يواصل مركز المسبار للدراسات والبحوث، في هذا الكتاب، تغطية موضوع الأقليّات الدينية، بعد الربيع الثورات العربية، ووصول تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم، وقد خصصنا كتابنا لشهر أغسطس (آب) من العام 2012 للمسيحيين المصريين، «الأقباط»، آخذين في الاعتبار، أنّهم الأكثر عددًا بين مسيحيي العالم العربي، فمصر من معاقل المسيحية في العالم.
فاتحة دراسات العدد؛ تناولت دور الأقباط في بناء المجتمع المصري، لأستاذ النظرية الاجتماعية بجامعة عين شمس الدكتور علي ليلة، الذي اعتمد في نقاشه مرجعية الحضارة والتاريخ، وقدّم إحصائيات تبيّن توزع الأقباط على جغرافيا مصر، وأثرهم الاجتماعي والقيمي في تشكيل الهوية المصرية، وفي مناقشته للتكوين الاجتماعي للمجتمع المصري يرى ليلة أنه «ليس من الممكن اعتبار الأقباط أقلية، لأن كلمة الأقلية تعني جزءًا بينما المواطنة حقيقة كلية، تترسب على ساحتها طبقات التاريخ والحضارة التي عايشها الأقباط وحافظوا عليها، وظلوا ملتصقين بها، فهم كالمسلمين يمتلكون كل مصر»، مشدداً على «حقيقة لا يمكن اغفالها، هي أن الأقباط هم عنصر الاستمرار التاريخي والحضاري للمجتمع المصري» لأنهم «حافظوا على هويته دون أن تذوب في أية هويات أخرى طرأت وربما تغلبت عليها».
الدكتور القس أندريه زكي اسطفانوس مدير عام الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية ونائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، تناول القوى المسيحية في مصر وموقفها من الثورة، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والكنيسة القبطية الإنجيلية، والكاثوليكية. خرج الشباب القبطي عن العباءة الكنسية وشاركوا في المظاهرات، وبعد أن بوركت هذه الخطوة لاحقًا، دخلت الكنائس جميعها في صلوات أقيمت لسلامة مصر. وشرح القس اسطفانوس الكثير من التحديات التي تواجه المسيحيين العرب بعد الربيع العربي، وهي تحديات متعلقة بالإسلام السياسي، مثل حق الانتماء الوطني، وحرية الاعتقاد، ويرسم الباحث صورة كئيبة للمشهد المصري حيث تحول «الربيع العربي إلى ربيع إسلامي، بوصول الإسلاميين للسلطة، وإلى صيف ساخن جدًا تعاني الأقليات الدينية من حرارته الشديدة».
المفكر المصري المعروف، عصام عبدالله، كان قد أدلى بشهادته عن الأقباط في 28 يونيو(حزيران) الماضي، أمام لجنة فرعية للكونجرس الأمريكي، لذلك اختار أن يتناول رؤية من الداخل القبطي، للمخاوف من تولي الإخوان مقاليد الأمور في مصر، وقدّم رؤيته المتشائمة حيال ما يدور في مصر. تحدث عصام عبدالله، عن تاريخ التعايش بين الأقباط والمسلمين، وفترات زاهرة في تاريخ التعايش تولّى فيها الأقباط المصريون رئاسة الوزراء في مطلع القرن العشرين ومناصب مرموقة في الدولة، إلا أن ظهور جماعة الإخوان المسلمين(1928) كان ضربة للوطنيّة.
الكاتب المتخصص في شؤون الإسلام السياسي والظاهرة الدينية، وائل لطفي، تناول الأقباط في مصر وتحديات الواقع السلفي، من المنظور الخارجي، فسرد تاريخ السلفية في مصر، والأرضية الفقهية التي تنطلق منها الرؤية السلفية للأقباط، وسندها بنماذح من الفتاوى حول السلام والتهنئة والأعياد، واتسمت كل الرؤى الفقهية السابقة للمارسة السياسية بالتشدد، وأسهم إحساس التيار السلفي بأن الكنيسة طفلة مدللة للدولة، في توليد شعور بالغبن والحنق، خاصة وأن مؤسسات إسلامية بقامة الأزهر كانت تقدر رأي الكنيسة في أمور كثيرة، مثلما جرى في حادثة «كتاب تقرير علمي» لمحمد عمارة والذي سحب من الأسواق بأمر الأزهر، احتراماً لمشاعر الإخوة المسيحيين. يرى الباحث أن حادثة كنيسة القديسين مثلت ذروة الصراع والاختلاف والاستغلال، وبالرغم من أن الدعوة السلفيّة أدانت الحادث، إلا أنّها أصرّت في صلب بيانها أن تدين دعوة أقباط المهجر لأمريكا والغرب بالتدخل. وبحسب الدراسة فقد شهدت أيام ثورة 25 يناير الأولى علاقة جيدة بين كل المصريين، حيث احتمى المسلمون والمسيحيون ببعضهم البعض، وحاولوا أن يصوروا الاختلاف على أنه من صنع النظام السابق، ولكن الخلافات حول المادة الثانية من الدستور أججت الاحتقان من جديد.
سنية البهات، الباحثة في مركز الدراسات السياسية والأمنية بجريدة الجمهورية، تناولت بدراستها إعلام الفتنة، أو ما قام به الإعلام –حسب الباحثة- من تأجيج لنير الطائفية، وتحريض متبادل، بشكل منظّم أو بأخطاء أنتجها اللاوعي في الفاعل الإعلامي المصري. الدراسة تناولت الفترة من مارس(آذار) 2011 إلى مارس(آذار) 2012، وتناولت المادة المقروءة في صحف الأهرام، والمصري اليوم، واليوم السابع، وقدمت تحليلاتها منتخبة أبرز القضايا والموضوعات، مثل قضية عبير وأحداث ما سبيرو وغيره، وانتهت إلى ضرورة تنبه الإعلام للنعرات الطائفية التي يثيرها البعض عبره.
أما كتابنا الذي نقدم له قراءة لهذا العدد فهو كتاب «الكنيسة المصرية… توازنات الدين والدولة»، للباحث هاني لبيب، وهو صادر عن «دار نهضة مصر للنشر»، 2012، وتناول الكتاب العلاقة بين الكنيسة والدولة، منذ فجر التاريخ المصري، مرورًا بكل الحقب، والمدارس المختلفة، وصولاً إلى ثورة 25 يناير، وكان آخر الأحداث التي غطاها هو أحداث ماسبيرو، قرأه لنا الباحث المصري ماهر فرغلي.
رئـيـس المـركـز