تقديم
اختار مركز المسبار في كتابه الثمانين، الذي يصدر عن شهر أغسطس (آب) 2013؛ أن يضع الخطوط العريضة، لدراسة العلاقة المتينة التي تجمع إيران والإخوان المسلمين، على المستوى الفكري والسياسي والتنظيمي، وقد فتحنا الباب لباحثين من مختلف المشارب، يُنقّبون في التاريخ، ويكتشفون أبعاد التعاون الكبير بين أبناء الإسلام السياسي، وسر الإعجاب المتبادل، فمن أين البداية!
جاء تمهيد الكتاب بقلم الكاتب السعودي والباحث المختص في الحركات الإسلامية، عبدالله بن بجاد العتيبي، موضحاً أن التاريخ الحديث يشير إلى أنّ حركات الإسلام السياسي وخطاباتها، قادرةٌ فكرياً وتنظيمياً على عبور الخطوط السياسية والطائفية الحمراء، بغية الوصول لهدف الاستحواذ الكامل على السلطة السياسية، باعتباره هدفاً أسمى يُمثل لُب الغايات. ويذهب العتيبي إلى أن العلاقات بين ضفتيّ الإسلام السياسي، لا تعدو كونها تحركات نحو السلطة، وأن الدين مجرد سلاحٍ في معركة السياسة لدى هذه التيارات والحركات، ومع نفي التطابق بين الحركات على الجانبين السني والشيعي، إلا أنّ بعض أحداث التاريخ تعيد نفسها بشكلٍ أو بآخر، ووجود التشابه حين يكون كبيراً يُغري بالمقارنة، وقراءة الماضي تُعين على استكشاف المستقبل، ومضى يتحدث عن الشيعي الإخواني، بدءًا من الأفغاني، مرورًا برحلات التأثير والتأثر المتبادلة بين نواب صفوي، وسيد قطب، والخميني والخامنئي.
أما الدكتور رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية في بيروت، فاختار تسليط الأضواء على ولاية المرشد وولاية الفقيه، وتتبع علاقتيهما بحركة الإصلاح الديني، السني والشيعي، والظروف والملابسات التاريخية، من سقوطٍ للخلافة، فانفتاح باب التمثيل لرأس الإسلام السني، أو استعادةٍ للولاية من الإمام الغائب عبر «ولي فقيه»، من خلال مناقشة مفاهيم استعادة الخلافة التي بنت عليها الحركات في الإسلام السني، مشروعيتها في ذهنية كثيرٍ من المسلمين، عبر مقولة حسن البنا «الإسلام دينٌ ودولة» التي دخل عبرها لتشكيل نظام عقائدي شامل، استطاع تلخيصه في القول: «الشرعية بكاملها في التنظيم، والواجب الديني يقتضي أن يتولى التنظيم السلطة، فيطبق الشريعة وتقوم الدولة الإسلامية»، فهكذا طوّع الإسلام السياسي السني الشريعة والمشروعية معًا، بعد أن طوع الإحياء والإصلاح، لذات الغرض السياسي، ولكن بشكل أخف، فالدولة الدينية لدى الشيعة تبدو طبيعية على نحو ما؛ لأن رجال الدين ينفردون أصلاً بتولي الشأن الديني، لذلك فإن مناطها هو الإمام، فالفقيه الشيعي يحل محل التنظيم الإسلامي السني.
وتناول الدكتور خليل أحمد خليل، عالم اجتماع لبناني، في ورقته، موضوع «إشكاليّاتُ الشيعيّة السياسية» أو «الشيعويّة»، مقابل «السنّوية»، كما يقترح الكاتب السوري محمد جمال باروت، ودرس تحديداً النموذج اللبناني، متسائلاً: «ماذا أمام شيعة العرب من فُرص سياسية للإندماج القومي أو الوطني؟». ويرى الباحث أن المسلمين لا يجدون في النموذج الإخواني المصري نظاماً جامعاً ودامجاً لأمتهم أو لأممهم بالتدقيق في دولة جديدة يطلق عليها «إمبراطورية مؤجلة»؛ ولا يرون في النموذج الإيراني سوى منهاجٍ مذهبي، لا يصلح لغير إيران بذاتها، وحتى إنهم يقولون إنه لا يصلح حتى لإيران نفسها، فلا العراق يقتدي بها، ولا سوريا تحاكيها، وعلى ذلك يحاول تحليل «قبول حزب الله بذلك»!
ودرس أستاذ مادة اللاعنف في جامعة أونور (بيروت)، الدكتور عبد الحسين شعبان، منظومة الإسلام السياسي بعد الثورات العربية والتحديات التي تعترضها، محللاً العلاقة بين الدين والدولة، كما أرساها إسلاميو مصر وإيران وتركيا وتونس في مداها التاريخي والراهن. يخلص المفكر العراقي بعد مطالعات نقدية، إلى أن التيار الإسلامي اليوم، بحكم المستجدات والمتغيّرات على المستوى العالمي، يحاول تصوير ذاته على أنه يُكيّف أفكاره لتقبّل الديمقراطية، ويعتبرها آليات أو ميكانيزمات، وبعضهم يعتبرها تكتيكات يمكن الوصول بواسطتها إلى السلطة، أي عدم الإيمان بفكرة التداولية. يعتبر شعبان الذي اعتمد على منهج «سوسيولوجيا المعرفة» في بحثه، أن المرحلة القادمة ستشهد صراعاً ليس بين الإسلاميين والعلمانيين فحسب، بل بين إسلاميين معتدلين وإسلاميين متطرفين ومتعصبين، وقد يتطوّر الصراع الإسلامي- الإسلامي في العالم العربي إلى قبول فريق منهم بالدولة المدنية – بصورة شكلية – مثلما هو في تركيا، وفريق آخر يواصل مشواره السابق، بل يرتّد على الحاضر، بحجة الأصول، وسيكون ثمن هذا الصدام باهظاً على الإسلاميين.
ويعرض الباحث المصري المختص في الشؤون الإيرانية بجامعة الأزهر الشريف، محمد محسن أبو النور، للعلاقات المصرية – الإيرانية، ومن ضمنها العلاقة بين إخوان مصر وطهران، محدداً أربعة عوامل، شكلت القاعدة الأساسية للتحليل، فقسم الكاتب دراسته إلى محاور عدة بغية تحليل هذه العلاقات، ورغم أنه اختار الفترة الزمينة الواقعة بين عامي 2011-2013، إلاّ أنه ألقى الضوء على «تاريخية العلاقات بين الإخوان» و«الخمينيين»، والتي توجِّت بصعودهما إلى الحكم. ثم تناول بالبحث والشرح والتحليل، العقلية الإستراتيجية لكل طرف، وإدراكه للطرف الآخر، فضلاً عن الحديث عن العوامل الثلاثة المؤثرة في سير العلاقات في تلك الفترة، وهي مسألة أمن الخليج، والثورة السورية، والعامل الإسرائيلي في وجود حماس، باعتبارها رافداً من روافد التنظيم الدولي للإخوان، والمدعومة في الوقت نفسه من طهران.
ويضيء الباحث اللبناني في الفكر العربي والإسلامي، الدكتور هيثم مزاحم، على الحركة الإسلامية الإيرانية وجماعة الإخوان المسلمين المصرية، ضمن مستويين سياسيين: أيديولوجي وحركي، مفصلاً الكلام عن الاتجاهات داخل أكبر حركتين إسلاميتين. التي ظهرت ضمن تيارات محافظة وإصلاحية ومعتدلة. يشير الكاتب إلى هرمية القيادة داخل الإخوانية، ويعرج على تنظيمها الدولي، ومن ثم ينتقل إلى صلب موضوعه. فيشرح الانقسامات الحاصلة في الجماعة. التي بدأت بعد مقتل حسن البنّا عام 1949. بعدما وضعنا الكاتب في الظروف التاريخية الممهدة للثورة الإسلامية في إيران وانتصارها، ملمحاً إلى تجربتها في قيادة الدولة وتأسيس الدستور، ليطلعنا بعد ذلك على نشأة التيار الإصلاحي الذي ضمّ اتجاهات عدة، مبيناً أبرز مطالبه وفي طليعتها الانفتاح في العلاقات مع الخارج. يصل مزاحم إلى نقطة الوصل الأهم في دراسته، حيث يبرز المشتركات والفوارق بين إسلاميي إيران والإخوان، وهنا يقارن بين مواقفهم تجاه الغرب والقضية الفلسطينية، والمنهج المتبع لإقامة الدولة الإسلامية.
جاءت ورقة عضو هيئة التحرير في مركز المسبار، الدكتورة ريتا فرج، تحت عنوان «الوحدة الإسلامية في فكر البنَّا والخميني». تعالج الباحثة تجليات الوحدة لدى الرجلين، على مستوى الخطاب التأسيسي، وتكشف عن موقفهما من المذاهب الإسلامية والتقريب، وتعتبر أن اللغة المذهبية غابت عنهما بصرف النظر عن التداعيات السياسية اللاحقة، ومؤثراتها على أكبر حركتين إسلاميتين. وترى أن العلاقة بين الإخوان وإيران اتسمت في مراحلها المختلفة بطابع «الاستمرارية والقطيعة في آن»، وتفترض أن جمال الدين الأفغاني شكّل حلقة الوصل بين البنّا والخميني بناءّ على خمسة مؤشرات هي: التأسيس لـ«إسلام سياسي ثوري»: تدريجي/ ثوري لدى البنَّا؛ إنقلابي/ ثوري لدى الخميني؛ ومعارضة الاستبداد الداخلي؛ والانشغال في مناهضة الغرب الاستعماري الذي يهدد عقيدة المسلمين؛ والاهتمام بالوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب (من الجامعة الإسلامية لدى الأفغاني إلى الوحدة الإسلامية لدى البنَّا والخميني)؛ والتماهي بين السياسي والديني.
قدّم هاني فحص، المفكر اللبناني ورجل الدين، دراسة حاول فيها تبيان العلاقة بين جمال الدين الأفغاني وعبد الحميد الثاني، وتقديم مقاربة تحليلية/ تاريخية لمحاولات ترسيخ الوحدة الإسلامية بين العالِم والحاكم، التي انتهت بانكسار المشروع نفسه لأسباب عدة. انشغل فحص بخطاب التقريب، وهو المؤمن بأن «الحافظ» للإسلام «تعددنا ووحدتنا وتوحيدنا». شكّلت ورقته استرجاعاً لمسارات الوحدة التي خطّها الأفغاني/ عبد الحميد الثاني، باعتبارهما من مذهبيْن متوائميْن، وإن اختلفا وتباعدا عقدياً وجغرافياً (تركيا وإيران)، وخاطب الكاتب بشدة ما كان يظنه في الالتقاء بين الطرفين وأثره على الوحدة الإسلامية، ويتعلّق فحص – وهو رجل دين بالإضافة لكونه أديبًا – بالأفغاني من هذا الباب، أي الوحدة الإسلامية وشجونها. يقول الكاتب ما نصه: «جمال الدين الأفغاني وعبد الحميد الثاني، كان لا بد من إنصافهما لنزوعهما إلى الوحدة، وكان لا بد من إنصاف الأمة بنقدهما على أخطائهما الفكرية والسياسية».
اختارت هيئة التحرير لهذا العدد كتاب «إيران والإخوان المسلمون، الخامنئي والخميني» الصادر عن دار جداول في 2013، وقرأه الباحث السوداني وعضو هيئة التحرير، عمر البشير الترابي. ويذهب الترابي إلى أن الإسلام الحركي الذي ينشط بداعي الأصوليّة، هو ذاته الذي ينشط بداعي التنوير والحداثة، وفي كلا الطرحين يكون النقاش في الفضاء الفكري «خدّاعاً»، لأن ضربة البداية كانت دائمًا، سياسية، والمفاهيم بذلك تتغيّر، فـ«الشيعة الحركيون ليسوا طائفة أخرى لحركيي السُّنَّة حتى يدرس التقارب والتباعد بينهما، بل هم جسمٌ واحدٌ، يدير خلافاته الداخلية عبر آليات منظمة».
رئـيـس المـركـز