يصدر مركز المسبار كتابه الرابع والأربعين عن القاعدة في اليمن، في وقت تمر فيه البلاد بفترة حرجة وحساسة، حيث تصاعدت عمليات القاعدة ضد الأهداف الحكومية والأجنبية، وقام التنظيم باختراقات أمنية كبيرة وصلت إلى عمق المؤسسة الأمنية مؤخراً، وجاءت الدراسات التسع كما كنا نأمل مقصورة على متخصصين بالقاعدة وباحثين وكتاب من اليمن فأهل مكة أدرى بشعابها، وتناولت الدراسات محاور متعددة لإعطاء تصور شامل عن الفكر الجهادي القاعدي في اليمن، في موقف القبيلة من التنظيم وطبيعة علاقته بالدولة، وحقيقة علاقة القاعدة بالجماعات الإسلامية الأخرى، ونقاط التلاقي والتضاد مع المطامع الإيرانية، وكيف استفادت القاعدة من أزمات اليمن ومستقبلها في بلد هش يعاني من أزمات متتابعة واضطرابات وانفلات أمني، تمثلت في تهديدات الحراك الجنوبي ومخاطر الانفصال، وتمرد الحوثيين في الشمال.
في البداية يشرح نبيل البكيري كيف شكلت البيئة الاجتماعية القبلية المحافظة في اليمن واحدة من أخصب البيئات الحاضنة للأفكار الإسلامية في المنطقة العربية بوجه عام والجزيرة العربية بوجه خاص، لتمثّل بذلك اليمن الرّقعة التي يكاد يتواجد فيها كل فرقاء الإسلاموية بشتى صوَرها التاريخية الماضوية والحديثة المعاصرة، لما يحمله هذا المجتمع من إرث تأريخي مثقل بالأيديولوجيات والأفكار والمذاهب والأديان، تُضاف إليها جغرافيا المكان وإستراتيجيته قديماً وحديثاً.
وتخلص دراسة زايد جابر إلى أن الجماعات السلفية القتالية، تعتمد أساساً على مبررات واقعية عملية في تجنيد أتباعها ودفعهم إلى القتال، وتلجأ بعد ذلك إلى ممارسة القراءة الانتقائية الاجتزائية للنصوص القرآنية والنبوية وكلام الأئمة، لتبرير ممارساتها السياسية، وتحصين أفرادها من النقاشات العلمية التي تفنّد مسالكها، وتدين أساليبها.
وكشفت دراسة نجيب اليافعي عن طبيعة العلاقة بين القبيلة والقاعدة في اليمن، من ناحية البناء السيكولوجي والتفكير القبلي ومصالحه مع القاعدة، ومدى إمكانية توسيع العلاقة بينهما واستمرارها أو انقطاعها. وتحاول الدراسة فك الارتباط بين القبيلة والقاعدة من خلال عرض لتصريحات ومواقف القبائل وتعاملها مع مشكلة القاعدة، إلى جانب رؤية القاعدة واختيارها للقبيلة لتنفيذ أدوار مرحلية وصولاً إلى تحقيق بعض أهدافها في اليمن.
وتناقش دراسة مجيب الحميدي علاقة تنظيم القاعدة في اليمن بالجماعات الإسلامية المحلية على المستويين الفكري والعملي، باستعراض جوانب التشارك والتباين، من خلال استقراء البنية الموضوعية لأشكال العلاقات بعد مسح البيانات الخاصة بهذه الظاهرة، ومراجعة الأدبيات المحددة، ومتابعة المستجدات الميدانية الموثقة، وتسليط الضوء على الجوانب المستجدة في هذه العلاقات، على مستوى الخطوط العامة أو التفاصيل الهامة.
أما محمد سيف حيدر فيتطرق بحثه إلى جذور “تنظيم قاعدة الجهاد في جنوب جزيرة العرب” (الفرع اليمني لتنظيم القاعدة)، ويستقصي تحولاته المختلفة قبل إعلان اندماجه مع فلول “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” (الفرع السعودي لتنظيم القاعدة) إثر هزيمة هذا الفرع على يد السلطات في المملكة وتدمير الجزء الأكبر من بنيته هناك. ويوضح البحث الدلالات المختلفة التي انطوت عليها عملية الاندماج بين الكيانين القاعديين، والتي نتج عنها ظهور كيان إقليمي “قواعدي” جديد تحت قيادة اليمني أبو بصير (ناصر الوحيشي)، متخذاً من اليمن قاعدة له وساحة رئيسية لنشاطاته الإرهابية (إعداداً وتخطيطاً وتدريباً وتنفيذاً).
دراسة عبدالسلام محمد تبحث في تأريخ العلاقة بين النظام اليمني وأعضاء تنظيم القاعدة، بدءاً من الاشراف على إنشاء معسكرات المجاهدين وترحيلهم لأفغانستان في إطار استراتيجية الأنظمة العربية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف المد الشيوعي وتفكيك الاتحاد السوفيتي، ومرورا بعودة هؤلاء إلى اليمن واندماجهم في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، واستغلالهم في تنفيذ عمليات ضد قيادات بارزة في الحزب الاشتراكي الذي كان شريكا في الحكم بعد الوحدة اليمنية في 22 مايو 1994م، وصولا إلى مشاركة العائدين في حرب صيف 1994م، التي انتهت بهزيمة الاشتراكي الذي أعلنت قياداته آنذاك الانفصال.
عبدالغني الماوري شرح لنا كيف أن تنظيم “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” لن يكتفيَ بأن تكون اليمن محطةً لتحركاته وأنشطته تجاه الإقليم وتجاه العالم؛ فطموحاته لن تتحقّق إلا بإقامة الدولة الإسلامية على الأراضي اليمنية، حسب ما جاء في أوّل بيان له بعد فرار قياداته من سجن الأمن السياسي بصنعاء في شباط/ فبراير 2006. وقد ساهم دخول اليمن في أتون أزمات متعددة في إنعاش آمال “القاعدة” بهذا الخصوص. وعلى الرغم من صعوبة سقوط الدولة في أيدي تنظيم “القاعدة”، فإن هذا الأخير يراهن على فشل مشروع الدولة، وحصول فوضى، الأمر الذي يتيح له حرية الحركة وإمكانية السيطرة.
وتناولت دراسة ثابت الأحمدي وجهتي نظر حول علاقة إيران بالقاعدة، الأولى: وجهة النظر القائلة بوجود علاقة بينهما، بصرف النظر عن نوع هذه العلاقة التي يقول البعض أنها استراتيجية وعميقة، لها أجندتها ومساراتها المدروسة من الطرفين، والثانية هي وجهة نظر القائلين بعدم وجود علاقة من أي نوع بين الطرفين.
دراسة محمد الغابري تحدثت عن محددات تشكل مستقبل القاعدة في اليمن على ثلاثة مستويات: القاعدة ،عناصر القوة، ونقاط الضعف من خلال الخطاب والعمليات والاستقطاب والتجنيد .والمستوى الثاني: البحث في البيئة الجغرافية والاجتماعية وكذا البيئة الفكرية والثقافية والبيئة السياسية، فضلا عن موقفي السلطة والمعارضة.المستوى الثالث: الإقليمي والدولي، ويتمثل البعد الإقليمي بكل من المملكة العربية السعودية والصومال ، أما البعد الدولي فيتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما.
ويعرض لنا عمر البشير الترابي كتاب “جوهرة في يد فحام”، الذي قدم خلاصة من اللقاءات التي استطاع المؤلف عبرها أن يوفر مادة دسمة ترسم اليمن في لوحة دقيقة تختزل الوضع اليمني الراهن، وقد شغل المسار الديني معظم مادة الكتاب، واصطفى فيه المؤلف ثلاثة رموز يمثلون ثلاثة ألوان من الطيف الديني في اليمن، السلفية الجهادية، والسلفية العلمية، والصوفية، وهم حارس ابن لادن السابق أبو جندل، والسلفي عبدالمجيد الريمي، والصوفي الحبيب علي الجفري.
القراءة الثانية قدمها فهد سلطان لكتاب”القاعدة في اليمن النشأة والخلفية الفكرية والامتداد” لمؤلفه سعيد علي عبيد الجمحي. حيث تناول الكتاب النشأة والخلفية الفكرية والامتداد، ليقّدم رؤية تفصيلية عن التنظيم وأنشطته ومنطلقاته الفكرية والسياسية.
وختاماً كانت دراسة العدد لرضوان السيد والتي تناولت عدداً من النقاط المهمة لفهم أسباب التوتر بين السنة والشيعة مؤخراً، وكيف أنه لا يصحُّ تجاهُلُ التاريخيّات والمذهبيّات في التوتُّر الحاصل خلال السنوات الأخيرة ، وأن من المؤكَّد أنه لا علاقةَ لما يجري اليوم بما كان عليه الأمر بين العثمانيين والصفويين، أو بين الحنابلة والشيعة ببغداد في القرن الخامس الهجري. مؤكداً أنه لا يمكن حسابُهُما في مجال الذاكرة، وإن أمكن احتسابُهُما في مجال الوعي، لكن بعد حصول التوتُّر.