يصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث كتابه الثامن والأربعين، (الإسلاميون في السودان من التأسيس إلى الانفصال) في وقت يعيش فيه السودان فترة حالكة وحاسمة، فبعد أيام سيكون السودانيون على موعد مع استفتاء لتقرير مصير جنوبه، بعد عشرين عاماً قدم فيها الإسلاميون نموذجهم في الحكم الذي سعوا إليه منذ خمسينيات القرن الماضي، حتى نالوا ثمرة سعيهم العام 1989. يأتي هذا الكتاب شارحاً خريطة الجماعات الإسلامية وانشقاقاتها، متخماً بالأسئلة ومحاكمة التجربة وتحليل الحاضر واستشراف المستقبل.
حاتم السر علي تناول قضية الهوية، وتقصى فيها تقاطع الهوية السودانية مع التيارات الإسلامية التي برزت في القرن الماضي وتفاعلها معها، وامتياز المجتمع السوداني بالتنوع الإثني والثقافي الحميد، وسرد تاريخ التيارات الإسلامية في السودان ورؤيتها للتغيير الاجتماعي، وأثرها على التكوين الديني والاجتماعي في الشمال، ومحاولات الإسلاميين أسلمة الجنوب إثر تسلمهم للسلطة.
تاريخ التصوف في السودان، أوجزته دراسة عمر حمد وقارنت الدراسة بين الختمية والأنصار ممثلة في الثورة المهدية وطريقة تعاطيهما مع الاحتلال ودورهما في تكوين نسيج اجتماعي قوي، والأثر الاجتماعي والسياسي للطرق الصوفية، ودور أقطابها في الحركة الوطنية، حاولت الدراسة تقديم إجابة عن كيفية مساهمة هذه الكيانات في خروج السودان من أزمته، وكيف تضخ دماء العافية في بلد تتنازعه الصراعات.
أما وليد الطيب فجاءت دراسته عن الحركة الإسلامية السودانية من النشأة إلى الانشقاق، باستعراض أسباب الصراع داخل الحركة منذ 1969، والانشقاقات المتتابعة التي كان يحسم فيها النصر لأحد أجنحة الحركة، حتى 1989، وما تفتق عن وصول الحركة إلى الحكم من ريبة بين الشركاء من العسكر والمدنيين وتأثير الاعتداء على الترابي في كندا وانعكاسه على مجريات الصراع داخل السلطة.
أما عمر القراي فقد تناول بالدراسة مدرسة إسلامية جديدة، وهي الفكرة الجمهورية، وشخصها في مسيرة محمود محمد طه ودعوته إلى تطوير التشريع الإسلامي، إلى أن اتسع ليصير حركة جمهورية واسعة، تناول القراي مصادمة محمود لسلطة الرئيس السوداني السابق جعفر محمد نميري ومعارضته لقوانين الشريعة التي طبقها في سبتمبر 1983، وتصاعد الخلاف بين محمود والنميري، الأمر الذي تسبب في محاكمة محمود بتهمة الرد، وإقامة “الحد” عليه.
لا يمكن عند دراسة الحركة الإسلامية في السودان تجاوزُ زعيمها حسن عبدالله الترابي وأثره الكبير على مجرياتها في العقود الثلاثة الماضية. تناول فتحي الضو في دراسته نشأة الترابي وتأثره بوالده القاضي ورحلاته في ربوع السودان وتأثره بجده المجافي للسطان، ودراسته في الغرب، مبرزاً قدراته في اتخاذ القرار، وتجربته مع الديمقراطية، ومشروعه الإسلامي، وتمرد أتباعه عليه وسجنه.
أما مأمون عثمان فقدم لنا تعريفاً بالتيار السلفي في السودان في فترة يشهد فيها نمواً وتمدداً، منذ بداياته في عشرينيات القرن الماضي، ورموزه التاريخية وكيف استقبله المجتمع السوداني رفضاً وممانعة، وتفاعله مع الشأن السوداني، وعلاقة السلفيين بالسعودية.
جاء نص محمد بن مختار الشنقيطي مزيجاً من الشهادة والبحث، عبر تناوله فقه الحركة وفقه الدولة في تجربة حكومة الإنقاذ الإسلامية، شارحاً دوافع فرحته التي ندم عليها بعد عقدين من حكم الإسلاميين في السودان، وأسباب نجاح الحركة في الوصول إلى السلطة وهي أول حركة إسلامية سنية تصل إلى الحكم مستفيدة من دروس الانقلابات التي سبقتها في السودان، موضحاً أن نجاحها في الوصول إلى السلطة كان بداية الفشل الكبير والعريض في فقه الدولة، وفي ذبحها للشرعية.
قدم لنا الصادق المهدي رئيس وزراء السودان الأسبق، قراءته لـ ” مستقبل الحركة الإسلامية في السودان، على ضوء المتغيرات الأخيرة”، راوياً تفاصيل تشكل الحركة الإسلامية وخوضها غمار السياسة في الستينيات من القرن الماضي، وكيف تخلصت من تحفظات بعض الحركات الإسلامية على الديمقراطية، لكن هذا الفهم -حسب المهدي- تغير بقيامها بانقلاب الإنقاذ 1989، وتنكرها للشرعية الدستورية الديمقراطية، وتناول الكاتب مراحل التجربة الإنقاذية حتى الانتخابات الأخيرة في أبريل 2010 مستشرفاً مستقبل الحركات الإسلامية.
أما خالد ابواحمد فقدم شهادته -التي هي ثمرة عمله في الإعلام الرسمي السوداني- عن سنوات تواجد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في السودان، وقصة ماوصفه الكاتب بـ “خداع ابن لادن للسودان”،وتناولت الدراسة مشاهدات شخصية استناداً على موقعه الإعلامي النافذ في تسعينيات القرن الماضي، فكشف عن تفاصيل ماكان يجري في معسكرات التدريب وأماكنها، والقدرات التي امتاز بها أعضاء التنظيم.
وفي دراسة استشرافية تناول عمر البشير الترابي الانفصال الخشن ومخاطره، فالسودان في التاسع من يناير 2011 ، سيكون بموجب اتفاقية السلام الشامل (CPA) على موعد مع استفتاء شعبي لتقرير مصير الجنوب، ويأتي سيناريو الانفصال (الخشن) كأحد الخيارات السيئة، كما تتناول الورقة احتمال انتعاش تنظيم القاعدة بعد الانفصال ومدى قدرة الجماعات المسلحة على النمو، وعما إذا كان الانفصال سيُضاعف من نشاط هذه الجماعات في السودان، وجعل الإقليم المنفصل قضية جهادية أخرى.
اختارت هيئة التحرير لهذا العدد كتاب تاريخ السودان الحديث، تأليف: روبرت أو. كولينز، والكتاب خلاصة لأكثر من نصف قرن من البحث الميداني المضني، وقد كشف تفاصيل هامة ودقيقة، ورصد وقائع غابت عن الكثيرين عن قصد أو نسيان.
رئيس المركز