حرص مركز المسبار للدراسات والبحوث على أن يكون عدده الثامن من كتاب المسبار الشهري حول” حزب التحرير” كحركة إسلامية لم تنل حقها من الدرس بعد، رغم مرور ما يقرب من أربعة وخمسين عاما على تأسيسها، ورغم كثافة نشاطها وفعالياتها في الغرب والدول الإسلامية في الاتحاد السوفيتي السابق، فضلا عن العديد من الأقطار العربية المختلفة، التي يفتقد فيها الحزب للاعتراف السياسي باستثناء لبنان، حيث حصل على الشرعية الحزبية في مايو/ أيار من عام 2006.
ولبحث مسألة مستقبل هذا الحزب الذي يصر على وصف نفسه بأنه حزب سياسي، ولكن يكفّر السياسة الوطنية والدول القطرية والقومية، ولا يتعاطي مع مؤسساتها أو المؤسسات الدولية، ومع كل ذلك ينشط شرقا وغربا عاقدا للمؤتمرات، ومعلقا على مختلف الفعاليات، لبحث هذه المسألة جاءت دراسة الدكتور أحمد البغدادي “حزب التحرير رؤية مستقبلية” ملقية الضوء على مسار الحزب وأفكاره، وكذلك واقعه، وساحات انتشاره وانحساره، محاولا طرح رؤيته التي انتهى فيها إلى أن الحزب لن ينجح في صراعه مع التاريخ والمستقبل والعصر، وإصراره على العزلة بتكفير الجميع، داخليا وخارجيا، وأن استمرار الحزب على مقولاته التأسيسية دون مراجعة فاعلة لها حتى الآن، لن تكون في صالح هذا الحزب مستقبلا.
ثم أتت دراسة الدكتور مصطفي لطفي حول “مفهوم الخلافة” مسلطة الضوء على ذلك المفهوم المركزي عند حزب التحرير، موضحا أبعاد طرح الحزب له، وكذلك إشكاليات هذا الطرح والمسكوت عنه فيه، وكيف ظلت لهذا المفهوم سطوته على الخطاب السياسي للحزب، الذي يسمي فروعه في الأقطار ولايات، ورغم نشأته في الأرض المحتلة، لا يعرف له حضور على مستوى المقاومة أو بناء الدولة داخلها، مؤجلا كل شئ لحين عودة “الخلافة” من غيبتها، أو استعادتها، وكيف صار كل التاريخ العربي والإسلامي وكذلك الفكري منذ سقوطها ليس إلا سلسلة من المؤامرات التي حيكت وتحاك ضدها.
وتركز دراسة دكتوره سهى الفاروقي “نظريات الدولة الإسلامية والواقع المعاصر: حزب التحرير كحالة دراسية” على نموذج الدولة الإسلامية، كما طرحه الشيخ تقي الدين النبهاني، رحمه الله، (1909– 1977)، وتعرض فيها آراء النبهاني المتعلقة بالدولة ونموذج الدولة الإسلامية الذي يقدمه. ويبيّن العرض أن هذا النموذج، على رغم أنه قُدم كمُعارض، أو بالأحرى كنقيض للواقع السياسي المعاصر، إلا أنه قد تعاطى ضمنياً في نواحٍ عديدة مع نماذج وفرضيات مستنبطة من هذا الواقع.
وتأتي دراسة الدكتور مازن النجار “قضية التنظيم والتغيير لدى حزب التحرير” كاشفة عن منهج التغيير لدى الحزب، ويسلط الضوء بالخصوص على ما تطور لدى الحزب من مفهوم للتغيير سماه “طلب النصرة” كما يعرض لملامح الحداثة وتأثر الحزب بمفهوم الحركات الاجتماعية والحزبية في الغرب.
وتناولت دراسة الدكتور سعيد حموده موقف الحزب من القضية الفلسطينية، ويلاحظ الباحث أن الحزب في تعاطيه مع هذه القضية يظل تعاطيا نظريا مثاليا، يؤجل العمل فيها، منطلقا من نزوعاته الأممية، التي تشترط للفعل عودة الدولة الإسلامية ونموذج الحكم فيها أولا.
ثم تأتي قراءة شخصية الشيخ تقي الدين النبهاني مؤسس الحزب، بحثا في تكوينها، حيث ظلت شخصية جده الشيخ الشيخ يوسف النبهاني الذي عمل في الدولة العثمانية حاضرة في شخصيته، بتعصبه للخلافة وموقفه الرافض للإصلاحية الإسلامية كما يمثلها محمد عبده والأفغاني وغيرهما، كما تعرضت الدراسة كذلك لتأسيسه الحزب، وتناقضات مساره وخطابه، وأهم أفكاره التي ظلت مرجعية ذات ثبوت شبه مطلق لدى أنصار الحزب.
ومن هذه المرجعية كانت مسارات التشكل السياسي، ومسارات التصدع والانشقاق في حزب التحرير، وهو ما تسلط الضوء عليه دراسة الأستاذين مروان شحاده وحسن أبو هنيه “حزب التحرير ومسارات التصدع والانشقاق” راصدين فيها هيمنة تقي الدين النبهاني على مسار الحزب، وأزمة الإًصلاحيين داخله الذين انشق جناحهم بعد وفاة الأمير الثاني عبد القديم زلوم، كما يعرض لموقف الجماعات الأخرى من الحزب، وبخاصة الإخوان المسلمين وكذلك موقف الحزب منهم، وينتهي الباحثان إلى أن هيمنة فكر المؤسس، ومثالية الهدف، والطابع التنظيمي الصلد الذي يتمتع به حزب التحرير قد ضيقا من مساحات التصدعات داخله، وكذلك من آفاق الانشقاق فيه.
ثم قرأ هاني نسيره كتاب عبد القديم زلوم “الديموقراطية نظام كفر: يحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها”، موضحا موقف الحزب من الديمقراطية والنظام الديمقراطي، ورفض مضاهاتها بالشورى، أو ربطها بالمواطنة والدولة الحديثة، فهي ليست وحيا ولكنها مما صنعه البشر والغرب، ومما لا يجوز أخذه، ويؤكد نسيره أن كثيرا مما طرحه زلوم، ولا زال يطرحه التحريريون، كامن في خطاب كثير من الإسلاميين، ولكن الفارق أن حزب التحرير يظهره ويصل به إلى نهاياته الحتمية دون مواربة أو تقية، مما يعيد إشكال الحديث عن الإسلاميين والديموقراطية بقوة دائما.
وأتت قراءة يوسف الديني لكتاب تقي الدين النبهاني “نظام الحكم في الإسلام” والذي يعتبر إحدى أكثر الصياغات المعاصرة لنظام الحكم من وجهة نظر “الإسلام السياسي” بشكل عام و”حزب التحرير” على وجه الخصوص.
أما دراسة العدد المستقلة، فهي للدكتور على مبروك “من الغرب الليبرالي إلى الغرب الإمبريالي”، مقارنة بين مشروعين فكريين يقومان على الموقف من الغرب وحداثته، مثّل الأول رفاعه الطهطاوي، ومثّل الثاني المفكر االمعاصر الدكتور عبد الوهاب المسيري، وهو ما يعبر عن تناقض، حيث زادت رؤيتنا للغرب نقدا ورفضا له بشكل ما، مع مزيد من قربنا منه، وكيف تظل القضية واحدة بين المشروعين، أو على تعبير على مبروك لم يتبدل الخطاب ولكن تبدلت أقنعته.
ويضم هذا العدد ببليوجرافيا شاملة تضم الكتابات التي تناولت حزب التحرير، سواء ما صدر عن الحزب ورموزه، أو ما كتب عنه.
إن حزب التحرير أو حزب الخلافة، إذا شئنا الدقة، الذي اختزل كل المشاكل الإسلامية في غيابها، وكل الحلول في استعادتها، وحكم على المجتمعات المسلمة وأنظمتها بالكفر، رغم أنه يتوقف عن ممارسة العنف ضدها، لا شك يستحق الكثير من الدرس، خاصة وأن بعض التحليلات تراه الآن يتجه نحو تحويل عنفه الرمزي إلى عنف مادي، وجهاده غير القتالي إلى جهاد قتالي، أو على الأقل يخرج من جعبته بعض هؤلاء، فمخاض التفجير هو التكفير، وطريق القتل هو الحكم بالكفر، وليس في قاموس حزب التحرير أكثر من مفردتي التكفير والكفر تكرارا، وهو أكثر الحركات الإٍسلامية اقترابا من السلفية الجهادية على هذا المستوى من العنف الرمزي والفكري.