تقديم
منذ أن انطلقت شرارة الغضب في سيدي «بوزيد»، واشتعل جسد «محمد البوعزيزي» التونِّسي، إيذانًا ببدء الاضطرابات والحروب الأهلية التي شهدتها المنطقة العربية خلال عامين، سارع مركز المسبار للدراسات والبحوث، بتشكيل «وحدة رصد» وتحليل، تتبع التغيّرات والأحداث للتركيز بشكل أكبر على دور الإسلاميين في الأحداث واستغلالهم لها، ويأتي الإصدار السبعون، ليتناول رؤية الحكومات الغربية للربيع العربي.
كان حاضرا في أذهاننا أثناء العمل على هذا الكتاب أن المنطقة العربية تعيش حالة من عدم الاستقرار والتحولات، وإعادة التشكل، والتطورات الدراماتيكية التي وقعت خلال الشهرين الماضيين، وهو ما أكدته المقدمة التمهيدية لدراسات الكتاب، حيث شهدت دول الربيع العربي أشرس الاعتداءات على السفارات الأمريكية بمستويات متنوعة من العنف إثر الفيلم المسيء لنبي الإسلام، الأمر الذي دعا وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، للتعبير عن غضبها بالقول «إن بلادها والعالم لم يكونوا ينتظروا أن تطيح الثورات العربية بطغيان الحكام الديكتاتوريين لتأتي بطغيان الغوغائيين».
ويصف الكتاب بدراساته مواقف حكومات ثماني دول غربية منها أمريكا و(إسرائيل).
بدأنا الكتاب بتمهيد الدكتور فيدينو (Lorenzo Vidino)، مؤكداً أن الربيع العربي لم يبدأ إسلاميًا، مستعرضاً محاور الكتاب الذي يسعى إلى معالجة وجهة نظرٍ مختلفة حول الربيع العربي، كما حلل لورينزو ردود الفعل في ثمانية بلدان غربية إزاء تولي الإسلاميين السلطة بعد الربيع العربي، وشرح خطوات الكتاب والمنهجية التي اعتمِدت في الدراسات، حيث طُلب من كل باحث تقديمُ عرض موجز لتاريخ علاقة كل بلد مع الإسلام السياسي قبل الربيع العربي، ثم رسم مواقف كل بلد وسياساته بعد الثورات.
أولى الدراسات، جاءت بقلم الباحث السياسي ومرشح الدكتوراة بجامعة تكساس ستيفن بروك (Steven Brooke) موجزًا تاريخ العلاقات المذبذبة بين واشنطن والإخوان المسلمين، وصفهم فيها بأنهم كانوا حلفاء الحرب الباردة، ودرس تطوّر العلاقة بعدها، كما تناول الحالة الثقافية العامة، فبينما أبقت إدارة بوش الحركات الإسلامية على هامش اهتماماتها، فإن العديد من المقالات قد دبجت خلال الأعوام 2006 و2007، منادية بضرورة التقارب بين واشنطن وتلك الحركات وخاصة حركة الإخوان المسلمين في مصر.
أما شيراز ماهر (Shiraz Maher) ومارتين فرامبتون (Martyn Frampton) ، وهما عالمان في كلية الملك والملكة ماري على التوالي، فقد تناولا تاريخ العلاقة بين الحكومة البريطانية والجماعات الإسلامية، تناولا المستجدات، والجدل داخل بريطانيا حول منهجية التعامل حول «أيهما أجدر، قراءة الأوضاع من منظور «فكر» محاربة الإرهاب أم «تعزيز» الديموقراطية؟»، وفي الذاكرة البريطانية تفجيرات 7 (تموز) 2005، ويرى قطاع كبير من البريطانيين أن الإخوان المسلمين برسالتهم بمثابة بوابة لنماذج إسلامية أكثر تشددًا وتطرفًا وعنفًا.
قريبًا من بريطانيا، كانت كندا، في تعاطيها مع الإسلامين، وهو تعاطٍ مرّ بالمنحى ذاته، قد كانت متحفّظة ولكنها كانت ولم تزل عرضة للتأثر، وهو ما قرره أليكس ويلنر (Alex Wilner)، الباحث في جامعة «متعددة التقنيات الاتحادية السويسرية»، إذ تناول تاريخ العلاقة، وكيف أنّ الرأي تجاه الإسلاميين تكوّن بردات الفعل.
رويل ماير(Roel Meijer) ، الخبير بالحراك الإسلاموي، والأستاذ في جامعة نيميغن، تناول تجربة الإسلام السياسي في هولندا، متنقلاً بين الصحف الهولندية، التي تباينت من المتحفّظة تمامًا تجاه الظاهرة الأصولية الإسلامية إلى المنفتحة بشكل مدهش تجاهها، وحاول الباحث أن يرسم خطًا توفيقيًا في آلية التعامل مع التحديات، وكخلاصة فإن الموقف من الإسلام السياسي مرتبطٌ بالشؤون المحلية الهولندية، كالعلمانية وترسيخها، والموقف من هجرة المسلمين إلى هولندا، وببروز الأحزاب الشعبوية واستخدامها الإسلام السياسي لأغراضها الذاتية. كما حاولت الدراسة تصوير الهجوم على الإخوان والإسلام السياسي في فترات سالفة أنّه ضحية تغرير لأسباب سياسية. كما يذهب الباحث إلى أنّ الربيع العربي غيّر الصورة عن الإسلاموية في الذهنية الهولندية.
غيدو شتاينبرغ (Guido Steinberg)الخبير الألماني المعروف، قام برصد حراك الإخوان المسلمين منذ بداية دخولهم إلى ألمانيا، متتبعًا رحلة سعيد رمضان، والهيكليات التنظيمية الإسلامية السورية والمصرية في ألمانيا، ومرورًا بمراحل اللجوء والنشوء والتمدد كلها، يشير الباحث إلى أن الوعي الرسمي ظلّ محتفظأ برؤية ملخصها أن منشأ الإرهاب هو الشرق الأوسط، وأن الخطر يتمثّل في الإرهاب القادم من شمال إفريقيا.
نائب المدير وكبير الباحثين في مؤسسة البحوث الإستراتيجية في باريس جان فرانسوا داغوزان (Jean-François Daguzan)، تناول فرنسا والحركات الإسلامية، فسياسة فرنسا ظلت لفترة طويلة، تتعامل مع الحالة الإسلاموية فقط للحفاظ على مصالحها في الشاطئ الجنوبي والشرقي للبحر الأبيض المتوسط، فقد صُنّف الإسلاميون كخطر بعد الحرب الأهلية الجزائرية (1992-1998)، أما داخليًا فبعد تزايد أعداد المهاجرين منهم إلى فرنسا انبعث الخوف. شاركت فرنسا في الربيع العربي بحماس، وبعد انتهاء الحرب الليبية تمثّل المذهب الفرنسي حيال الربيع العربي بالقبول رسميًا بالتغيير الذي تمخّض عنه، والاعتراف بنتائج الانتخابات كما ستكون.
أسبانيا والحركات الإسلامية درستها آنا بلانت (Ana Planet) وميغيل هرناندو دي لاراميندا مارتينيز (Miguel Hernando De Larramendi Martinez) – وهما مستعربان إسبانيان بارزان، فإسبانيا بكل تراثها المتداخل، عاشت مثل غيرها تاريخاً ملتبسًا ومشوشًا مع حركات الإسلام السياسي، وبقي الإسلام السياسي فيها هامشيًا، لفترة طويلة/ وكانت أسبانيا في وقت مبكر قد اعتبرت الحركات الإسلامية في المغرب العربي تهديداً لمصالحها، فوقفت ضد وصول جبهة الإنقاذ الجزائريّة، وبالرغم من دعمها للحكومات ضد الإسلام السياسي في المغرب العربي، إلا أنها في فترة ما منحت حق اللجوء السياسي لبعض قادة حزب النهضة عندما اشتد قمع الحركة في بداية تسعينيات القرن الماضي، ولكنها امتنعت عن إدانة تلك الممارسات رسميًا. كانت الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 آذار(مارس) 2004 في مدريد، سبباً لإدخال البعد الأمني الداخلي في قراءة الموقف الإسباني، من الإسلام السياسي. ويتمثّل الموقف الأسباني الرسمي إزاء دينامية التغيير هذه في العالم العربي بدعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي الجارية حاليًا.
إسرائيل والربيع العربي المواقف والاستجابات تجاه الشرق الأوسط الجديد، تناولته الباحثة بنيديتا بيرتي (Benedetta Berti)، وهي ترى أن تقويض أركان الأنظمة السابقة يعد بمثابة تهديد محتمل للأمن والاستقرار الإقليميين، لذلك فقد تخوف الإسرائيليون مبكرًا من أن يختطف الإسلاميون الاحتجاجات، غير أن الخوف لم يمنع من التأييد، فقد أعلن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز عن تضامنه مع المحتجين، وتفاعلت إسرائيل مع الأقليات اليهودية في تونس، أما بعد الربيع فإن إسرائيل تتعامل بحذر مع الدول الجديدة.
كتابنا هذا يصدر بينما تعيش مصر أخطر أزمة سياسية منذ انتخاب مرسي في حزيران/يونيو الماضي، وذلك منذ أن أصدر إعلاناً دستورياً في 22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حصن بموجبه قراراته من أي رقابة قضائية. وقد أحدث هذا الإعلان حالة انقسام عميقة بين التيار الإسلامي وبين القوى المدنية والليبرالية والمسيحية. حيث دعا رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، إلى وقف التعاون الاقتصادي والسياسي بين الاتحاد الأوروبي ومصر، كوسيلة للضغط على الرئيس محمد مرسي. وقال شولتز «على أوروبا أن تأخذ بجدية شهية هذا الرجل (مرسي) للسلطة». معتبراً شولتز أن جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها مرسي، «حركة سياسية راديكالية، تستخدم المشاعر الدينية لأهداف سياسية».
نسّق هذا العدد، وأشرف عليه لورينزو فيدينو، وشارك في ترجمة دراساته كل من بابكر الوكيل، وجمال عبدالرحيم.
رئيس المركز