مقدمة
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه الثالث والسبعين لشهر يناير )كانون الثاني 2013(تأثر تنظيم القاعدة بتداعيات الربيع العربي ويقوم بدراسة السياسات التي اعتمدتها حكومتا مصر وتونس لمكافحة الإرهاب ويعرج على الشأن السوري الذي تنشط فيه تيارات جهادية لها أصول سلفية وارتباطات محتملة بالقاعدة، ويمر على تأثير السلاح الليبي المتدفق – بعد انهيار جماهيرية القذافي – إلى مالي وبلاد الساحل التي تحولت إلى خارطة دماء ومخزون بارود، كما يشمل تقييماً لوضع القاعدة في سيناء، ليضع المعطيات كلها لتجيب عن السؤال: هل هو ربيع القاعدة؟
ازدهرت في العامين الأخيرين الحركات الأصولية، ووصلت إلى سدة الحكم، وصولها غيّر معطيات كثيرة وأدخل أدبيات جديدة، ولكنه لم يغيّر الواقع والقضايا الإشكالية التي تعيشها المنطقة، ومن بين الملفات الثابتة التي لم تتغيّر هو الإرهاب، المتجلّي في ثياب تنظيم القاعدة التي تتجدد استجابة للمتغيرات وانفعالا بالمستجدات، ويأتي كتابنا هذا لدراسة التغيّرات الفاصلة التي مرّت بالتنظيم وكنا تناولنا في عددنا لشهر مارس (آذار) 2012 حال القاعدة بعد مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن، ولم يكن بالإمكان تجاهل ما يسمى بالربيع العربي، وتأثيره فكان هذا الكتاب. شارك في الكتاب باحثون متخصصون في دراسة القاعدة والحركات الإسلامية من الدول العربية التي شهدت التحوّلات، فاتحة الدراسات كانت بقلم الباحث منتصر حمادة، الكاتب والصحفي المغربي ورئيس تحرير إسبوعية منبر الرابطة، الذي تناول في دراسته الربيع العربي وتنظيم القاعدة وقال إنّ أحداث «الربيع العربي» مثّلت صدمة للمراقبين والباحثين، وقبل هؤلاء، صنّاع القرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وقال «من ضمن لائحة صناع القرار، مُجمل الفصائل الإسلامية الحركية، سواء تعلق الأمر بحركات وأحزاب الإسلام السياسي، وأضاف أن ثمة شبه إجماع من لدن الباحثين المسلمين والغربيين الذين اشتغلوا على أداء تنظيم «القاعدة»، منذ منعطف فبراير (شباط) 1998، على أن تنظيم «القاعدة» لا يمتلك استراتيجية مُحددة، واضحة وصارمة، ليس فقط بحكم تواضع العدة المعرفية والفقهية لدى السواد الأعظم من قياداته، مع بعض الاستثناءات، ولكن على الخصوص؛ لأن ظاهرة تنظيم «القاعدة» لا تنفصل أساسا عن العقل الإسلامي الحركي، والذي يعاني أصلا من غياب أدبيات التخطيط الاستراتيجي، على غرار تواضع أدبيات هذا الحقل العلمي في الساحة العربية برمتها. قريبًا من حمادة، تناول الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية بلال التليدي سياسات مكافحة الإرهاب لدى الإخوان الحاكمين في حالة الإخوان في مصر والنهضة في تونس، وحلل أشكال تعاطي الإسلاميين مع ملف مكافحة الإرهاب ومدى انخراطهم في سياسات التعاون الإقليمي والدولي في هذا الإطار، مارًا على مقاربة الإسلاميين للظاهرة الإرهابية، ورصد وحلل مفردات سياسات الإسلاميين العمومية في المجال الأمني المرتبط بمواجهة التحدي الإرهابي محليا وإقليميا، دافع الكاتب في الحالة المصرية عن خلو البرنامج الحكومي من أي إشارة واضحة إلى عناصر «سياسة مكافحة الإرهاب»، محاولاً تفسير الإصلاح السياسي كمدخل لمحاربة الإرهاب، وأكد على وجود حساسية إخوانية من ما يسميه «المفهوم الأمريكي للاعتدال»، وفي تونس فإن إشارةً إلى سياسة محددة لمحاربة الإرهاب لم ترد في برنامج حكومة النهضة. سوريا، مشهد يجزم الباحثون أنه يمثل أحد الأوجه الحقيقية لربيع القاعدة، لذلك فإنّ الباحث مراد بطل الشيشاني، الكاتب والمحلل المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية وقضايا الإرهاب، تساءل في بحثه عن الجهاديين: عن ما إذا كانت سوريا ستتحول إلى أفغانستان جديدة؟ وفي ثنايا البحث فرق بين أطياف المعارضة السورية فرأى أن الاختلاف بين الجيش السوري الحر والجهاديين، لا ينحصر فقط بأنماط العمليات، بل وبالأهداف أيضاً، ما بين التأسيس لملاذ آمن للجهاديين، واستمرارية الصراع، وذلك على الرغم من التقاء الطرفين بالمدى القصير بهدف إسقاط النظام حالياً، ويتوقع أيضاً أن يستخدم الجهاديون الأراضي السورية كمنطلق لعملياتهم في دول الجوار. وهذا السيناريو يذكر بالحالة العراقية ما بعد عام 2003. ولكن على المدى البعيد إذا ما بدأ الجهاديون في تطبيق أيديولوجياتهم في المناطق التي يسيطرون عليها فإنهم قد يدخلون في مواجهة مع الجيش السوري الحر، إذا لم ينجحوا في استقطاب المحليين، وهو العنصر الأساسي في إمكانية تحول سوريا إلى أفغانستان أو عراق جديد. قريبًا منه كان الباحث سمير الحمادي، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، فبحث بدايات تشكل تنظيم القاعدة في سوريا وتتبع مساراته، وقدم خلفية تاريخية عن الحركة الجهادية السورية ومجريات صدامها الأول مع النظام، كما تناول الارتباطات القائمة بين القاعدة في سوريا، ممثلة خصوصاً في «جبهة النصرة لأهل الشام» وفروع التنظيم في دول الجوار، وختم بوضع افتراضات حول مستقبل القاعدة في سوريا بعد الثورة، انطلاقاً من فرص نجاحها في إيجاد موطئ قدم لها داخل المشهد السياسي والاجتماعي السوري في حال سقوط النظام. دراسة القاعدة في سوريا، كانت الضوء الأخير في المشهد السوري الملتهب، بقلم الدكتور عبدالغني عماد، أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، الذي قدّم إطلالة تاريخية على نشأة وتطور التيار السلفي والتحول الجهادي في سوريا كاشفًا دور النظام السوري في المقابل مع هذه الظاهرة وتحديداً عقب احتلال العراق الذي كان رافعة لكل أطراف التيار السلفي في المنطقة. فكان النظام راعايًا وداعمًا له. ولكن ما لبث أن تغيّر ذلك فجأة ليتحول إلى تضييق وملاحقات. مع انطلاقة الثورة في سوريا كان واضحاً في البداية إن الحضور السلفي الجهادي في فعاليات الثورة ضعيفاً، لكنه ما لبث أن بدأ يوطد نفوذه مع الوقت ومع تصاعد حدة المواجهات والعنف. تتوقف الدراسة عند العوامل التي ساهمت في نمو الظاهرة السلفية في الثورة وترصد بدقة المشهد السلفي الجهادي وتنوعاته القائمة اليوم في سوريا وانتقالها من مجموعات هامشية إلى مجموعات مؤثرة وفاعلة وتتبع مسألة وجود المقاتلين العرب والأجانب فتتوقف بالدرس عند جبهة النصرة والعمليات التي قامت بها منذ ظهورها على مشهد العمليات المسلحة وتحلل خطابها وعلاقاتها، والأثر الذي تركته عملياتها على الثورة وفصائلها وردود الأفعال. في إفريقيا، تنظيم القاعدة وتركة السّلاح اللّيبي بعد الثّورة، كان موضوع دراسة الدكتور إدريس لكريني مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات وفيها اعتبر أن التطرف و«الإرهاب» ينتعشان بصورة كبيرة داخل الفضاءات والمناطق التي تعرف اضطرابات وحروبًا وضعفًا أو غيابًا للسلطة المركزية، وأضاف أن تسرّب الأسلحة أدى إلى حالة من الاستلاب الأمني في ليبيا؛ حيث تنامت في الآونة الأخيرة مظاهر الهجوم على بعض المقار الحكومية؛ مثلما هو الشأن بالنسبة مقار ديوان المحاسبة في طرابلس التي تعرض للاعتداء وإتلاف الوثائق؛ ونفس الشيء بالنسبة لبعض القنوات التّلفزيونية التي تعرضت للهجوم أيضا؛ بل أكثر من ذلك؛ تعرضت الكثير من معسكرات الجيش الليبي نفسه في مناطق مختلفة من ليبيا للهجوم. الموضوع الشاغل، هو قاعدة الساحل التي شكلت دولة مستقلة، فاضطرت فرنسا للتدخل عسكريًا، بعدما استجارت الحكومة المالية بها، في سابقة فريدة، هذا الموضوع عن قاعدة الساحل تناوله محمد بغداد، الباحث الجزائري المختص في الحركات الإسلامية، في دراسة للأزمة المستجدة في الساحل الإفريقي، بداية من التأثير الذي نتج عن سيطرة مجموعة من الجماعات الإسلامية المسلحة، وبالذات (جماعة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة أنصار الدين وجماعة التوحيد والجهاد) على مساحة جغرافية كبيرة، ذات طابع صحراوي، تنعدم فيها أدنى درجات التنمية، وتناول سقوط نظام معمر القذافي، واعتبر أن الأزمة قد خرجت من إطارها الجغرافي، وأصبحت بين أيدي القوى الدولية النافذة، وهي الدول التي لا تحمل في فكر نخبها السياسية، تصورا موحدا للأزمة، لا على مستوى المصالح، ولا في حدود الأخطار التي تشكلها، ويمتد التباين إلى مستوى الإستراتيجية العسكرية الواجب تنفيذها في حالة اندلاع الحرب، كون التصور الغربي عن المنطقة، تحكمه الرؤية الاستخباراتية ذات الميول الأمنية. ولكن ماذا عن مصر المحطة الثانية من محطات الربيع العربي، بحسبما أفادت دراسة «مشكلة تهريب السلاح إلى غزة عبر مصر قراءة في التحولات والمسارات والسيناريوهات» للباحث أشرف عبدالعزيز عبدالقادر، سياسي بمجلس الشعب المصري فإن النظام المصري الجديد بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) يعيش تحديات معقدة في التعامل مع مشكلة الأنفاق الرابطة بين سيناء وغزة. فرد الفعل الأمني السريع على هجوم رفح الحدودي، وإغلاق المعابر مع قطاع غزة، وتكثيف الوجود الأمني على الحدود وإغلاق بعض الأنفاق، لم يحل المعضلة الأمنية التي تتجاوز بطبيعتها مجرد رد فعل أمني سريع، إلى ضرورة مراجعة خيارات أكثر استدامة للتعامل مع جذورها وأبعادها المعقدة، خاصة في ضوء التقديرات تشير إلى أن شبه جزيرة سيناء تتنازعها الجماعات الإرهابية. محمد العواودة الباحث في الحركات الإسلامية، تناول وجود القاعدة في سينا، وقال إنه ومنذ العام 2004 اشتدت وطأة النشاط العنفي في منطقة سيناء، فيقرأ أهم البيانات ويسجل أبرز العمليات، متناولاً الظروف المحيطة كالمعطى الأمني الرخو، وتوفر التدريب للقاعديين في ما تعكسه العمليات بين عامي 2011-2012، وفي الحديث عن المستقبل يقول إن ما يعزز وجود القاعدة هو التناقضات السياسية والإيديولجية المصرية، كما طبيعة اتفاق كامب ديفيد التي تفرض شروطًا صارمة على التواجد المصري في منطقة شمال سيناء. كتاب العدد قرأه الباحث محمد العواودة، وهو لمحمد بغداد بعنوان دماء الصحراء، حروب القاعدة في الساحل الإفريقي.
رئـيـس المـركـز