تقديم
يواصل مركز المسبار في كتابه التاسع والسبعين لشهر يوليو/تموز 2013، القسم الثاني من الفتوى ووظيفة الإفتاء، متابعاً تغطية نقص دراسات المجال الديني الرسمي، في رابع ملف مسباري يتناول صناعة الفتوى والتعليم الديني المشكل لعقلية ومَلكة الفقيه.
كما يرى قراؤنا، فإننا قد عمدنا إلى دراسة القواعد الأوليّة لوظيفة الإفتاء، والمجريّات الآنية للأحداث، وانعكاس الفتوى الخليجية الرسمية وغيرها على “صناعة الفتوى”، في مصر والأردن وغيرهما، إضافة إلى الفتاوى السلفيّة وتأثيرها في مجتمع قريب من المجتمعات الخليجية مثل الأردن، مع توسع بدا مهماً بعد الأحداث التي عاشتها المنطقة العربية في السنوات الثلاث الأخيرة، في محاولة لسبر النتوءات والتحولات داخل مؤسسات الفتوى الرسمية في الدول المستقرة والوراثية، ولهذا جاءت المغرب ضمن هذه الرؤية. وقد ضمّ الكتاب دراسة عن الفتوى وتراتبيتها في المذهب الجعفري في الخليج، ودور الفتوى وتأثيرها الكبير على أعضاء التنظيمات الجهاديّة، مع تمحيص المواقف الاجتماعيّة متمثلة بالفتاوى والموقف من المرأة. وملف العدد حول حاضر ليبيا والأزمة السياسية التي تعصف بها، وتقرير حول الجيل الجديد الأخطر للإخوان المسلمين في الخليج.
التفسير المنحرف للنصوص الذي تمارسه المنظومات المتسترة بالدين، خاصة في الأوساط الخليجية، هو الموضوع الذي استعرضته الدكتورة فاطمة كساب، الأستاذ المساعد في الفقه وأصوله في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، التي خصصت دراستها لتشريح “التفسير الجهادي المنحرف لدى تنظيم القاعدة”، حيث تناولت فيها الفقه الخاص بتنظيم القاعدة المستمد في أصله من نصوص “مختارة” من كتب الفقه الإسلامي، الخاصة بأبواب الجهاد والقتال، وعملية الإسقاط والتحوير والاقتباس التي يعتمدها مفتو القاعدة لإضفاء الشرعية الدينية والفقهية على عمليات التنظيم. وجاءت أهمية الدراسة كونها تعرية للفكر المتطرف الذي يتبناه التنظيم، وتفكيكاً لخطابه من خلال بيان أسباب ظهوره، وتبيان مواطن الخلل الشرعي الذي يعتريه، وتشير كسّاب إلى أن أهم خطوات علاج إرهاب القاعدة هو الفصل بين العنف والقضايا الباعثة عليه، والعمل الجدي لمعالجة هذه القضايا، مؤكدة أن طريق الإصلاح عبر الوسائل الدستورية، قد أثبت التاريخ فعاليته ونجاعته أكثر من وسائل العنف.
الباحث الأردني محمد العواودة، تناول مؤسسة الإفتاء في الأردن، التي اعتبرها امتداداً للمؤسسة الدينية في الخلافة العثمانية؛ بنظامها الإداري وميلها المذهبي في الإفتاء إلى المذهب الحنفي قبل أن يكون المذهب الشافعي هو المعتمد، في حاضنة عقدية أشعرية ونزوع وجداني صوفي، تناول الباحث ظروف التشكّل، والنظام العامّ الذي لم يخف الحياد الديني للدولة، كما تحدث عن تراتبية الإفتاء ومنصب المفتي في المؤسسة الرسميّة وموقفه من الأجهزة الأمنيّة وارتباطه بالتوجيه المعنوي والإرشاد. كما استعرض التأثير والتأثر بالمزاج الخليجي، من حيث المقاربات الأيديولوجية، والتأثر بالسلفية خارج نطاق المؤسسة الرسمية، ثم انتشار الفتاوى المدعومة خليجياً، بعد النفوذ السلفي بكل تياراته، حيث يكسب كل يوم أتباعاً وتتسع دائرته الشعبية، كما يوضح الباحث أن بعض المؤسسات الرسمية وظّفت السلفيين لخدمة سياساتها الرسميّة.
الفتاوى الخليجية وتفاعلها مع المد الثوري أو ما يسمى بـ”الربيع العربي”، هو ما رصدته باحثة الدكتوراه بجامعة القاهرة فاطمة حافظ، فحاولت مقاربة أبعاد الجدل الفقهي المتعلّق بالثورات، كما عكسته الفتاوى لدى شيوخ الدين والفقهاء المتصدرين للفتوى في دول الخليج من أعضاء المؤسسة الرسمية أو من غيرهم، فعرضت الآراء المتباينة والأدلة الشرعية والحجج المنطقية التي يؤسِّس عليها كلّ فريق خطابه، وحاولت أن تبيِّن تأثير السياسة في الفتوى، من خلال استعراض الفروق بين الفتوى الرسمية والفتوى غير الرسمية. طرحت الباحثة تساؤلات جريئة حول استقلال المفتي، وقدرته على إصدار الحكم الشرعي، بعيداً من مؤسسة الدولة أو المؤسسة التي يتبع لها، وهل هناك اختلاف بين المفتي الرسمي والمفتي غير الرسمي، كما قامت بتحليل الفتاوى الرسميّة بالإضافة إلى فتاوى موقع “إسلام ويب”، فالخطاب الخاص بالثورات من منتجي الفتاوى الخليجيين، يصطبغ بالسياسة إلى حدّ بعيد؛ على الرغم من صفته الدينية، فالخطاب السلفي التقليدي، أتى معبِّراً عن المواقف السعودية من الربيع العربي، أمّا الخطاب الحركي الذي يتبناه موقع “إسلام ويب”، فقد عكس المواقف القطرية. وكخلاصة عامة تصل الباحثة إلى أن الفقه قد بدأ يستجيب – وإن على استحياء – لبعض متطلّبات الديمقراطية التي فرضتها الثورات العربية، حيث تأمل حافظ أن تستمرّ تلك الاستجابة في الفترة المقبلة.
لا يمكن الحديث عن الفتوى في دول الخليج، ودورها الاجتماعي والسياسي مع إهمال الحالة الشيعية، لذلك تناول محمد محفوظ، الباحث والكاتب السعودي، المدارس الفقهية الثلاث لدى الشيعة الإمامية في الخليج: الأصولية، والإخبارية، والشيخية. تفصل الدراسة الكلام حول نظام الفتوى عند شيعة الخليج، وتحديد أهم الأدوار والوظائف التي يقوم بها الوكلاء الشرعيون، كـ”التصدي لشؤون المجتمع الدينية والاجتماعية والعامة”. وفي سبيل الكشف عن واقع الفتوى والنشاط الديني لبعض علماء الدين الشيعة، ماضياً وحاضراً، يدرس الكاتب ثلاثة نماذج: الشيخ محمد أمين زين الدين، والشيخ الراحل الدكتور عبد الهادي الفضلي، والشيخ حسن الصفار. اكتفى الباحث بالعرض وتقديم الجوانب الإيجابية، من دون أي ملاحظات نقدية، أو مناقشة لأي من الثغرات التي تطرح حول “وطنيّة الفتوى”.
أما الدكتورة ريتا فرج، الباحثة اللبنانية وعضو هيئة التحرير، فتدرس في ورقتها عينة من الفتاوى الخاصة بالنساء التي أصدرها المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز، وقد أجرت الباحثة مقاربة نقدية لموقع المرأة في فتاواه، حيث اختارت ثلاث قضايا كانت موضوعاً لعشرات الفتاوى التي أصدرها ابن باز وهي : “نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال” و”حكم مسّ الحائض للقرآن و”تغطية الوجه”. وحاولت الباحثة استجلاء البعد الاجتماعي للفتوى، مقروناً بقراءة نقديّة، تعكس انفعال الفتوى بالثقافة المجتمعية.
الدكتور عبدالحكيم أبو اللوز، الباحث المغربي في علم الاجتماع الديني، يدرس “الإمامة المسجدية والإفتاء في المغرب” وظاهرة تغيّر وظيفة الإفتاء، وكيف أطّرَت السياسة الدينية الرسمية مهمة الإفتاء بقيود صارمة وجعلتها من مشمولات مؤسسة دستورية هي المجلس العلمي الأعلى، مستعرضاً الظروف التي أحاطت ممارسة الأئمة لمهنة الإفتاء في ظل الوضعية الجديدة، ومثيراً الأسئلة عما إذا كان هناك مسارات وشبكات مكّنت من هو خارج المؤسسة من الالتفاف على تلك القيود. وإذ ما تمكن الأئمة المغاربة من تجاوز الإقليمية إلى العولمة عبر هذه الشبكات، كما سعى أبو اللوز إلى تجاوز الجرد الكمي للمعطيات التي توفرها الجهات الرسمية ممثلة في وزارة الأوقاف عن الأئمة في المغرب.
يتناول سعيدي محفوظ، الباحث بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، سياق إنتاج السياسة الجديدة للتعليم الديني الكلاسيكي أو التعليم الديني المتخصص المعروف بـ”التعليم العتيق” في المملكة المغربية، ويطرح الأسئلة حول الرهانات المتحكمة في سن هذه السياسة، مستعرضاً مضمون الإطار الجديد للتعليم العتيق، واقفاً عند أهم الفاعلين في هذا المجال، والديناميات التي واكبت عملية ميلاد السياسة العمومية الخاصة بالتعليم الديني، والمشكلات التي تستدعي المعالجة. ويذهب الباحث إلى أن إنتاج السياسة الخاصة بهذا القطاع لا يبدو أنه كان نتيجة طلبات مجتمعية بقدر ما هو ناتج عن إكراهات يعيشها المغرب في إطار الرهانات العالمية الجديدة. كما تتناول الدراسة دور وزارة الأوقاف التي هي النواة الرئيسية في ميدان العمل الرسمي الموجه للتعليم الديني (العتيق). وتتناول الدراسة الفاعلين غير الرسميين مثل جمعية علماء سوس، كفاعل شبه رسمي حمل على عاتقه منذ التأسيس إصلاح التعليم الديني؛ متناولاً دور المنظمات الأخرى والمتمثلة في تنظيمات العلماء مثل رابطة علماء المغرب، وجمعية خريجي دار الحديث الحسنية، وجمعية قدماء التعليم الأصيل.
ملف العدد يتناول الأوضاع في ليبيا، ورؤيّة مراكز التفكير وصنّاع القرار في الولايات المتحدة الأميركية للأحداث في ليبيا بعد القذافي، والاقتراحات المقدمة للخروج من الأزمة السياسية، وشبح الحرب الأهلية الذي يخيم على البلاد، وتلافياً لأي انزلاق نحو الدولة الفاشلة، يتناول الاقتراحات التي تدور بين الساسة والخبراء حول أفضل الحلول التي يمكن تقديمها لليبيين، متناولاً الموقف من تسليح وتدريب الجيش الليبي ودمج الميليشيات، ودعم الإخوان المسلمين الليبيين، ودور القبائل وتأثيرها ونفوذها.
كما ننشر في هذا الكتاب مقالة طويلة للباحث والكاتب الصحفي الأميركي جوزيف براودي نشرت في العدد الأول لمجلة “أتلانتك بوست” الأميركية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، متناولاً مشكلة الإخوان المسلمين في الإمارات، وضلوع أحزاب الأمة الخليجية في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، وانبعاث ما يمكن وصفه بـ”السلالة” الجديدة للتنظيم، وولادة أجنحة عسكرية خليجية، ودور الأحداث الجارية حالياً في مصر في تغذية هذه النزعة عند التنظيم الدولي الإخواني.
رئيس المركز