تقديم
في كتابينا الثالث والأربعين، والخامس والأربعين، ناقشنا نشأة الإخوان المسلمين في الخليج، ونشاطهم الحركي، ومدى تغلغلهم في مؤسسات الدول التي يتواجدون فيها، وتأثيرهم، ومواقفهم من الديموقراطية، والحزبية، والوطنية، والولاء. وبعد سنتين تقريبا جرت مياه كثيرة، استوجبت أن نعيد التركيز على قضايا الخليج لفهم الصورة بعمق أكبر، ولنستطيع مواصلة سبر قضايا إسلاميي الخليج، بعد الاضطرابات التي شهدتها المنطقة منذ أوائل عام 2011، وهذا هو الدافع وراء كتابنا التاسع والستين لشهر سبتمبر (أيلول) 2012.
يدرس هذا الكتاب أثر الربيع الأصولي وأثره في الإسلاميين في الخليج، وخصوصاً في البحرين والإمارات، وكيف تعاطى السلفيون -في السعودية وغيرها- مع التحولات، كما تضمن الكتاب أسئلة حول المشروع القطري بتبني الوهابية، ودراسة عن كيفية تعامل الجار الإيراني مع الاحتجاجات العربية واستثماره لها، ويدرس كتابنا التماسك الاجتماعي الخليجي ومتطلباته، ومسألة الطائفية، ويعرض مظاهر المفكرين الحركيين الجدد في الخليج.
فاتحة دراسات العدد قدمها الدكتور شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، وتناول فيها النموذج الكويتي لبناء التماسك الاجتماعي في دول الخليج، ووثّق فيها مراحل تشكّل المجتمع الكويتي، ومبيّنا أن شروط التماسك الاجتماعي في الدولة الحديثة تتبدى في المساواة أمام القانون وحيادية الدولة. وبالرغم من صعوبة توافر كل أسباب التماسك وفق التركيبة المعقدة للحالة الكويتية، كاستحالة تحييد الدولة وفقًا للتاريخ السياسي، إلا أنّ حدثاً واحدًا كان كفيلاً بتوثيق عرى التلاحم والتماسك المجتمعي، متمثلاً في الغزو العراقي للكويت في العام 1990، حيث تولّد عنه التزام وطني عام بكيان الدولة ودستورها، ووحدة شعبها بشتى مشاربهم وطوائفهم. يرى الغبرا أن «العلاقة بين فئات المجتمع المختلفة من قبائل وحضر، شيعة وسنة، نساء ورجال، وفئات أخرى تتطلب سياسة عادلة منطلقها الحقوق والمسـؤوليات والعدالة بين الجميع»، وعن الحراك الاجتماعي بعد الربيع العربي يذهب إلى أن الكثير من قادة الحراك الشبابي جاءوا من خلفيات «أساسها» الإخوان المسلمين والتيارات الدينية، ويذهب الغبر إلى أن ذلك يحث التيارات السياسية والدولة، على المسارعة في تطوير الفكر بما يستوعب متغيرات المجتمع، لتأمين الحد الأدنى المطلوب من التماسك الاجتماعي، ويفتح الوطن لجميع أبنائه.
أحداث الاحتجاجات العربية، حاول كثيرون استثمارها في الخليج العربي، وشجعوا من يهز الشجرة ليجمعوا الثمار، وفق وصف الباحث البحريني غسّان الشهابي، الذي تناول في دراسته انعكاسات الاحتجاجات العربية على الحالة البحرينية، راسماً الأرضية التاريخية التي تؤهل القارئ لفهم العمل الإسلاموي الحركي الشيعي والسني على السواء، متتبعًا علاقته مع الدولة مارًا بمراحل التأزم ثم مراحل الإصلاح والتدرج فيه، وركّز على عمل المعارضة وصولاً إلى عام الاحتجاجات، حين خرجت المظاهرات في الذكرى العاشرة لتوقيع ميثاق العمل الوطني في 14 فبراير (شباط) 2011، مؤذنة ببداية الاضطراب. يميّز الشهابي حركة البحرين عن غيرها من الدول التي شهدت حركات مشابهة، فاحتجاجات شيعة البحرين «لم يُكتب لها النجاح من ناحية، ومن الناحية الثانية أن الإسلامويين كانوا هم الحراك بأجمعه». وسرد الشهابي تفاصيل ما حدث، من المواجهات إلى دعوات الحوار الوطني، مرورًا بتقرير بسيوني، وانتهى بالقول: «أصبح كل شيء اثنين هنا: قصتان، وبدايتان،
ومنطلقان، وجلادان، وضحيتان.. وأيضاً حلان. ولا توجد إلى الآن قنوات واضحة تجعل مرج البحرين يلتقيان، ويزول البرزخ ما بينهما، فكلٌّ يسرد روايته في غرفة مصمتة معزولة عن الغرفة الأخرى التي تدور فيها رواية مختلفة تماماً».
ياسر باعامر، الباحث والمختص في دراسة السلفية في منطقة الخليج العربي، بعد أن فصّل الارتباك في تفاعل السلفية مع ما عُرف بمشروع التغيير في الربيع العربي، انتقل لدراسة الحالة الخليجية بشكل خاص، وتأثيرها وتأثرها بالأحداث، وموقفها من استنبات احتجاجات جديدة في الداخل الخليجي، وتوقع الباحث أن تتسبب مجموعة الخيارات التي تبنتها السلفيات المتعددة، إلى نشوء تحديات حقيقية تهدد المشروعية الدينية، فانخراط بعضهم في العمل السياسي، دون دفع الكلفة الفكرية، وإجراء المراجعات اللازمة، سيكون له نتائج غير مرضية، ويطرح الباحث تحديات الفكر السلفي، بعد ولوجه العمل السياسي، سواء في الموقف من الأسر الحاكمة، أو المرأة، ويقول: «في حال فشل السلفيين الذين دخلوا في إطار العملية السياسية، فكيف سيبرّرون خروجهم وعودتهم لمنهجهم»، وهو ما يجعل نظرة السلفيين الحركيين الخليجيين إلى التجربة السياسية للسلفية المصرية يشوبها «القلق والخشية» من الفشل. كما ناقش موقف كل من السلفية التقليدية والحركية من كل ثورة على حدة، خصوصاً في الموقف من الثورة السورية.
الكاتب والباحث السعودي، منصور النقيدان، سلط الضوء على المشروع القطري الذي كشف عنه أمير البلاد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في ديسمبر 2011، بعزم قطر على نشر تعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والترويج لأفكار «الوهابية». ويذهب الباحث إلى أن القطريين يطمحون إلى اعتناق ما هو أبعد من السلفية بالمعنى العام، وأن تعبير الشيخ حمد بنشر الوهابية كان مقصوداً لذاته، ولكنها وهابية منزوعة الدسم. فقطر رغم أنها هي المرشح لخلافة السعودية في خدمة الأيديولوجيا الوهابية، إلا أنها ستعمد حسب النقيدان إلى صيغة أكثر حداثة، وتشير المقالة إلى أن القطريين اتخذوا أسلوب المضاهاة للسعوديين في السنوات الأخيرة، بإبراز المنزلة الكبيرة للشيخ قاسم بن محمد والتأكيد على وصفه بالمؤسس، والحفر في وثائق التاريخ لتعزيز هذا التطلع، مشيراً إلى أنه «مع ما تقوم به قطر من جهود جبارة جعلت منها عاصمة للإسلام السياسي وبؤرة للإخوان المسلمين ومركز استقطاب لهم، إلا أن القطريين لم يعلنوا يوماً في أي تصريح رسمي لهم أنهم يتبنون فكر الإخوان المسلمين، ولا أنهم يمثلون الإسلام السياسي». ويذهب الباحث إلى أن قطر مهمومة بالبحث عن إيديولوجيا موائمة، هي خليط من الوهابية والتبليغ و»الأخونة»، شريطة ألا تعيق الطموحات الإقليمية لقطر. وأشار الباحث إلى أن مغازلة النجديين كانت من مضمرات هذه المغامرة الجريئة لدولة غدت الشغل الشاغل للخبراء والدارسين في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، لافتاً إلى أن المشروع القطري يضمر تطلعًا قطرياً عتيقاً لتوسع جغرافي غرباً وإن كان بغطاء إيديولوجي. فالوهابية التي تمثل أفكار الإمام محمد بن عبدالوهاب التميمي، تسبغ على شيوخ قطر شرعية دينية واجتماعية في الداخل السعودي ومنطقة الأحساء ونجد، وتخلص المقالة إلى أنه من المستبعد أن يكون القطريون بدمائهم الشابة الساخنة، قلقين من أن ينقلب عليهم الوحش الذي رعوه (الإخوان المسلمون في الداخل)، فليس مؤكداً أنهم يجدون في الوهابية/ الحنبلية التعويذة التي تحميهم، وتمنحهم الشرعية الدينية للبقاء في الحكم.
ضمّ الملف الاستثنائي مقالتين لعبدالله بن بجاد العتيبي، الباحث السعودي ومستشار التحرير بمركز المسبار للدراسات والبحوث، نُشرتا في صحيفة الاتحاد الإماراتية؛ وضّحتا مشهد الأحداث على الساحة الإماراتية، وبيّنتا ما يصفه الباحث بدور الإخوان المسلمين وطموحاتهم، متناولاً مهام التنظيم السري للإخوان في الخليج، واستغلّاله الهياج الثوري العام في الساحة العربية، ساعيا إلى أن يحصد في الإمارات ثمارًا للربيع الأصولي، على حد تعبير الكاتب.
حسن فحص، الكاتب والباحث اللبناني، درس الموقف الإيراني من الاحتجاجات في العالم العربي، فقدّم الكاتب شرحًا لمواقف إيران المتناقضة من الأحداث، فبعدما أيّدت الاحتجاجات في مصر وتونس وأججتها في البحرين، وقفت ضدها بشكل صارخ في سوريا. كما تناول الباحث الإستراتيجية الإيرانية للتخلص من مراكز القوى في منطقة الشرق الأوسط من أجل تعزيز موقعها، إضافة إلى إستراتيجية الإشغال التي لجأت إليها طهران والتي تقوم على خلق أزمات متنقلة للأنظمة التي تعتقد أنها تشكل منافسا لها في المنطقة وتقطع طريق طموحاتها. متناولاً الموقف الصادر عن الخارجية الإيرانية الذي أكد أن «أمن السعودية من أمن إيران» الذي يعني أن ضرب استقرار إيران سيدفع طهران للقيام بخطوات دفاعية قد تكون بالمساعدة على
ضرب الاستقرار في دول الخليج أو على الأقل رفع الضغط عن أطراف داخل هذه الدول، وإطلاق يدها للتحرك والتخلي عن الهدنة التي اختارتها بناء على ظروف مرحلية مع هذه الأنظمة.
فهد الشقيران، الباحث السعودي وعضو هيئة التحرير في مركز المسبار للدراسات والبحوث، تناول ظاهرة المفكرين الحركيين، الذين نشطوا في الخليج مؤخرًا، وخصص دراسته لما وصفه بـ»سوق» عدنان إبراهيم في الخليج، الذي حاول إسلاميو المنطقة الترويج له خلال العام الماضي 2011، واستخدامه في صراعاتهم الداخلية مع السلفيين، حيث احتضنه إسلاميون حركيون بارزون في الكويت، مثل: محمد العوضي، وطارق السويدان. وبدوره يصف عدنان إبراهيم طارق السويدان بأنه «المفكر الأكبر» و»أمةٌ من الناس وحده، هو وحركته وإخوانه وجنده المعلومون والمجهولون.. «. تناول الشقيران حلم العالمية في الفكر الإخواني استنادا على خطابات عدنان إبراهيم، كما يستقرئ الباحث مواقف عدنان إبراهيم من مفاهيم الحاكمية، وهزأه من التجربة السلفية، كاشفاً عن إخوانية الدكتور عدنان إبراهيم التي فصلها في خطابيه السري والعلني، كما ناقش الدولة الدينية والمدنية في فكره، واصفاً إبراهيم بكونه مثالاً للمفكرين الحركيين الذين يروج لهم إسلاميو الخليج، متخذين الفلسفة ستارًا لجذب العقول الشابة.
رائد السمهوري، الباحث في الحركات الإسلامية المعاصرة، كانت دراسته لصيقة بالأحداث الاستثنائية التي جرّها الفيلم المسيء إلى الإسلام «براءة»، ودرس العلاقة مع الغرب على ضوء سلوك الحركات الإسلامية، متناولاً الإخوان في مصر والمغرب وتونس والخليج والإسلام الحركي عموماً موضوعاً للدراسة، كما سجلت الدراسة تلوّن الموقف حيال الإساءات قبل استلام الإخوان للسلطة وبعدها، وأجابت الدراسة عمّا إذا كان الفيلم المسيء سيؤثّر على العلاقات مع الغرب سلبًا أمْ لا، ويذهب الباحث إلى أنّه لن يؤثّر، وأن الإخوان سيعمدون إلى التهدئة وسلوك طرق أقل حدة، وإن كانوا لا بد أن يُرضوا الجماهير بالتحرك والتظاهر، فالجماهير هم من أوصلوهم إلى سدة الحكم في عدة دول عربية. ولكن الإخوان سيحرصون على مصلحة الحركة، وعلى هذا الأساس يتغير خطابهم بحسب الظروف والسياقات المختلفة، فخطابهم وهم في السلطة مختلف عن خطابهم وهم يسعون إليها، وهاهنا سيحرصون على سلوك طريق يحافظ على الأمرين، الحفاظ على رضا الجماهير، والحفاظ على المصالح مع الغرب في الوقت نفسه.
الباحث السوداني عمر البشير الترابي قدم قراءة لكتاب «الشَّعب يريد الإصلاح في قطر أيضًا»، الذي أشرف على تحريره، المفكر القطري د.علي خليفة الكواري، وضم اثنتي عشرة ورقة لباحثين وناشطين قطريين. الكتاب ضمّ أوراقا قدموها في لقاءات دورية عُرفت باسم «لقاء الإثنين»، تناولت سبل الإصلاح في قطر، في المناحي التشريعية والاقتصادية وقطاعات النفط والطاقة والبيئة والتعليم والثقافة. ويذهب الترابي إلى أن الكتاب ضم رؤى محاولة مشوشة، لا تمثل تيارًا سياساً بقدرما تمثّل رغبة في لفت نظر الحكومة إلى كاتبي الأوراق، ويعوزها العمق الثقافي والفلسفي الذي يمهّد لأي إصلاح حقيقي أو تغيير.
في ملف العدد عن سورية، اخترنا ترجمة مقالة «برايان فيشمان» عن مؤشرات العمليات الإرهابية في سورية، نشره مركز مكافحة الإرهاب الأميركي، حيث تطرق لنشأة التنظيم الجهادي في سورية «جبهة النصرة»، ودعوة أمير القاعدة أيمن الظواهري إلى الجهاد في سورية، وترديد رسالته من قبل القادة الفكريين للجهاديين، ومتناولاً التقارير التي أكدت وجود مقاتلين أجانب يحاولون التسلّل عبر الحدود السورية، رابطاً بينها وبين القاعدة في العراق ودور سورية في ذلك، ليؤكد وجود عمليات إرهابية في سورية.
واخترنا أيضًا ترجمة مقالة «فيليب مود» في مجلة مركز مكافحة الإرهاب، عن تحول إستراتيجية الإرهاب، وتأرجحها، بين التركيز على المحليات والعمل العالمي.
وقد كان للزميل حسن المصطفى الدور الأكبر في إنجاح هذا الإصدار النادر، والتواصل مع كثير من باحثيه، فله منا الشكر والتقدير.
رئـيـس المـركـز