تقديم
في كتاب شهر أغسطس الماضي تناولنا التصوف في الخليج، وفي هذا الكتاب نكشف عن مدى التنوع والتعدد والتجدد في داخل الطرق أو التيارات والمدارس الصوفية بشكل عام ، حيث تغطي مواد هذا العدد قضايا صوفية في بلاد مختلفة من أفغانستان إلى المغرب، و قضايا زمانية مختلفة من القرون الأولى للتصوف في البصرة إلى الوقت الحالي، و نشير إلى الأطوار الجديدة والتصوف الجديد في السودان، ونختبر قدرة التصوف على مكافحة الإرهاب، وما يستطيع أن يبرزه من قيم بدأت بالانحسار والانكفاء.
فاتحة دراسات العدد مدخل تاريخي تعريفي يقدمه شعبان علي عبدالحافظ الباحث المهتم بعلوم التصوف، حيث أرّخ لنشأته، وتناول المنهج العملي عند الصوفية، و نظرة الصوفية لضرورة وجود صحبة، ومرشد، مستشهدًا بالغزالي، واستئناس المتصوفة بقصة الخضر مع موسى دليلًا على ضرورة الصحبة، و اشتملت الدراسة على موقف الصوفية من التيارات الإسلامية الأخرى، وقدم لها عبر تناولها لمفاهيم الصوفية: الطريقة، والحقيقة، والشريعة، و ما سببته من خلاف بين المتصوفة والفقهاء، كما أشار إلى النقد الذاتي الذي يمارسه المتصوفة على أنفسهم ويفرّق بين الصوفية وأدعياء التصوف، وختم الدراسة بذكر أهم أعلام التصوف من الرجال.
كانت البصرة مظان كثير من العلوم الإسلامية، فلا غرو أن يكون التصوف أبرزها، الباحث العراقي علي الحسيني، غطى لنا جانبًا من جوانب تصوف البصرة بين الماضي والحاضر، وتناول الحياة الفكرية الباذخة في مدينة البصرة، وتتبع الحركة الروحية مارًا بأبرز رجالاتها مثل الحسن البصري وفرقد بن يعقوب السبخي، وحبيب العجمي، ومالك بن دينار.
رصدت الدراسة تحول التصوف من الزهد الفردي إلى الطريقة، فعدد تكايا الطرق، وأشار إلى ركائز العلاقة الصوفية بين الشيخ بالمريد، والبيعة أو العهد و الذكر، وغيرها من الظواهر الطقوسية، وخصص مساحة لمعاينة المقامات والأحوال عند متصوفة البصرة، وأهم الطرق متناولاً خصائص متصوفة البصرة في الوقت الراهن، إذ يتسمون بالاعتدال الديني والسياسي والانقطاع عن الطرق خارج العراق. ويوضح الحسني تسامح الصوفية السياسي الذي اتخذته من الأحداث بعد 2003 مما جعلها هدفًا للعمليات الإرهابية، وهو مايراه الباحث من أسباب انحسار الطرق الصوفية في البصرة.
محمد حسن فلاحية الباحث الإيراني الأهوازي، يكتب عن الصوفية في إيران من حيث الحضور التاريخي والمعاصر والعلاقة بالتشيع. بدأت الدراسة بمسح تاريخي لعلاقة إيران بالتصوف، و بحثت تداخل التصوف والتشيع في إيران والعلاقة بينهما، عددت الفرق الصوفية الشيعية في إيران، وعلى الأخص المشعشعية ، كما تناولت الصفوية ونموها على أساس صوفي حتى انفردت بزمام الحكم، وشرح فلاحية الاختلاف الحالي بين المتصوفة والشيعة، مشيرًا إلى سمات بارزة في تاريخ علاقة الصوفية بالسلطة ومداهنتها لها.
التصوف الجديد تمثله تجربة الشيخ الأمين في السودان ، حيث يقدمها الباحث وليد الطيب في دراسة عن التصوف الجديد في السودان، تناولت أطوار التصوف السوداني، بدايةً بطور التصوف العلمي الوافد عبر علماء الحجاز و مصر، ثم تيار التصوف الباطني. رصد الباحث ظهور الطرق الصوفية في السودان، والسمات العامة للتيار الصوفي متمثلة في الصورة الأسطورية للشيخ الصوفي، والعمل على إشباع بطون الجياع لجلب الأتباع، والعناية بالمديح و الطرب له، أو ما يشير إليه بقوله “الغناء والرقص الصوفيان”. ركّزت الدراسة على الطريقة المكاشفية، واهتمامها بالمناسبات الدينية، في طورها الجديد متمثلاً في الشيخ الأمين الذي مثل التصوف الجديد، فتناول سيرته وجمهوره وهيكل طريقته، وحلل خطابه الذي يعتمد على لغة هجين مدعومة بالآليات المسرحية وإجادة لغة الجسد. يعتمد التصوف الجديد أيضًا على حضرات وحلقات الذكر، التي تتخللها مواعظ، وحلقات التعليم، مع وقفة حول تفادي الشيخ الأمين الولوغ في وحول السياسة. انتهت الدراسة إلى أن التصوف الجديد يتغلغل في شرائح لم يكن التصوف التقليدي يستطيع الوصول إليها، ويشبهه الباحث بتيار الدعاة الجدد، الذي يفنى في النعيم، ويلقى قبولاً، حتى من الشرائح المترفة في السودان.
ومن المغرب، يرصد عبد الحكيم أبواللوز الباحث في علم الاجتماع الديني التراجع في مظاهر التصوف و بنيات التدين التقليدي بالمغرب، معتمداً على نموذج مراكش التي كانت تعج بالزوايا والأضرحة منذ السبعينيات إلى 2004. تضمنت الدراسة الجداول والنسب التي تناولت توزيع الزوايا والأضرحة بمدينة مراكش، وحدد المقصود بالتراجع في البنيات على مستويين: معتقدات الزوايا، وأنماط العلاقات الاجتماعية المؤسسة على هذه المعتقدات. كما أرّخ أبو اللوز لبدايات التراجع بالسبعينيات و الثمانينيات إبّان نشاط الحركة السلفية حيث أسفر عن ذلك تراجع على مستوى الطقوس الصوفية، وعلى مستوى الانتشار المحلي للتكايا والأتباع والموارد المالية .
الطاهر عمارة الأدغم باحث وصحافي، يروي تجربة فريدة نقلها عن رحلته إلى أفغانستان، حول حركة طالبان بأفغانستان وعلاقتها بالتصوف. ربط الأدغم طالبان بالتصوف عبر بوابة مدرسة ديوبند التي تنوعت مشاربها، مقررًا أن علماء ديوبند ينتمون إلى الطرق الصوفية، حيث إن أغلب قادة طالبان وعناصرها هم نتاج هذه المدرسة. يشير الكاتب إلى أن أفغانستان عالم من الأضرحة، وأن طالبان خلافاً للإشاعات لم تهدم الأضرحة، مستشفًا من ذلك بقايا تصوف أو تصالح معه في نفوس قادتها، وإن كانت قد حجمت من التعاطي معها، يشير الأدغم إلى أن حلول القاعدة في أفغانستان تسبب بتأثير سلبي على نطاق ضيق، لأن الاختلاط بين معسكرات الفريقين كان محدودًا، مؤكداً أن حركة طالبان ظلت وفية لمبادئ واتجاه علماء ديوبند في العقيدة والفقه والتصوف.
التصوف وإمكانية استخدامه لمكافحة الإرهاب تناوله الباحث عمر البشير الترابي عارضاً للرؤية التي تؤيد الاستعانة بتيار ديني لإضعاف آخر، معتبرًا أن هذا الطرح هو الذي أوقع الغرب في فخ التعاون مع الإسلاميين، مشيرًا إلى أن التسييس العالي منع من نجاح التعاون بين مكافحي الإرهاب والإسلاميين، تناولت الدراسة قدرة المتصوفة على مواجهة الراديكالية والإسلام السياسي، وعرضت تجربة التصوف في مكافحة الإرهاب في باكستان، والمملكة المغربية التي أعادت إحياء التصوف لمواجهة التطرف، وتناولت الدراسة شروط نجاح هذه الإستراتيجية، وراهن الباحث على أن قيم التصوف التي تعزز الضمير الفردي وتذيب الإيديولوجيا، والروح الليبرالية في التصوف ورمزية النص تحمل الكثير من مفاتيح الحل.
اختارت هيئة التحرير لهذا العدد كتاب الصوفية والسياسة في مصر، للكاتب الدكتور عمار علي حسن. الصادر عن مركز المحروسة في 270 صفحة. الكتاب هو دراسة ميدانية لطريقتين صوفيتين في مصر، رصد عبرهما المؤلف طريقة التنشئة السياسية للتصوف في مصر، وتناول المكونات الفكرية والتنظيمية والتاريخية لها. احتوى الكتاب على دراسة ميدانية بين مريدي الطريقة الحامدية الشاذلية، والطريقة الخليلية، و ناقشت نتائج الاستبيانات التي احتوت أسئلة حول المعرفة السياسية، والقيم السياسية، بين أتباع هاتين الطريقتين وحللت الأرقام الإحصائية.
أصدرت السُّلطات البريطانية في السنوات الماضية العديد من الإستراتيجيات لمكافحة الإرهاب، وفي يونيو (حزيران) 2011، صدرت “استراتيجية المنع”، التي تهدف إلى الحيلولة دون تحول الأفراد إلى إرهابيين أو متطرفين يمارسون العنف، أو يدعمونه. وكان هذا الإصدار ضمن برنامج وضع لمكافحة الإرهاب والتطرف بشكل مباشر، في إطار إستراتيجية موحدة وضعتها الحكومة البريطانية لمكافحة الإرهاب، تتضمن المنع والملاحقة والحماية والاستعداد. رأينا تلخيص جزء من هذه الإستراتيجية، وتوفيرها لقرائنا الكرام.
دراسة العدد التي تناولها الباحث المصري وائل صالح، تناولت دور الإخوان المسلمين في الثورات الحالية في الشرق الأوسط، واختبرت السيناريوهات المستقبلية للمنطقة حال وصولهم لسدة الحكم، كما استعرضت الجغرافية السياسية لتلك الثورات، ثم موقف الإخوان المسلمين من الثورة كأداة لتغيير الأنظمة والوصول للحكم، ومن خلال تحليل تجارب مجترة من الماضي، ركّزت الدراسة على ثورة مصر بوصفها الأكثر زخما.
رئيس المركز