تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه السابع والستين، موضوع الأقليّات الدّينية والإثنية في الدّول التي تحكمها الآن أحزاب إسلاميّة، وهي: إيران، وتركيا، والسودان، والعراق، والمغرب، وتونس، وليبيا. دراسة بيّنت تاريخ الأقليات، وانعكاسات وصول الإسلاميين إلى السلطة أو ممارساتهم، بين الشعارات والواقع، ولم يتناول الكتاب مصر إلا بشكل عرضي، فكتابنا لشهر أغسطس المقبل، يتناول الأقباط في مصر، عقب وصول الإسلاميون إلى السّلطة فيها.
فاتحة دراسات العدد، قدمتها الباحثة والأكاديمية اللبنانية الدكتورة ريتا فرج، بعنوان «الأكثرية والأقلية في الإسلام المعاصر جدلية الفقه الحركي والواقع» عالجت فيها ثلاثة محاور أساسية، الأول عن الجذور التاريخية لأزمة الأقليّات في العالم العربي وخريطة انتشارها، وقدمت فيه تعريفاً لمفهوم الأقلية والأكثرية ومتعلقاتها في الوعي الغربي؛ والمحور الثاني كان حول الرؤية الفقهية الإسلامية للآخر وعالجت فيه «رؤية الإسلام الفقهي – الأكثري – للآخر الأقلوي» عبر مفاهيم دار الحرب، ودار الإسلام، وأهل الذمة، مبيّنة أن «الأقلية والأكثرية لم تستعملهما الأدبيات الإسلامية بشكلها الحرفي»؛ أما المحور الثالث فتناولت فيه رؤية الفقه الحركي للآخر الديني، معتمدة على دراسة نماذج حركة الإخوان المسلمين في مصر (حزب الحرية والعدالة) وحركة النهضة في تونس والاتجاه السلفي (حزب النور) في مصر.
المسيحيون والصابئة المندائيون في ظل حكم حزب الدعوة، في العراق، درسها عبدالحسين شعبان أستاذ مادة اللاعنف وحقوق الإنسان في جامعة أونور، يشير شعبان إلى أن الإسلاميين قطفوا ثمار غيرهم، وقرر أن صعودهم أثار السؤال عن مدى احترامهم لحقوق الأقليات، كما عرض تاريخ الأقليات في العراق، مشيرًا إلى أن إشكاليتها تفاقمت باحتدام الوضع السياسي وظروف الحرب والحصار، حيث هاجر ما يقارب ثلثي عدد المسيحيين خلال ثلاث فترات، الأولى فترة الحرب العراقية- الإيرانية، والثانية فترة الحصار الدولي، أما الثالثة فهي الأوسع والأشمل – فقد كانت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 م، ولا شك أن النسبة الكبرى كانت خلال اندلاع موجة التطهير والقتل، وعلى الخصوص في العام 2006 – 2007 م. يقول شعبان «أرى أن الأمر يجب أن لا يكتفي بإدانة ما يحصل، بل يتطلب اتّخاذ مبادرة وطنية على مستوى الحكومة والبرلمان والشعب، تشارك فيها جميع التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية والمؤسسات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية، وكذلك منظمات المجتمع المدني، لدعم الوجود المسيحي والمندائي والعمل على ملاحقة مرتكبي الجرائم وتقديمهم للعدالة».
من العراق إلى ليبيا، حيث أقلية تعيش في جبل نفوسة (الجبل الغربي) متأرجحة بين الماضي التليد والحاضر المخنوق بالأسئلة، تناول الحالة الليبية البروفسور إبراهيم بحاز، الأستاذ بجامعة غرداية بمعهد العلوم الإنسانية والاجتماعية، حيث قدم تعريفا للحالة الجغرافية له ولسكانه وهم من قبيلة نفوسة إحدى أكبر قبائل البربر البتر (أي البدو) وأوسعها، وأرّخ إسلامها واعتناقها للمذهب الإباضي ودورها في إقامة دولة إباضية في العام 757 م، ومضى يتناول نفوسة في العهدين الفاطمي والزيري وهجرات الهلاليين، وتأسيس نظام العزابة، ثم تناول علماء نفوسة ودورهم في إثراء الفكر الإباضي والإسلامي وأهم رموزها.
شكري الصيفي الباحث التونسي، في شؤون الأقليّات، تناول الأقلية الشيعية في تونس راسماً المسار الشيعي فيها بشقيه الفردي والجماهيري، يشير الكاتب إلى جذور تاريخية بعيدة، ولكنه يعود ويقول «في الفترة المعاصرة ومع أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، اعتنق عدد من التونسيين المذهب الجعفري. وشهد هذا الانتقال المذهبي أوجه إبان مرحلة الثمانينيات، أي مباشرة بعد انتصار الثورة الإيرانية، إلا أن ذلك كله يبقى عصيا على الإحصاء الكمي». وتناول الصيفي شيعة تونس في دائرة الجدل الديني والسياسي، والخلفيات السياسية والدينية المعقدة، خاصة بعد وصول حزب النهضة إلى تونس، ويذهب الكاتب إلى أن الشيعة في تونس لم يشكلوا نخبة معتدلة، وأن علاقة الدولة بهذه الأقلية تشوبها حسابات سياسية، تتأرجح بين الضغط عليها وتكييف مطالبها مع الحد الأدنى للواقع السياسي القائم.
حرية المعتقد الديني بين القانون وإكراهات الواقع دراسة تناولها الدكتور عبدالحكيم أبواللوز، قدم في فاتحتها لمحة تاريخية عن الديانتين المسيحية واليهودية في المغرب، مبينا الإطار الدستوري والقانوني لوضع الأقليات في المغرب، مشيرًا إلى أن الدستور المغربي الحالي تضمن أحكاما عامة تشير إلى تبني اختيارات التعددية والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، وهي مرتكزات تشي باحترام حقوق الأقليات وعدم المساس بها. بالرغم من تأكيده على أن الدولة إسلامية، فجرّم المُشرِّع المساس بحريات المواطنين وحقوقهم.
الدكتور نبيل العتوم أستاذ الدراسات الإيرانية في الجامعات الأردنية، تناول موضوع الأقليات الدينية في عهد الثورة الإيرانية، وركز على الأقليتين الأرمنية واليهودية، والنظرة لهذه الأقليات من خلال الأطر القانونية والدستورية التي ورثت الاعتراف بالأقليات، يشير الكاتب إلى تصاعد الصراع بين الدولة الإيرانية والكنيسة المسيحية، وتحول العلاقة التصالحية التي كانت سائدة في السابق إلى علاقة صراعية. نشير إلى أننا استبعدنا دراسة السّنة كأقليّة؛ لأننا سبق وأفردنا لها كتابا منفصلاً بعنوان: «أهل السنة في إيران»، وهو كتابنا لشهر اكتوبر تشرين الأول 2010 م، رقم 46 من سلسلة كتب المسبار.
الأقليـات في الســـودان في ظل نظام الحكم الحالي، تناولها الدكتور عبده مختار موسى، وهو أكاديمي وباحث سوداني، حاول أن يقدم مفهوم الأقليات تطبيقا على الحالة السودانية، فمرّ على الوثنية في الجنوب وجبال النوبة، توصل الكاتب إلى أن النشاط التبشيري واللغة الإنجليزية والملامح الزنجية والشعور بالتهميش كلها عوامل أدت إلى بلورة عامل الهوية الذي جعل النوبة أقرب – وجدانياً وعقلياً – إلى الجنوب من الشمال. نتج عن ذلك تعقيد علاقة هذه المنطقة بالحكومة المركزية. أما الأقباط في الســودان، فإنه على المستوى الرسمي هناك احترام من الحكومة للأقباط، فيتم منحهم إجازات للعطلات الخاصة بأعيادهم، ويشارك المسلمون إخوانهم الأقباط السودانيين في أعيادهم بالتوقف عن العمل في عطلات الأقباط (مثل عيد الكريسماس). ويختم الكاتب بالقول «لقد أخذ التغلغل العربي في السودان بعداً سلطوياً، حاملاً قيماً ومعتقدات سادت على حساب الآخر». وتميز الوجود العربي بقوة الدفع التي تتمثل في النسق الحضاري المتكامل من لغة ودين وثقافة في اتساق مكنها من التجانس والقوة لتربط فسيفساء عالية التنوع.
الأقليات في تركيا؛ بين الواقع والتحديات والمستقبل، هي دراسة الدكتور محمد نور الدين، الخبير في شؤون تركيا والأكراد، يقول نور الدين إن تركيا – بلد الأقليات الإثنية والمذهبية والدينية – ترسخ فيها واقع الأقليات في وثيقة دولية ممثلة في اتفاقية لوزان في العام 1923 م. ولكن مشكلة تركيا – حسب الكاتب – أن اتفاقية لوزان اعترفت بالأقليات على أساس ديني إسلامي ومسيحي فقط. ولكن المشكلة التي تواجهها تركيا منذ تأسيسها، هي مشكلة الأكراد وهم يقاربون سدس السكان والمشكلة المذهبية التي يمثلها العلويون ويقاربون ربع السكان. ولقد اختلطت عوامل كثيرة اجتماعية وسياسية وخارجية ساهمت في زيادة تعقيدات حل مشكلات الأقليات في تركيا.
إشكالية الأقليات لا يمكن حلها، إلا في إطار تطوير واقع يؤمن بالمواطنة، والعقبة الأساسية هي الفهم الديني المتحجّر، وفي هذا الإطار قام عبدالغني عماد برصد رؤية اجتهادية قام بها إسلاميون وعلماء دين، بدأها بالحديث عن الإسلام السياسي المعاصر والسجال حول مفهوم الدولة والديموقراطية، فقسِّم الإسلاميين إلى تيارين الأول يمثله سيد قطب وهو يرفض الديمقراطية، ولا يتواءم مع المواطنة باعتبار خلفيتها العلمانية. وتيار آخر قبل الديموقراطية وبدأ ينظر لها، تيار الاجتهاد الفقهي باتجاه المواطنة، برزت فيه جهود علماء مثل: محمود شلتوت، واليساري المتحول إلى الاتجاه الإسلاموي محمد عماره، والدكتور أحمد كمال أبوالمجد، وطارق البشري، وحسن الترابي، وراشد الغنوشي، ومحمد مهدي شمس الدين، والعلامة محمد حسين فضل الله، بالإضافة لجهود محمد الغزالي السقا. أما أهم المراحل فقد نسبها إلى يوسف القرضاوي، الذي يصف رضوان السيد نهجه بأنه «نهج التأصيل» ويعني عدم الاعتراف بأي شيء إلا إذا أمكن إعادته نصاً أو استدلالاً إلى أحد الأصلين (القرآن والسنة(.
اختارت هيئة التحرير لهذا العدد، كتاب الحركات والأحزاب الإسلامية وفهم والآخر، للكاتب صالح زهر الدين. وأطروحة الكتاب تلقي الضوء على تطور خطاب الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين منذ لحظة تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر، وقدم الكتاب مادة تاريخية ونقدية.
رئيس المركز