يرى بعض المراقبين أنه مع كل محاولات استشراف المستقبل، وقياس توجهات الحركة الإسلامية في تونس، فإن استيعاب هذه الحركة للقيم الديمقراطية غربية المنشأ ربما يحتاج إلى بعض الوقت، إذ إن الأمر لا يتوقف على قناعات هذه الحركات الفكرية وحسب، ولكنه يتعدى ذلك إلى قناعات القواعد الانتخابية لهذه الحركات التي ترى أنها وصلت إلى الحكم عن طريق قواعدها الانتخابية. وكتابنا هذا يقدم عرضاً للتوجهات الإسلامية التونسية، السلفية والصوفية والتقدمية وغيرها، ويقدم وجهات نظر متعددة منها ما ليس متفائلاً بمستقبل البلاد في ظل حكم هذه الجماعات.
عبر سِني العمل الإسلامي التونسي، فرّخت النهضة تيّارات انشقت عنها، منها تيّار الإسلام التقدمي تناوله الباحث التونسي علي بن مبارك، في دراسته (الإسلاميون التقدميون: أي دور بعد الثورة ؟) وهو مشروع إسلام تقدميّ عقلانيّ قريب من مشاغل النّاس ورهانات الحداثة، حاول الإسلاميون التقدميون بعثه منذ أواخر السبعينيات، ولم يكن يسيرًا رصد حراكهم لولا وجود منتداهم المسمى “منتدى الجاحظ” الذي أسس في العام 1990، وبعد الثورة التونسيّة 2011، لم يجدوا إطارًا تنظيميًا يسعهم، وقد تناول الكاتب الدور المفترض للإسلاميّين التقدّميّين بعد الثورة التونسية (2011)، و الدور السياسي لحزب الإصلاح والتنميّة.
الأطياف الإسلاموية الأخرى درسها رئيس منتدى الجاحظ صلاح الدين الجورشي، الذي رسم لنا خارطتها بعد الثورة، مثل حزب التحرير، الذي كان محظورًا، وشارك في الثورة التونسيّة، ولكنه يقف ضد الانتقال إلى الديمقراطية، ومازال حزب التحرير يدور في محورية الخلافة الإسلامية. كما تناولت الدراسة التيار السلفي، بوصفه ظاهرة جديدة على المشهد السياسي، وقد تعرض هذا التيار لمضايقات من النظام السابق، ورُبِط بتنظيم القاعدة. و حاول السلفيّون القيام ببعض أعمال الحسبة العنيفة مثل اقتحام أقدم بيت دعارة في العاصمة تونس من أجل غلقه، وأججوا مواجهة ضارية مع العلمانيين، تجسدت في فلم قناة نسمة الذي أدى إلى حرقها وتخريبها، ويشير الكاتب إلى أن التيار السلفي لم يكن له أي دور في الثورة التونسية في بداياتها، وقد يشكل إحدى عقبات التحول الديمقراطي.
المُحاضر في تاريخ الأديان في الجامعة التونسيّة صلاح الدين العامري أماط اللثام عن ظاهرة التشيّع في تونس، والوجود الشيعي في دول المغرب منذ حقبة العلويين، ومن بعدهم الإسماعيليون وبشكله الإمامي الإثناعشري، وتناول وجود الشيعة اليوم في تونس، وناقش تعامل شيعة تونس مع مراجع التقليد وانقسام المتشيعين حولها إلى أنواع، النوع الأوّل منهم لا يرتبطون بمرجع تقليد معيّن عن جهل وإنما تشيعهم ضرب من المحبة، أما النوع الثاني، فهم لا يرتبطون بالمراجع خوفًا من الأنظمة السنية، والنوع الثالث من الطبقة المثقّفة، حيث اختار بعضهم الخامنيئي، والبعض الآخر اختار محمد حسين فضل الله. الشيعة الآن يشعرون أنّ وضعهم أصبح أفضل، وقد أنشئوا موقعًا رسميًا لجمعيتهم على الإنترنت، ولكن نشاطهم السياسي ضعيف، وهم منعزلون عن الممارسة السياسية.
الفاضل البلدي الذي خاض الانتخابات الأخيرة، قدّم دراسة تصف المشهد العام، وترصد المتغيرات فيه، مستحضرًا التاريخ الحداثي لتونس. الثورة كما يراها البلدي نعمة من الله في تحققها وفي طبيعتها وفي مآلاتها، فالحرية قيمة أولى تتقدم على كل شي، وإذا كانت الحرية كذلك فينبغي المحافظة عليها و رعايتها و صونها من كل مستبد مهما كان لونه أو حجته، و توفير كل أسباب إشاعتها، والثورة كانت هي المفتاح لفضاء الحرية.
أما منذر بالضيافي، الصحفي وباحث علم الاجتماع التونسي فتناول سيناريوهات المشهد السياسي القادم في تونس، وقدرة النهضة على التحول إلى حزب سياسي مدني يؤمن بالتداول على السلطة، راصدًا نقاط الانقطاع والتواصل بين الديني والسياسي/المدني، بين “المقدس والمدنس” في رؤية الحركة الإسلامية التونسية ممثلة في حركة النهضة، ومدى استفادتها من تجارب الحكم “باسم الإسلام” .
السلفيون في تونس بعد ثورة 14 يناير، يكتب عنهم مهدي عبدالجواد الباحث والصحافي التونسي، عبر المرور على الأسس النظرية للسلفية عامة، والسلفية في تونس، و التيار السلفي في تونس بعد ثورة 14 يناير، مقدمًا الأسس النظرية وتاريخها، وشارحًا الحركة السلفية في تونس القديمة والحديثة. و يرى الباحث أن السلفية اليوم تنكرت لمنابتها، وبنَت ثقافتها السياسية على بناء الحدود مع الفكر الحديث وانكفأت على المدونة الإسلامية مرجعا وحيدا.
الكاتب والمفكر المغربي، عضو رابطة العقلانيين العرب سعيد ناشيد، لا يرى في الصعود الانتخابي للخطاب الديني أي استثناء عربي أو إسلامي، لأن عودة الدين إلى حقل السياسة وإلى قلب العملية الانتخابية، أمست ظاهرة كونية. وأشار إلى أن الربيع العربي أكد أن الاستبداد لا يقف ضد زحف الحركات الأصولية، وحاول أن يوضح كيف أن انتقال الرّبيع العربي من إطار مدني أو ليبرالي في بداية الثورات، إلى طور ديني أو إسلامي لحظة الانتخابات، لم يكن مجرد مصادفة انتخابية، وإنما هو محصلة حرب تأويلات وتفسيرات لأسباب الثورة. كما يذهب الباحث إلى أن عودة أي شكل من أشكال الاستبداد سواء في شكله العلماني أو الديني، لم تعد في حكم الوارد ولا في حدود الإمكان.
التصوف الشعبي في المجتمع التونسي، تناوله عماد صوله، فتطرق إلى تشكيلات التصوف الشعبي في المجتمع التونسي، الذي يرتكز على الزاوية، والفضاءات المقدسة، و رصد التحولات المؤسساتية والوطنية والرمزية، وتعرض للتمظهرات الجديدة للتصوف الشعبي التونسي؛ وأشار إلى النماذج الأربعة الجديدة من التصوف التونسي، توضح الدراسة أن الخلفية التاريخية لم تعد هي المحدد الحاسم للانتماء.
كان البروفيسور محمد الحداد هو الراعي لظهور كتابينا عن تونس بعد الثورة، وبجهوده المتواصلة لإنجاز معظم دراسات هذا الكتاب، جاء في هذه البانوراما من وجهات النظر والرؤى التحليلة.
قراءة في كتاب (سقوط الدولة البوليسية في تونس) يقدمها لنا فهد الشقيران. وقد احتوى الكتاب مساحةً كبيرة لعرض تاريخ وأحداث وقصص وتحليلاتٍ تفسّر معنى الثورة التونسية الحالية، إلا أن القراءة توضح أنه بالغَ في تحميل القوى الكبرى أو “الإمبريالية”، كل الكوارث التي حلّت بتونس.
دراسة العدد لأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة أحمد عبدالحافظ فواز، تتناول تساؤلات عن حقيقة وجود حركة إسلامية في تتارستان وأبخازيا، وكيف انتشر الإسلام في كل من تتارستان وأبخازيا وهل تم توظيف الدين من جانب الحركة القومية في تتارستان وأبخازيا، وهل توجد بالفعل حركة إسلامية في تتارستان وأبخازيا. إن كانت هناك بالفعل هذه الحركات، فما علاقتها بنظائرها في آسيا الوسطى وشمال القوقاز.
رئيس المركز