مقدمة
درج مركز المسبار للدراسات والبحوث على سبر واقع ومآلات التجربة الإسلامية في المجتمعات المتنوعة والمتباينة، تحرر من قيود الزمان والمكان وكنا في إطار رحلتنا للبحث عن فهم مستنير للحالة الإسلامية، قررنا كسر الصورة النمطية التي تركزت لدى كثيرين، مقرونة بالإسلام العربي، ولتحقيق ذلك قمنا بتناول الإسلام في أصقاع متباعدة وبيئات مختلفة، كإسبانيا وجنوب إفريقيا وأوروبا، وقررنا هذه المرة في كتابنا الرابع والسبعين لشهر فبراير (شباط) تسليط الضوء عليه في إندونيسيا، بدراسة تفاعله مع المجتمع والدولة والهوية والحركات الإسلاموية، وهذا هو الجزء الأول وفي الشهر القادم نستكمل دراسة التأثر بالأسلمة والحركات الإسلامية.
فاتحة دراسات العدد تناولها الأكاديمي المتخصص بالشأن الآسيوي د.عبدالله المدني بدراسة شاملة عن الإسلام في إندونيسيا، وفي ختامها تناول الإسلام السياسي والتشدد الذي تعود جذوره التاريخية إلى القرن التاسع عشر الميلادي حينما ظهرت حركة تدعى «بادري» في غرب جزيرة سومطرة على أيدي مجموعة من الشباب العائدين من تأدية فريضة الحج في عام 1803، والمتشبعين بأفكار «الوهابية السلفية» الداعية إلى إحياء صحيح الدين وتنقيته من البدع والشوائب والخرافات. كما تناول مستقبل الأصولية هناك وقال إنها ربما تدخل في نفق «الأخونة» كما في مصر إذا ما قــُدر لحزب «العدالة والرفاه» الوصول إلى السلطة في المستقبل. فهذا الحزب الذي كان يسمى وقت تأسيسه في عام 1998 بـ «حزب العدالة»، ويتمنطق بشعار «الإسلام هو الحل»، ويقول قادته أن لا تناقض بين الإسلام والديمقراطية، ويعتبر نفسه فرعا إندونيسيا لحركة الإخوان المسلمين المصرية، صار يتقدم باضطراد نحو المنافسة على الوصول إلى قصر «مرديكا» الرئاسي. “نظام الحكم في إندونيسيا-أسئلة الهوية والنفوذ والدين» هذا هو عنوان دراسة الباحث الأردني المختص في دراسة الحركات الإسلامية محمد العواودة والتي أشار فيها إلى الخلاف بين الوطنيين والإسلاميين، خلافًا مبدئيًا حول هوية الدولة «إسلامية، أم وطنية؟»، اتفق الطرفان في ميثاق جاكرتا عام 1945 على صيغة إسلامية للدولة، موافقة للصيغة التوافقية لفلسفة البانكسيلا، إلا أن سوكارنو أعاد صياغتها بعد أن مسح منها شرط جاكرتا الذي ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة. وأشار العواودة إلى أن القراءة الأخيرة للحراك والأحزاب في إندونيسيا، تشي بوضوح بأن المرحلة القادمة من الانتخابات ستشهد المزيد من الحراك الإسلامي وصعوده، ركز الباحث في دراسته على شرح هيكلية الحكم والطبيعة العامة له. “الهوية الإندونيسية والحركات الانفصالية» كانت هذه هي دراسة المفكر وأستاذ الفلسفة الحسين الزاوي، معتبراً أن دعم المجتمع الدولي للحركات الانفصالية لا يمكن تفسيره بالاعتماد فقط على المنطلقات الدينية والحضارية، فهناك أسبابٌ أخرى تتعلق بالمصالح الكبرى للشركات المتعددة الجنسيات، إذ أن أنصار العولمة الاقتصادية يفضلون – في الغالب – التعامل مع الكيانات السياسية الصغيرة عِوض التعامل بشكل مباشر مع الدول الوطنية التي تمارس سياسات حمائية تعرقل الانتشار السريع والسلس لمشاريع العولمة، التي لا تكاد تفصح عن طموحاتها السياسية الحقيقية إلا باستحياء شديد. بأن تسوية النزاعات الانفصالية بشكل كامل يمكن أن يتحقق بفضل عمليات التنمية، وقبول الأطراف المختلفة بمبدأ الحوار، ولكن شريطة أن لا يتم تدويل هذه النزاعات، لأن دخول الأطراف الدولية على خط هذا الصراع، يسهم في إطالة أمده ويدفع بقادة الانفصاليين إلى اتخاذ مواقف متصلبة، كانت هذه نصيحة الزاوي لحماية الفضاء الإندونيسي من الانفصالات خلف الهوية الوطنية. أما الأكاديمي في علم الاجتماع محمود السيد عرابي فقد خصص دراسته لتناول خارطة التنوع العرقي والديني في إندونيسيا، فالغالبية العظمى من سكان إندونيسيا يدينون بالديانة الإسلامية، والحكومة تعهدت للأقليات الدينية والعرقية بالضمان والحماية المطلقة لهم.وتشرف وزارة الشؤون الدينية – التي يتولى رئاستها وزير مسلم – تنظيم العلاقة بين الأديان المختلفة وتشرف على كافة الشؤون الدينية مثل الحج والمساجد والكنائس والمعابد. مشيرًا إلى وجود جامعات إسلامية حكومية وأهلية وكذلك جامعات ومعاهد كاثوليكية وبروتستانيتية. كما توجد مجالس لعلماء الأديان مرتبطة بهيئة عليا للإشراف على العلاقات فيما بين الأديان مثل (مجلس العلماء الإندونيسيين المسلمين) و(المجلس الكنسي البروتستاني) و(المجلس الكنسي الكاثولكي) و(مجلس الهندوس والبوذيين). أما د. إدريس جنداري، فخصص بحثه لتجربة الإسلام التقدمي في إندونيسيا بين ثوابت الدين و تحديات العصر، آخذاً من جمعية نهضة العلماء نموذجاً، جاء في الدراسة أن تجربة الإسلام السياسي في جنوب شرق آسيا إذا كانت قد نجحت في مقاربة الكثير من الإشكاليات الفكرية و السياسية، فإن جمعية نهضة العلماء، باعتبارها جزءًا من هذه التجربة، قد حققت ماأسماه بالطفرة الكبيرة، لأنها حاولت تقديم أجوبة حقيقية عن الأسئلة الشائكة التي يطرحها المجتمع الإندونيسي، بما يعرفه من تعددية دينية ومذهبية، وهي قضايا شكلت دائما تحديا كبيرا للساسة والمفكرين، وفيها قال جنداري: «وهو أكاديمي متخصص سوسيولوجيا الأدب بجامعة معهد الخامس في الرباط» إن جمعية نهضة العلماء امتلكت الجرأة الفكرية والسياسية لطرح تصور جديد في مقاربة الكثير من الإشكالات، التي ظلت عالقة، لقرون، لأن الفكر الإسلامي لم ينجح في أن يحسم الأمر، سواء في مجال التفكير أو في مجال الممارسة. بينما يتناول سعيد محمد الحسيني محمد يوسف «رئيس تحرير جريدة الرأي المصرية» الحركة المحمدية والإصلاح في إندونيسيا، وفيها أشار إلى ضرورة الاعتراف بوجود بعض المشكلات وأوجه القصور في داخل تنظيم المحمدية، فكثيرٌ من زعماء وأعضاء المحمدية يجهلون أصول الدعوة وبعض الأحكام الدينية، إضافة لتساهلهم في بعض القضايا الإسلامية الهامة، وقدم إضاءة شاملة حول الموضوع. كتاب العدد كان على الإسلام في إندونيسيا المعاصرة للباحث محمد الكاف ويعكس تصوراً شيعياً للإسلام في إندونيسيا تاريخه وحاضره ومستقبله. ملف العدد مقالة للكاتب كريستوفر يتحدث فيها عن النظرة الأميريكية للإسلام المهمل في إندونيسيا، نقلا عن الفورن بوليسي. دراسة العدد جاءت بقلم الباحث الجزائري المختص في الحركات الإسلامية محمد بغداد وتناولت الحركة الإسلامية وتحولاتها وتأرجحاتها بين النموذج والتطبيق. وبعد أن نشكر المنسق محمد العواودة على جهوده المتواصلة، نشير إلى أن عددنا لشهر مارس «آذار» المقبل سيكون متصلا بهذا العدد عن الإسلام في إندونيسيا، آملين بذلك أن ننجح في تغطية هذا النموذج للإسلام.
رئـيـس المـركـز