يعود مركز المسبار لمواصلة رصد ودراسة الحالة الإسلامية في بلاد المغرب العربي بشيء من التخصيص، فيستكمل ما بدأه في كتابه الحادي عشر “الحركة الإسلامية في المغرب”، ويخصص هذا العدد لتوصيف السلفية في بلاد المغرب العربي، في المملكة المغربية والجزائر وتونس.
تناولت آمال بوبكر السلفيةَ في الجزائر، بأنواعها الثلاثة: السلفية السياسية، والسلفية الجهادية، والدعوة السلفية؛ شارحة أسباب بروز السلفية السياسية وظهور جبهة الإنقاذ. وأرجعت ميلادها لفترة السبعينات كمقاربة “وهَّابية” للإسلام، وحملت أيضاً فكرة حركة الإخوان المسلمين نحو أسلمة الدولة والمجتمع. وأشارت الدراسة إلى فشل الجبهة الإسلامية للإنقاذ إذ لعبت دور المخرج العنفي للسلفية السياسية، وإلى طور القاعدة في بلاد المغرب والدعوة السلفية ونشأتها وعلاقة السلطة بالدولة الجزائرية.
أما الباحث التونسي صلاح الدين الجورشي فقد تناول السلفية في تونس، فبدأ بجوانب التقاطع والاختلاف بين فكر الإخوان المسلمين الذي تأثرت به النواة الأولى للحركة الإسلامية التونسية وبين الفكر السلفي، كما ذكر الظروف والعوامل التي ساعدت على ظهور السلفية في بيئة تونسية بدت وكأنها محصنة ضد هذا التيار، وفصّل خصائص التيار السلفي في تونس من الناحيتين الفكرية والتنظيمية، كما تناول علاقة السلفية التونسية بالسلفية المشرقية، وأجاب عن حقيقة وجود سلفية جهادية في تونس، وطبيعة علاقة التيار السلفي بالسلطة من جهة، ومكونات الحركة الإسلامية من جهة ثانية.
شرحت دراسة عبد الحكيم أبواللوز عن مسارات نخب السلفية التقليدية في المغرب، مظاهر الحركات السلفية العاملة في المغرب عبر النخب الناطقة باسم هذه الحركات، ولم تكن الدراسة سيَراً ذاتيةً مجردة، وإنما كانت تحليلاً يرتكز على بيان تفاعل الشخصيات مع واقعها الاجتماعي فضلاً عن حراكها الدعوي.
قدم لنا عبدالسلام طويل دراسةً عن السلفية بالمغرب وأهمّ قضايا التجديد، متخذًا من نظرة علال الفاسي نموذجاً. وبعد أن ذكر بذور التجديد والشيوخ الذين طوّروا النظرة السلفية لتشكل الحركة السلفية الوطنية، شرح أن السلفية الجديدة تجاوزت معظم “مثالب” السلفية النهضوية بالمشرق، كما شرح مفهوم السلفية الوطنية كحركة تحررية تجديدية في فكر الفاسي، مؤكداً أن الفاسي لم يكن يملّ من التذكير بأن الإسلام حركة بفكر تجديدي مستمر، والسلفية عنده ليست مجرد دعوة ضد الخرافات والشعوذة، وإنما مقاومة الجمود في كل فروع الحياة.
علية علاني، اختار قراءة في التطور الفكري والتنظيمي للتيار السلفي في تونس، وأرجع تأخر نمو التيار السلفي في تونس إلى دور جامع الزيتونة من خلال علمائه ومشايخه الذين جابهوا المد السلفي، بالإضافة إلى طبيعة التاريخ وعبقرية المكان، وإلى صراع السلفية مع توجه الدستور الجديد والمشروع الحداثي الذي سلكه بورقيبة، مما جعلهم يخوضون ذلك الصراع من موقع فكري ثقافي ويتأثرون بطبيعة ذلك الصراع. ونسبة لأن تونس كانت تحتضن فكراً إسلامياً مستنيراً تم استيعابه وتبنيه من طرف الزيتونيين. وتناول الباحث أسباب الظهور والتنظم والانتشار للتيار رابطاً أهم الأسباب في غياب حركة الإصلاح الديني والفراغ في الساحة الدينية؛ وأشار إلى أن الحركة الإسلاميّة لم تكن أبداً امتداداً حقيقيّاً لحركة الإصلاح الدّيني.
أما الباحث في علم الاجتماع بجامعة الرباط محمد مصباح، فقد تناول الإعلام السلفي واستخدامه في المغرب العربي ومؤشرات استثمار الحركات السلفية للوسائل الحديثة للتواصل متمثلةً في مدى التطور في استعمال التقنيات الحديثة، ومدى والانتشار بسبب انخفاض أثمان الأجهزة التكنولوجية، ورصد ارتفاع عدد القنوات والمواقع الدينية ذات المرجعية السلفية، واستغلال الأعلام للبرامج التفاعلية. كما تناول مداخل تأثير وسائل الإعلام السلفية على المستوى العاطفي، والمستوى المعرفي والمستوى السلوكي، وتطرق إلى التوجهات الحالية للإعلام السلفي، عبر قناة “الناس” وقناة “الحكمة” والمواقع الإلكترونية، وخلصت الدراسة إلى أن التوجهات العامة للإعلام السلفي اليوم تبرز من خلال استثمار ثنائية الصورة والخطاب.
أما منتصر حمادة فقد تناول مراجعات السلفيين المغاربة، وتحديداً مراجعات “السلفية الجهادية” فتناول بدايات “السلفية المغربية” التي اقترنت بشخص تقي الدين الهلالي، مؤسس ما يُصطلح على تسميته بالمدرسة الوهابية المغربية. وشرحت الدراسة توزع أشكال الحضور السلفي على أربعة اتجاهات: اتجاه يمثله المغراوي؛ واتجاه ثانٍ كان مُجسَّدا في أتباع محمد تقي الدين الهلالي؛ واتجاه ثالث يتجلى في مجموعة من أتباع الشيخ المغراوي الذين اختلفوا معه في “المنهج”؛ والرابع يضمّ بعض أتباع المغراوي الذين اختلفوا معه على مستوى “التوجه”. ويرى الباحث أن الإسلاميين سقطوا في فخين اثنين: “المراهقة الفقهية، و“المراهقة السياسية”، في تعاطيهم مع الأزمة. وتناول فورة المراجعات التي بدأت بعد الاعتداءات التي تعرضت لها الدار البيضاء في 12 مارس (آذار) 2003.
أما إدريس لكريني فقد تناول الاستراتيجية الجديدة لـ“القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” المتمثلة في لجوء التنظيم إلى الصحراء. وأرجع هذا التحول إلى الضغوط والحصار الذي تعرض له التنظيم، وفاعلية التدابير الحكومية التي استنزفت التنظيم مالياً وعسكرياً وبشرياً، فتراجع إلى صحراء الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر، واستغل الفراغ الأمني بهذه المنطقة واستفاد من فضاء واسع يساعد على إجراء التدريبات. وعن استراتيجية الاختطافات، ردّها إلى الحرص على ممارسة الضغط والحصول على أموال من الدول التي ينتمي إليها المختطَفون والاستفادة من المتابعة الإعلامية الواسعة التي ترافق هذه العمليات.
ويقرأ لنا كتاب العدد الدكتور عكاشة بن المصطفى، وعنوانه: الحركات السلفية في المغرب (1971-2004). وقد جاءت القراءة مناقشة علمية هادئة في عرض ممتع لمحتوى الكتاب الذي تتبع الحركة السلفية من منظور اجتماعي وسياسي.