الوجود الإسلاموي في الخليج صار محط أنظار العالم لاعتبارات كثيرة، يأتي بعضها في إطار دراسة ظاهرة الإسلام السياسي والراديكالية في الفكر الإسلامي ورصد الخطاب الديني، و لأن الجزيرة العربية هي مصدر الإشعاع الإسلامي بمختلف اتجاهاتهفقد أصبح من الثابت أن دراسة الخارطة الإسلامية في منطقة الخليج العربي صارت أمراً لا مناص عنه، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما أفرزته من متغيرات تدعو لإعادة فهم المشهد الخليجي، ورصد تحولات الخطاب الديني فيه.
أردنا لكتاب المسبار الثالث والأربعين أن يرسم جزءاً من الخارطة الإسلامية في الخليج العربي، متناولاً التيارات الإسلامية السائدة فيه، فغطت الدراسات تجربة هذه التيارات الإسلامية في الخليج، وتعددت الملاحظات حتى في إطار التنظيم الواحد. فتجربة الإخوان في السعودية تختلف عن تجربتهم في الإمارات التي تغاير تجربتهم في الكويت والبحرين وتختلف كذلك عن قطر. لذلك احتاجت كل تجربة من هذه التجارب إلى دراسة مختصة، ويتجلى ذلك بيّناً في مضامين هذا الكتاب الذي حاز نصيب الأسد في دراساته توجهان كبيران فاعلان، وهما الإخوان المسلمون والسلفيون.
يتساءل عبدالله بن بجاد العتيبي في دراسته عن أسباب هجرة الإخوان إلى السعودية: “هل هي لجوء من ظلم، أم إعادة تنظيم لجماعتهم؟ أم نشر لها ودعوة لاتساعها؟ أم ماذا؟”، ويمضي متسائلاً هل كانوا يدركون أنهم يُستخدمون كمضادات سياسية للحركات اليسارية والقومية؟ كما تحدث الكاتب عن علاقة الإخوان بالسعودية. ينشر المسبار هذه الدراسة النادرة بالرغم من شح المصادر، والسرية التي تكتنف الجماعة، في بلد كالسعودية تحظر فيها مثل هذه التنظيمات، إضافةً إلى إحجام الشهود والرواة، برجاء أن تمنح الدراسة القارئ تصوراً لتجربة الإخوان في المملكة.
أما الباحث يوسف الديني فيعرض في دراسته تجربة الإخوان المسلمين في السعودية من منظورٍ آخر، فيغطي مرحلة لاحقة لما تعرض له العتيبي، ويشير إلى تراجعهم الفكري والتنظيمي وتعطل تفاعلهم مع المجتمع وتحولهم إلى مجموعة من الأجنحة الهشة بفعل الشيخوخة وغياب الدماء الجديدة، في جوِّ تتسيّده السلفية، حتى أضحى الإخوان جسراً تعبره التيارات الأخرى بسبب غياب الفاعلية.
قدم منصور النقيدان دراسة هامة عن جماعة الإخوان الإمارتيين وتجربتهم على الساحة الإماراتية طوال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وقد وثّق لتاريخ جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي التي استطاع الإخوان عبرها السيطرة على إدارة المناهج وغيرها من المؤسسات التعليمية في الإمارات. واستعرضت الدراسة مسيرة الجماعة الفكرية والحركية في أطوارها الثلاثة من البداية مروراً بالتمدد والإيغال والصدام حتى بلغت مرحلة الانحسار والضياع منذ منتصف التسعينات الماضية.
وفي إطار آخر يقدم غسان الشهابي دراسته عن الإخوان المسلمين في البحرين، حيث جاءت تجربتهم مثالاً للمرونة والتأقلم، والعلاقات الطيبة مع الحاكم، مستغلين كل ما أتيح لهم من مركز نفوذ لصالح الجماعة وكوادرها، وشرحت دراسة الشهابي أن إخوان البحرين كانوا لوناً مختلفاً عن سائر الإخوان الآخرين، وقد مكّنتهم علاقاتهم الجيدة مع الحكم وحساسية الوضع الطائفي في البحرين من الوصول إلى مفاصل القرار، وجنبها ذلك مصير التضييق الذي عانت منه مثيلاتها.
وعلى سياق متصل قدم مصطفى عاشور تجربة الإخوان المسلمين في قطر، وهي تجربة فريدة أخرى، خرجت عن المألوف، فقد أعلن الإخوان المسلمون حل تنظيمهم سنة 1999م. وقد جاء قرار الإخوان القطريين من دون ضغط من حاكم، ولم ينتج عن خلاف داخلي، بل كان ناتجاً عن قناعة بخصوصية الواقع القطري وتفهم له، فتحولوا إلى تيار، بعيداً عن متطلبات التنظيم التي رأوا أنها لا تناسب الواقع القطري.
أما شيتوي الغيثي فإنه عاد بنا إلى السعودية، فكتب عن مرحلتين هامتين في التكوين الفكري والاجتماعي لمجتمع المملكة: الأولى مرحلة الطفرة الاقتصادية وظهور المجتمع النفطي وما رافقه من أحداث فكرية وسياسية مهمة، والثانية مثلتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أعادت بلورة الرؤى، مشيراً إلى أن المجتمع السعودي هيمن عليه الفكر التقليدي فترة طويلة، إلا أن التحولات الأخيرة غيرت الخطاب الديني نحو الانفتاح مثل رصفائه من مجتمعات الخليج.
امتازت دراسة مشاري الذايدي في محاولته رسم خلفية علميةٍ لما جرى إسلامياً في الكويت قبل تشكل التيارات الإسلامية الحديثة، الأمر الذي يساعد على فهم التيارات الإسلامية في الكويت المعاصرة، فجاءت دراسته عن إسلاميي الكويت مليئة بالأسئلة عن طبيعة الإسلام التقليدي الفقهي في الكويت قبل نشوء تيارات الإسلام السياسي، وعن دور الفقهاء فيها حتى وصل إلى حين انحساره لصالح إسلام المثقفين والمسيّسين، وعن نشاط الإسلام السياسي واحتكاره الحديث عن الهوية الإسلامية وملامحها، وربط بين تفاعلات السلفية الوهابية النجدية و حنابلة الكويت الذين اختلفوا معها.
لم يبتعد خليل حيدر كثيراً و تناول الجماعة السلفية في الكويت، ووثق لها و لنشاطها السياسي والنقابي، وسلط الضوء على أسباب جاذبيتها في أوساط المتديّنين، وتابع الانشقاقات فيها ورصد ظهور السلفية العلمية المتشددة، ولم يغفل ذكر صراع السلفية مع الإخوان المسلمين وأجنحتهم، وذلك طبيعي بحكم تنافسهم سياسياً في اجتذاب فئة متديّنة واحدة.
جاءت ذكريات ناصر الحزيمي مع جهيمان العتيبي، ضيف شرف، وقد اختار مركز المسبار نشر هذا النص الهام كمادة خام، للدارسين والباحثين. حيث تكمن أهمية هذه الذكريات في كونها مروية من شاهد قريب جداً لقائد المجموعة التي احتلت المسجد الحرام في 20 نوفمبر 1979، وقد عرض الحزيمي لبداية علاقته مع السلفية المحتسبة وتنقله معها راصداً انشقاقاتها، و تحدث في ذكرياته -التي تنشر لأول مرة- عن تفاصيل الأيام الأخيرة التي قادت لاقتحام الحرم والعوامل التي أدت لذلك.
لم يغفل الكتاب الوجود الشيعي في الخليج –الذي نأمل أن نفرده بعدد مستقلٍ لاحقاً- فجاءت دراسة هذا العدد للمفكر السعودي توفيق السيف شارحة للعوامل والمؤثرات التي شكلت الهوية السياسية للشيعة، وركّز فيها على تحولات العقود الأخيرة، ودرس ميكانزمات التغيير عن المجموعات الدينية خاصة عن الأقليات، وحث حكومات الدول التي يقطنها الشيعة على تفهم ثقافتهم وتحولاتها، ونصح بمحاولة إدماجهم في التكوين السياسي.
أما كتابنا في هذا العدد والذي عرضه عمر البشير الترابي، فهو “التيار الإسلامي في الخليج العربي” لهاشم الطائي. وقد صدر الكتاب حديثا، وتناول بالتفصيل التيارات الإسلامية في الخليج منذ 1954 إلى 1991 في دراسة تاريخية موثقة، ذكر فيها أصول وجذور هذه الجماعات واجتهاداتها مع ذكر الأحداث المهمة خلال الإطار الزماني للدراسة وتفاعل التيارات الإسلامية في الخليج معها.