرات المنظرين الذين يتوالدون كل يوم.
أما نبيل البكيري فتناول محوراً لم يزل غامضاً عن العلاقة المفترضة بين تنظيم شباب الجهاد الصومالي والقاعدة، ويناقش الباحث هذه الفرضية على ضوء ماذهب إليه بعض المراقبين لشؤون القاعدة من أن القاعدة قامت أوائل التسعينيات باكتشاف أي مناطق العالم ستكون أفضل لإدارة الصراع، فكان الصومال أول ميدان للقاعدة خارج أفغانستان بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، مستنداً إلى بعض التصريحات التي أطلقها بعض قيادات التنظيم عن وجود علاقة وثيقة لهم مع القاعدة.
ويخلص الباحث إلى أن هذه العلاقة لاتعدو أن تكون مجرد تنسيق وتعاون مشترك وفي حدود ضيقة، فالأجواء الأمنية المشددة والعالم السري الذي تعيشه القاعدة وخلاياها لا تسمح بوجود أي نوع من التنظيم الهرمي العنقودي في المنطقة الجغرافية الواحدة، وهو ما يعني أن كل ما يجمع القاعدة بامتداداتها الفكرية ليس إلا علاقة أيدلوجية شعاراتية لا تنظيمية هرمية.
في دراسته يشرح لنا علي عبدالعال قصة التيار السلفي في الصومال، حيث وفد من السعودية ودول الخليج منذ الستينيات، ووجد موطئ قدم له، في بلد كان مرتعا لكلّ من الطرق الصوفية والشيوعية الماركسية في آن واحد، وتركز الدراسة على التدهور الذي يعصف بالسلفية اليوم في الصومال، والانشقاقات التي تحدث في صفوفها، مما يعني أن هناك خللاً ما داخلها، ولو لم يظهر إلى العلن بعد.
ويشرح سالم سعيد الحضرمي طبيعة العلاقة بين الصوفية والسلفية وتجليات تلك العلاقة التي اتسمت بالتصادم وعدم التلاقي في أي فترة من الأوقات. كما يسلط الضوء على الصوفية المقاتلة المتمثلة بحركة أهل السنة والجماعة، التي تطورت في بيئة بلغت فيها السلفية الجهادية الحدود القصوى في اضطهاد الصوفية والنيل من مقدساتهم، مما دفعهم إلى حمل السلاح والدفاع عن وجودهم، كما ناقشت أسباب صعود الحركة سواء كانت أسباباً خارجية أو داخلية، مثل تقاطع بعض العشائر مع الصوفية في ضرب حركة الشباب واحتوائها، وأن القوى الصوفية الصاعدة حالياً في الصومال قد تجد تأييد قطاعات واسعة من الشعب الصومالي بسبب تذمرهم من تشنج وتطرف تيارات السلفية المسلحة، والكامن الثقافي لدى كثير من الشعب الذي يحن إلى ماضيه الصوفي إذا أحسنت الصوفية صنعا في استقطابه.
قراءة هيئة التحرير في هذا العدد هي في كتاب “المحاكم الإسلامية في الصومال .الإنجازات والتحديات”، لعمر إيمان أبو بكر، الذي كان نائباً لرئيس شورى المحاكم الإسلامية 2006، والكتاب يحوي أحداثاً ووقائع وتواريخ تفيد الباحثين، وخصوصاً الأحداث الأخيرة في جنوب الصومال، في فترة تأسيس المحاكم الإسلامية.
ولكنه على أهميته لا يُعد دراسة تاريخية تتوافر فيها مقومات البحث العلمي، بل هو شهادة شخصية، وبيان صادر من “التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال”، الذي شهد التصدع في صفوفه، وتلاشى فيما بعد.
ودراسة العدد للطيب بوعزة جاءت عن سؤال النهضة الذي بقي هاجسا مرافقا للوعي العربي الإسلامي، ومحايثاً لمختلف مستويات تفكيره منذ حدوث الصدمة الأولى مع الغرب في القرن التاسع عشر، إذ كان ولا يزال السؤالَ الإشكالي المحوري الذي تضافرت الجهود وتجادلت في محاولة الإجابة عليه.
ويذهب صاحب الدراسة خلافاً لمعظم الباحثين إلى أنه لا وجود إلا لتيارين اثنين فقط، هما التأصيل والتحديث، أما التوفيقية فهي ليست كياناً مستقلا بذاته كتيار ثالث ينضاف إلى ما سبق، بل هي تيار محايث لما للتيارين السابقين، وإذا كان لابد من تحديده بوَسْم تيار مستقل فلابد من اعتباره تيارين اثنين لا واحداً، حيث إن النزعة التأصيلية أنتجت تيارا توفيقيا خاصا بها مختلفاً عن توفيقية التحديث.