الجماعات الإسلامية في دولة جنوب أفريقيا، تمثل حالة مختلفة في تنوعها العرقي والمذهبي الإيدلوجي، ومركز المسبار في هذا الإصدار الفريد من نوعه يطرق مجالاً نادراً ماتعرضت له الأبحاث التقليدية عن الإسلاميين.
في فاتحة دراسات هذا العدد، يتناول الجنوب أفريقي د.عبدالقادر طيب الحركة الإسلامية في جنوب أفريقيا ؛ و برؤية العارف المعايش لها، فشرح تعريفه للحركة الإسلامية، ووثَّق للإسلام في جنوب أفريقيا؛ وتحدثت الدراسة عن الإسلاميين وتأثيرهم في فترة الأربعينات والخمسينات سواء في إطارهم الداخلي كجمعية المعلمين المسلمين أو الخارجي مع عرض لمرحلة تعبئة الإسلاميين في فترتي السبعينات والثمانينات وتأثير الخمينية في إيران، كما اشتملت الدراسة على رصد وتحليل مشاركتهم في نهاية الفصل العنصري ومواقفهم في بداية الديمقراطية، كما ناقش أطر التجديد لديهم، وأبرز ما يميز حركاتهم عن نظيراتها في دول العلم، وأجمل نظرة الإسلاميين للهوية في جنوب افريقا، وللعلمانية والحداثة.
أما الباحثة الألمانية أورسولا غونتر، فقد جاءت دراستها عن خصوصية الإسلام في جنوب افريقيا والتنوع الكبير بين طوائفه، الذي أرجعته إلى اختلاف عوامل الهجرة والتشكل والظروف الاجتماعية، تكوّن المقال من ثلاثة أجزاء : الأول يتناول الخلفية التاريخية لهجرة المسلمين إلى جنوب إفريقيا؛ والثاني حول الفترة من منتصف السبعينات وحتى آخر الثمانينات، أي بداية مرحلة عملية التفاوض التي تبين الاتجاهات والتطورات السائدة أثناء نظام الفصل العنصري، والثالث يسلط الضوء على مرحلة ما بعد نهاية الفصل العنصري والتحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية .
رانيا حسين قدمت قراءة في مواقف القوى الإسلامية وبحثت علاقة المسلمين بالدولة، وشرحت خريطة الفاعلين الأساسيين في المجتمع الإسلامي وهم التنظيمات الإسلامية للعلماء ورجال الدين من مثل جمعية العلماء؛ و مجلس القضاء الإسلامي؛ و جمعية العلماء كوازولو ناتال؛ و جماعات التبليغ، والشق الثاني الحركات السياسية الإسلامية مثل دعوة الإسلام (call of Islam)؛ و حركة قبلة (Qibla Movement)؛ و حركة الشبان المسلمين (Muslim Youth Movement)، ثم تناولت علاقات الجماعات مع الدولة بعد 1994 من خلال بعدين أساسيين هما: موقف مختلف القوى الإسلامية من الشريعة الإسلامية وتحديداً قانون الأحوال الشخصية وموقف هذه القوى من المشاركة السياسية للمسلمين.
شرح محمد أحمد دور مجلس القضاء الإسلامي في دعم هوية الأقلية المسلمة في جنوب أفريقيا بعد التحول الديموقراطي (1994-2010)، وأسسه الفكرية، ودوره في دعم الهوية الإسلامية بعد سقوط الأبارتهيد متخذًا من موقفه من قانون الأحوال الشخصية الإسلامية نموذجاً، وتناول أيضًا دوره في المنتدى الوطني للزعماء الدينيين. كما درس أيضًا علاقاته بالمنظمات الدينية الأخرى في جنوب أفريقيا وتأثيرها فيه. وقدم رؤية حول وضع الأقلية المسلمة بين الاندماج والعزلة.
وقدم لنا بدر حسن شافعي دراسته التقييمية حول تنظيم “القبلة”، حيث تحدث عن نشأته وظروف تكوينه الداخلية الخارجية، وشرّح الأفكار والمنطلقات التي تبنتها و تبناها ممثلها أحمد قاسم بالنسبة للقضايا الداخلية التي توجهت في فترة الحكم العنصري إلى تكريس فكرة مقاومة النظام العنصري مقاومة عاطفية و فكرية وأخلاقية، وشرح موقفهم من استخدام القوة.اشتملت الدراسة رسمًا للهيكل التنظيمي ونظام العضوية، وتناولت أيضًا استيراتيجية الحركة من التنظيمات الداخلية”، وتوقع الباحث أن يدفع الوضع الحركة إلى التخلي عن الخطاب الثوري الإيراني، والمشاركة في العملية السياسية .
درس د. محمد عاشور مهدي جماعات التطرف والعنف في جنوب إفريقيا، في دراسة لحالة جماعة (PAGAD) وطبيعتها ومدى إمكانية تصنيفها عرقيا من عدمه، أكد فيها أن حركة “باجاد” ذات طبيعة مزدوجة كجماعة ضغط على الحكومة وجماعة صحوة وقصاص في الآن نفسه، وأن فكرتها “باجاد” النبيلة تعثرت عبر ممارسات أعضائها، وأن التعامل الأمني بالمعنى الضيق مع ظواهر مثل جماعات الصحوة والقصاص المجتمعي غير مجد وغير مطلوب، ولكن المطلوب هو الحوار والتصدي للجريمة.
في حين تناول د. حمدي عبدالرحمن النماذج الحركية الإسلامية في جنوب أفريقيا وأبرز تنظيماتها، فحاول تتبع بعض ملامح الحركية الإسلامية في جنوب أفريقيا خلال القرن العشرين باختيار عدد من نماذج الزعامات الدينية المؤثرة والتنظيمات الفاعلة التي حاولت دعم الهوية الإسلامية والمحافظة على وحدة الجماعة المسلمة في جنوب أفريقيا.أول هذه النماذج عبدالله هارون وثانيها أحمد ديدات وخطابه الدعوي، أما الثالث فهو فريد إسحاق و”حركة الإسلام التقدمي” وفي المحور الأخير تناول التنظيمات الإسلامية الفاعلة، مثل مجلس القضاء الإسلامي، وحركة الشباب المسلم.
قضية المنظمات الإسلامية الشيعية في جنوب أفريقيا، ملتبسة وغامضة ، قدم محمد عبدالكريم إضاءة عن تاريخها وواقعها من حيث تنامي قوتها في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات بالتفاعل مع المتغيرات العديدة التي مرت بها البلاد، وتداعيات قيام الثورة الإسلامية في إيران التي أمدت المسلمين الشيعة في جنوب أفريقيا بزخم إيديولوجي قوي اتضح جلياً في تبني هذه المنظمات للفكر الثوري بدرجات متفاوتة. وقدم لنا المنظمات شيعية التوجه التي عملت على ساحة جمهورية جنوب أفريقيا طوال ثلاثة العقود الأخيرة، وفي مقدمتها مؤسسة أهل البيت، وحركة قبلة، وعلاقتها بالتنظيمات الأخرى وبخاصة حركة “باجاد”.
أما كتاب العدد الذي اختارته هيئة التحرير فهو كتاب (الهويات الإسلامية والاستراتيجيات السياسية: دراسة حالة للمسلمين في منطقة الكيب في جنوب أفريقيا 1994-2000م ) لأنريك ماتي ، وهو في الأصل رسالة دكتوراه قدمت لجامعة ماربورج Marburg الألمانية عام 2008م. وتتكون الدراسة من تسعة فصول؛ يتبعها كشاف بأهم الاصطلاحات الواردة بالكتاب، وآخر بأهم الاختصارات؛ ثم قائمة ثرية بالمراجع المستخدمة، تعتبر بحد ذاتها إضافة هامة؛ في ظل ضآلة المكتوب عن واقع المسلمين وتنظيماتهم في جمهورية جنوب أفريقيا.
شاهد فهرس الكتاب