يستكمل مركز المسبار في كتابه الخامس والأربعين أهم القضايا التي تشغل الباحثين في الجماعات والتيارات الإسلامية في في دول الخليج العربي، ويأتي هذا الكتاب مكملاً لمحاور الكتاب الثالث والأربعين (الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج)، ليغطي مساحة أوسع تقدم للمراقبين صورة أوضح عن فكر إسلاميي المنطقة.
تناول هذا الكتاب موقف إسلاميي الخليج من الديمقراطية، وموقفهم من المشاركة السياسية، والتضارب بين الوطنية والولاء للمرشد عند الإخوان المسلمين، كما خصص دراسة عن التنوير الإسلامي في السعودية وحقيقته، ودراسة مطولة عن فكر الجماعة السلفية ” أهل الحديث” وتفصيلاً لفكر الجماعة الذي أوصلها إلى احتلال المسجد الحرام، ووتناول موقف الإسلاميين من مؤسسات المجتمع المدني وسؤال التعددية، وأسباب انبعاث فكر الإمامة في سلطنة عمان، وكيف تعامل إسلاميو البحرين مع الصحافة والإعلام.
في البداية وضحت دراسة يوسف الديني عن التنوير الإسلامي في السعودية، أن سياق”التنويرالسعودي” لا يتصل من قريب أو بعيد بالأفكار التي تم طرحها في التنويرالغربي إلا على سبيل الاستئناس والقراءة المستكشفة، وأن التنوير كما طُرح من قبل الإسلاميين مجرد اجترارللمصطلح للخروج من احتكار وتكريس مصطلحات (شرعية) أكثر صلة بالمضمون الفكري الذي كان يطرحه التنويريون الإسلاميون كمصطلح التجديدالذي يحمل أبعاداً شرعية،وأن (أبوية)التنوير الإسلامي في السعودية؛ تحولت إلى مكتسب معنوي يتقاتل عليه التنويريون وخصومهم،في حين أن المشكلة تبدأ ولا تنتهي عند حدود المصطلح وحمولاته الفكرية وتطبيقاتها على المشهدالسعودي.
وفي دراسة منصور النقيدان تفاصيل تنشر لأول مرة عن أسباب نشوء الجماعة السلفية “أهل الحديث” في ستينيات القرن الماضي، وشرح لأفكار الجماعة والخلافات التي وقعت بينها وبين فقهاء السعودية، وكما عرضت الدراسة شهادات موثقة لبعض أعضائها أو من كانوا قريبين من الجماعة، وعن أسباب انفراد جهيمان العتيبي بقيادة الجماعة في السنوات الثلاث الأخيرة التي انتهت باحتلال المسجد الحرام وإعلان الجماعة عن ظهور المهدي المنتظر، وقدمت الدراسة وجهات نظر متعددة حول حقيقة موقف الجماعة من تكفير الحكومة السعودية ومدى تأثرها بجماعة التكفير والهجرة المصرية، وختمت الدراسة بتفاصيل اللحظات الأخيرة لقائد الجماعة جهيمان العتيبي بعد القبض عليه والتي كشفت موقفه من حمل السلاح في المسجد الحرام، وحقيقة إيمانه بالمهدي محمد بن عبدالله.
وضحت دراسة أحمد البغدادي عن الوطنية الوطنية عند الإخوان المسلمين أن مصطلح “الوطن” من المصطلحات المُلتبسة في الفكر الإسلامي، وأن المفكرين الإسلاميين المتقدمين منهم والمتأخرين، لم يناقشوا معنى هذا المصطلح برغم شيوع استعماله في الفكر الإنساني. يرى البغدادي أن التعارض بين الولاء للوطن، والولاء للحزب أو التنظيم سواء داخل الدولة أو خارجها، من القضايا المسكوت عنها في عالمنا العربي، وأن صورة التعارض بين فكرة الوطن، وفكرة التنظيم عند الإخوان المسلمين ليست واضحة بعد إلى الحدّ الذي يدفع الحكومات والشعوب العربية للبحث أوالتساؤل حول التعارض بين الولاء للوطن، والولاء للتنظيم.
وتذهب ريتا فرج في دراستها عن الإسلاميين في الخليج إلى أن غالبية الحركات الإسلامية الراديكالية في الخليج أسست خطابها، تجاه الدولة والمجتمع والغرب، من النتائج التي صاغها سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، والخميني، وبأن بعض الحركات الإسلامية ذهبت إلى أن الإسلام لا يستطيع البقاء في وعي الفرد والجماعة بدون السياق السياسي، ولذلك بلوَرت عدَّتها المفهومية وآلية تطبيقها على أساس إقصائي وعنفي يرفض كافة الصِّيغ التي تجترحها الأنظمة الحديثة في الحكم والاقتصاد والمجتمع.
أما دراسة بسيمة حلوي عن الإسلاميين ومؤسسات المجتمع المدني فتوضح أن المشكلة لدى الإسلاميين هي محاولتهم فرض نموذج أخلاقي أحادي على الجميع، سواء كانوا في نقابة أو مجتمع أو دولة، وأن سيطرة الجماعات الإسلامية المحلية على الجمعيات الخيرية-الدينية وعلى النشاط الخيري في الداخل والخارج، قد أدت إلى الاعتماد الكلي على تلك الجماعات في ايصال المساعدات ومواد الإغاثة إلى محتاجيها في الداخل والخارج. وأن التوجهات الأيديولوجية الإسلامية لتلك الجماعات، والأهداف السامية التي تسعى لتحقيقها وطاقاتها البشرية، كانت عاملاً في تعزيز مكانة الجماعات الإسلاموية وزيادة حضورها ليس في دول مجلس التعاون الخليجي فحسب، بل امتد تأثيرها إلى كل أصقاع الأرض وخاصة في جنوب وشرق آسيا وأفريقيا.وأن هذه الجماعات بنت أهدافها على أسس الدين، لكنها انتهت باستخدام الدين وسيلة لتحقيق غايات سياسية بحتة وطموحات بالوصول إلى مركز أو منصب في الدولة.
وتوضح دراسة البكيري أن السلفية في الخليج بيئةٌ فكرية تضخمت في إطارها القطيعة بين الدين والسياسة وتعاظمت فيها روح الحنين نحو الماضي ومخاصمة العصر بكل تجلياته، لتكون هذه هي الإشكالية الكبرى التي أعاقت وتعيق أي محاولة فردية أو جماعية لنخب التيار الإسلامي من السعي نحو التحديث والحداثة السياسية والثقافية والاجتماعية في هذه المجتمعات، وتتبعت دراسة البكيري موقف التيارات الإسلامية في الخليج من الإخوان والسلفيين الحركيين بشقيهم من الديمقراطية، مستبعدة من مجال البحث الإسلاميين التقليدين الذين ليس لديهم أي رؤية سياسية أو فكرية فيما يتعلق بالعمل السياسي.
قدم غسان الشهابي عرضاً عن علاقة الإسلاميين في البحرين بالإعلام سنة وشيعة، ووضحت دراسته أن الإسلاميين كانوا إلى فترة طويلة من القرن العشرين بعيدين عن الدخول في هذا المضمار، وأن الإسلاميين بطبيعتهم لا يملكونقدرة على التأقلم من الناحية النفسية على الأقل. لذا فان قبولهم بالعمل في صحفيسيطر عليها العلمانيون أو اليساريون والقوميون باعد بينهم وبين دخولالصحافة فترة طويلة. وشرحت الدراسة ظروف انخراط الإسلاميين في البحرين بعد الانفتاح السياسي نهاية التسعينيات.
قدم عامر الراشدي دراسته عن الإسلاميين في عمان مسلطاً الضوء على تيارين اثنين: أولهما حركة الإخوان المسلمين كتيار حديث بامتدادها على الأرض العمانية. ثانيهما: حركة الإمامة بامتدادها التاريخي وبمحاولة استحضارها مؤخراً، موضحاً أنه لم يكن الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين حكراً على أبناء مذهب معين في عمان، إذ لوحظ أن من بين معتنقي فكر هذا التنظيم من ينتمون إلى المذهب الاباضي، إضافة إلى المذاهب الأربعة المعروفة، وأوضح الراشدي في دراسته القصيرة أن حركة الإمامة مما تنفرد به سلطنة عمان التي عرفت على امتداد تاريخها الدولة الإباضية في شكلها التقليدي، المتمثل في الإمامة، فسعى هذا التيار إلى إعادة الإمامة، وبعثها من مرقدها إلى الوجود.
وجاءت دراسة محمد محفوظ لتقدم رؤية مثقف خليجي عن موقف إسلاميي الخليج من سؤال التعددية، وهو مايراه من الضرورات القصوى، حتى تتمكن النخب السياسية والاجتماعية والثقافية من اجتراح رؤية عميقة وموضوعية للتعامل مع هذا السؤال بعيداً عن التهويل أو التهوين، ويذهب المحفوظ إلى أن بناء رؤية وطنية شاملة، في التعامل والتعاطي مع حقيقة التعددية المذهبية، ستساهم في معالجة الكثير من الظواهر السيئة التي ترتبت على غياب ما نستطيع تسميته بـ “الإدارة الحضارية لواقع التعددية المذهبية في منطقة الخليج”.
قراءة عمر البشير الترابي لكتاب باقر النجار عن (الحركات الدينية في الخليج العربي) استعرضت شرحاً لحالة الإسلام السياسي أو الحركي في الخليج، منذ تشكله إلى 2007، وقد ذهب النجار إلى أنه بالرغم من أن الحركات الإسلامية بدأت امتداداً للمنظمات الدينية وكانت نمطيةً في علاقتها مع الدولة إلا أن هذا التحالف لم يصمد كثيراً، أمام الضغوط التي تمارسها الدولة. وتكشف القراءة خلاصة رؤية النجار حول مأزق الإسلام السياسي الذي لا يقرأ الإخفاقات، وأن شأنه شأن التيارات الأيديولوجية القديمة سيأخذ حظه في الصعود ومن ثم الهبوط، وفي رأيه فقد بلغت مرحلة الصعود ذروتها الآن .
وفي دراسة العدد يرى السيد ولد أباه أن الفكر العربي راهنا يسوده وعي متزايد بإخفاق المشروع النهضوي العربي بمختلف تياراته واتجاهاته، وقد ظهرت محاولات أخيرة لتفسير هذا الفشل من منطلقات متنوعة، وقد كشفت هذه المحاولات عن جوانب هامة من مأزق حركية النهوض والتحديث العربية, كما أن بعض المحاولات جرت في دوائر فكرية-سياسية لإعادة صياغة “مشروع نهضوي عربي جديد, إلا أن الثغرة الكبرى في هذه المحاولات تتمثل في الانكفاء على حالة الخصوصية العربية في معالجة موضوعات تتجاوز الحيز القومي الضيق. ويرى ولد أباه أن أحد الأسباب الرئيسية لكبوة المشروع الإصلاحي العربي – الإسلامي المعاصر يتمثل في افتقاده منذ البداية التأسيس الفلسفي الصلب.