غطى كتابنا الثاني والخمسون الجوانب التاريخية والمرتكزات الإيديولوجية الرئيسية للتيارات السياسية الإيرانية المعاصرة قبل وبعد الثورة الإسلامية 1979. بينما يشمل هذا العدد أطياف الحراك الذي تشهده الساحة السياسية الإيرانية، على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي، ويقدم لمحات عن المشهد في أعقاب ثلاثة عقود من عمليات الأسلمة، وحكم الفقيه. وفي الآونة الأخيرة حظي الموقف الإيراني ورؤية طوائفه المختلفة وتياراته تجاه الاحتجاجات والثورات بزخم إعلامي؛ سواء في الاحتجاجات الإيرانية التي فجرتها الحركة الخضراء في أعقاب انتخابات 2009؛ أو الاحتجاجات العربية التي شهدها العام الحالي.
فاتحة دراسات العدد دراسة الباحث اللبناني هيثم مزاحم التي تناولت الاجتهادات الفقهية والفكرية حول ولاية الفقيه في المذهب الاثناعشري، خاصة تلك التي تلت إقرار نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية و دستورها. قدم مزاحم موجزاً للنظرية وتاريخها، وعدّد العلماء والمراجع الذين حاولوا ابتداع نظريات مماثلة أو تطوير النظرية في حد ذاتهاوغيرها من اجتهادات. تتباين هذه النظريات في تقييدها لصلاحيات الحاكم المنتخب بالدستور (رئيس الجمهورية)؛ وإطلاقها لصلاحيات الفقيه كمفكر للجمهورية وضابط لإستراتيجها.
وتناول أستاذ علوم الأديان في جامعة فرجينيا عبدالعزيز ساشدينا الآثار القانونية والدستورية لولاية الفقيه في العقدين الأخيرين، مشيرًا إلى المخاوف والمحاذير التي أوقعت النظرية في شرك الأمن القومي الإسلامي فيما يتعلق بجنسية المرجع. مشيرًا إلى أن الفكر السنّي يفصل بين السلطة الدينية والدنيوية مستدلاً باختياره لطريقة دنيوية لاختيار الخليفة، بينما ربط الفكر الشيعي الخيار الدنيوي بفرضية دينية إلهية ملزمة، مشيرًا إلى أن الحكام استغلوا نفوذ “مراجع التقليد” ونواب “الإمام الغائب”. وتناولت الدراسة محاولة الخميني الجمع الاستثنائي بين “مرجع التقليد” وبين “الولي الفقيه”، ومصير النظرية بعد رحيل الخميني والمشكلات التي تواجهها اليوم، في تحديد الولي الفقيه المتفق عليه ومرجع التقليد الثقة، والجامع بينهما.
بينما تناولت عائدة مازح (أنصار حزب الله ..الذراع الضاربة للمحافظين)، وهو الحزب الذي يستند إليه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وهو من القوى البارزة في مسيرة الثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية.تشرح مازح كيف أن الحزب يرى أن الولي الفقيه لا يتم انتخابه من قبل الخبراء، بل يتم تعيينه من قبل الله ولا يقوم الخبراء بشئ أكثر من الكشف عنه بما أوتو من علم وخبرة.
الخبير والمستشار السابق للخارجية الإيرانية نبيل العتوم قدم إضاءة عن الإصلاحيين و المحافظين في إيران وبيّن نشأة الصراع والاختلاف بينهما، وتتبع تشكل التيار الإصلاحي في مراحله الجنينية، ومرّ على توالد الأجنحة داخل هذه التيارات، مؤكداً على أن الخلاف الرئيسي الحالي في المستوى الفكري يدور حول ولاية الفقيه وسلطاته المُقيدة لرئيس الجمهورية، وعزى فشل خاتمي في تنفيذ الإصلاحات التي أرادها في فترته لتقييد مرشد الثورة لسلطاته، ولذلك فإنه من المبرر السعي الدؤوب الذي يقوده التيار الإصلاحي لتقليص صلاحيات المرشد بعد تلك التجربة، فيما يحاول المحافظون الإبقاء على سلطات المرشد نافذة للحفاظ على الحالة الثورية. يرى العتوم أن الأزمة بين الأجنحة السياسية وفي داخلها ليست أزمة مؤقتة وإنما هي انقسام عظيم في المجتمع.
الحركة الخضراء الشبابية كانت موضوع دراسة علي حسين باكير متناولاً مسارها ومصيرها. قسّم باكير المعارضة الإيرانية إلى معارضة مسلحة وسياسية ودينية، سارداً رموز كل اتجاه منها وتحدث عن التيار الإصلاحي ونفوذه وحدد ميلاد الحركة الخضراء في الاعتراض على تزوير الانتخابات الرئاسية الإيرانية في العام 2009، وما أعقبه من احتجاجات مثلت ذروة نشاط الحركة، وتناول مكوناتها على المستوى الاجتماعي والسياسي و الديني وعدد أهدافها، واستشرف مستقبلها في ظل التحديات التي تواجهها بسبب القمع وتشتت قاعدتها الجماهيرية وتعدد قياداتها، وعدم الاستفادة القصوى من الزخم الجماهيري.
حاول الباحث عمر البشير الترابي، الربط بين الثورات والاحتجاجات العربية بالحركة الخضراء في إيران، وقارن بين الطبيعة الأمنية في الحالتين، والسيكولوجية الموحدة للضفتين، منطلقاً من قصة ثورة إيران الإسلامية في 1979 وتشابهها مع الحركة الخضراء في الشعارات والأشواق. و كانت الأخيرة (2009) تعبيراً عن خيبة أملفي الثورة الإسلامية (1979)، شارحاً وجه مضاهاتها لخيبة الأمل في الجمهوريات العربية التي سبق أن شهدت ثورات رأسية في الخمسينيات والستينيات، معتبرًا النموذجين العربي والإيراني لم يوفيا متطلبات النجاح، وأنه لم يتم التعامل مع النظريات بأمانة سواء الإسلامية أو الجمهورية، كما تناولت الدراسة نظرة إيران بشقيها الإصلاحي والمحافظ للاحتجاجات العربية.
كما اختار مركز المسبار حوار فريدة فرحي المحاضرة في كليات الدارسات العليا بجامعة هاواي في مانوا، وقد تناول الحوار تداعيات الاحتجاجات العربية وأثرها على إيران، ومنع السلطات الإيرانية للتظاهر، وإقالة هاشمي رفسنجاني من أهم مناصبه، والانتخابات القادمة في 2013، و قدرت فرحي شعور الحكومة الإيرانية بالقلق.
لا تكتمل الصورة عن المشهد الإيراني إلا بالنظر لعلاقتها بالغرب عامةً وأميركا خاصة. لذلك اختارت هيئة التحرير تقديم تسلسل زمني موجز عن تاريخ العلاقات الإيرانية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية (1941) حتى 2010.
كتابنا لهذا العدد للإيراني فرهنك رجائي (الإسلاموية والحداثة الخطاب المتغير في إيران) الذي ترجمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، متناولاً تفاعل الحركة الإسلامية الإيرانية –التي قسمها إلى أربعة أجيال – مع الحداثة، و استخدام السلطات الحاكمة لكليهما (الإسلام والحداثة)، وحلل فيه المراحل الهامة للحركة الإسلامية في إيران وخطابها والتطورات التي مر بها مقارناً بين ضفتين: إسلام قم وإسلام جامعة طهران.
أما دراسة العدد فهي للباحث التونسي أعلية علاني عن (الإسلاميون في تونس ومصر بعد الثورة الأبعاد والتداعيات وبداية تشكل الشرق الأوسط الجديد)، وتناولت الإسلاميين بعد ثورة 14 يناير 2011 بتونس عبر واجهتهم حركة النهضة، وخيارها الإستراتيجي بين التحالف أو الاحتواء أو الاندماج، أما في مصر فتساءلت الدراسة هل فاجأت الثورة الإسلاميين في مصر. مؤكداً أن مجريات الأحداث تشير إلى بداية تشكل الشرق الأوسط الجديد مع استعراض لأبزر التحديات المستقبلية.
أما ملف العدد فكان ملخصاً لشهادات مجموعة من الخبراء قدمت في الكونغرس الأميركي في منتصف مارس الماضي، أمام (لجنة الاختيار الدائمة الخاصة بالاستخبارات، واللجنة الفرعية حول الإرهاب، والاستخبارات البشرية والتحليل والاستخبارات المضادة).
وكانت الشهادات حول دور الإخوان المسلمين في الثورات التي تشهدها المنطقة العربية، ومدى تأثيرهم أو تأثرهم بها والاحتمالات المستقبلية بعد أن أصبحوا من صناع السياسة في مصر بعد سقوط نظام الرئيس مبارك. وقد آثرنا أن تكون الشهادة الخامسة للباحث في مؤسسة راند لورينزو فيدينو في كتابنا القادم وذلك لطولها مقارنة بشهادات الآخرين.
وبهذا يكون مركز المسبار قد أصد ثلاثة كتب عن الحالة الإيرانية، التيارات السياسية باختلافها في جزئين، سبقهما في شهر أكتوبر الماضي الكتاب السادس والأربعون ( أهل السنة في إيران). على أمل أن نكون قد وضعنا أمام الباحث العربي والمهتمين مادة كبيرة، هي محاولة لسد النقص في المكتبة العربية، وتحديث المعلومات المهمة حول هذه المنطقة الغنية بالتحولات والتجارب الفكرية.
رئيس المركز