تقديم
يتناول مركز المسبار في كتابه التسعين لشهر يونيو (حزيران) 2014 حكم الإخوان المسلمين في مصر. تمحورت الدراسات حول أبرز العوامل التي أسقطت نظام «المرشد» وعجلت بانهياره، وكشفت عن مساوئ الإسلام السياسي المصري في إدارة الدولة.
لا تقتصر الأبحاث على تبيان الأخطاء السياسية والاقتصادية التي كادت أن تدفع مصر إلى حافة الهاوية في فترة زمنية لا تتخطى السنة الواحدة من وصول محمد مرسي إلى سدة الرئاسة، بل رصدت «جذور التمكين» وتغوله في «أخونة» المؤسسات الرسمية، وقامت بتشريح المغالطات في السياسة الخارجية المصرية وطرحت بعض السيناريوهات المتوقعة خلال فترة الحكم الجديدة بعد ثورة 30 يونيو (حزيران).
جاءت دراسة القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين سامح عيد بعنوان: «الإخوان المسلمون: التمكين بين النظرية والتطبيق»، متحدثة في مقدمتها عن مدلول التمكين، لغوياً واصطلاحياً، وعن سياقه في القرآن الكريم. يرى الباحث أن حسن البنَّا (1949) في رسائله، بدا وكأنه يتحدث عن دين جديد مكلف بتبليغه إلى العالم، ليس التبليغ فقط، وإنما السيطرة السياسية والعسكرية عليه، من هنا أتت مقولة «أستاذية العالم» بعد الخلافة الإسلامية، وكأن الدين لم يكتمل بوفاة النبي (صلى الله عليه وسلم). ولكن الخلافة أكملت المشوار إلى نقطة -من وجهة نظر البنَّا- ولكنها لم تكملها، وكأن الله انتدبه ليعيد الخلافة ثم يكمل المشوار الذي لم يكمله الصحابة والتابعون وتابعوهم ليحقق هو مراد الإسلام -كما يظن مؤسس حركة الإخوان المسلمين- للسيطرة على العالم أجمع. يعتبر الباحث أن البنَّا قام بدراسة الواقع المحيط محدداً المشكلة المطلوب علاجها وأهدافه الاستراتيجية للتغيير، وبناء الأجهزة المناسبة في سبيل توطيد فكرة التمكين. لم يكتفِ الكاتب بتحليل الأفكار التي نهضت عليها تنظيرات التمكين كما أرساها البنَّا ومن تبعه؛ إذ قدم تفسيراً لمحاولات الإخوان السيطرة على مفاصل الدولة ما إن وطئت أقدامهم الحكم في مصر.
درس الباحث المصري أحمد بان في دراسته التي جاءت تحت عنوان: «الإخوان المسلمون: اغتيال حلم الخلافة»، أهم الأسباب المؤدية إلى فشل الإخوان المسلمين في الحكم، والمتمثلة في: أولاً: إقصاء القوى السياسية عن المشاركة في إدارة البلاد، والاكتفاء بأعضاء الجماعة وحزبها (الحرية والعدالة). ثانياً: اختزال صناعة القرار في مؤسسة الرئاسة بتعيين هيئة استشارية عكست تمدد القرار من مقر الجماعة في المقطم إلى قصر الاتحادية. ثالثاً: الأداء المربك لرئاسة الجمهورية والتردد السياسي وإصدار القرارات والتراجع عنها. وتحدث العضو السابق في جماعة الإخوان عن مستويين من الفشل عند الجماعة: سياسي وأخلاقي، متسائلاً: هل كان لحركة الإخوان مشروع من القيم السياسية كما تدعي أم هو مجرد طرح سياسي عمل على توظيف الدين بهدف الوصول إلى السلطة؟ في ختام الدراسة تحدث بان عن عزلة الجماعة التي أدت إلى قطيعتها مع المجتمع، فحرصت القيادة القطبية التي تشربت تلك الأفكار على المضي بمسارها نحو حكم مصر لتنعكس بوضوح على سلوكها السياسي.
يحاول الأكاديمي المصري محمد شومان في دراسته: «الإعلام المصري خلال تجربة الإخوان المسلمين» التحقق من فرضية مفادها «أن زيادة الانتهاكات لحرية الإعلام والإعلاميين في حكم مرسي دفعت المزيد من الإعلاميين إلى معارضة الانتهاكات وحكم الجماعة، فتولدت آلية ثأرية بين الطرفين». يرى خبير إدارة الأزمات أن القاعدة الاجتماعية المؤيدة للرئيس محمد مرسي وسياساته، كانت توفر طلباً معاكساً على الإعلام الموالي، وأن الاستقطاب بين المصريين في المواقف السياسية وفي التعامل مع وسائل الإعلام، التي عكست الانقسام العميق على المستويين المجتمعي والسياسي، لا يتعارض مع مسلمة انتهت إليها أغلبية دراسات التأثير الإعلامي، وهي محدودية تأثير الإعلام، لأنه يخضع للعديد من المتغيرات الوسيطة.
قدم أستاذ الاقتصاد في أكاديمية السادات، أنور النقيب دراسة تقويمية للأداء الاقتصادي في مرحلة حكم الإخوان المسلمين، مفنداً عبر الأرقام والإحصاءات الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة. ركزت الورقة البحثية التي جاءت تحت عنوان: «الاقتصاد المصري في مرحلة حكم الإخوان المسلمين» على التقويم الاقتصادي لحكم الإخوان خلال عام (من 30 يونيو (حزيران) 2012 إلى 3 يوليو (تموز) 2013) وهي فترة حكم محمد مرسي، وبما أن السياسات الاقتصادية غالباً ما تأخذ فترة لبيان آثارها، فإن التقويم الاقتصادي الذي أجراه الباحث يتم بناء على ركائز عدة هي: الفلسفة وامتلاك الرؤية، وترجمة تلك الرؤية، والإدارة الفعلية، بالإضافة إلى النتائج المتحققة.
تحت عنوان: «السياسة الخارجية المصرية في زمن الجماعة.. تصعيد وتراجع»، تناولت الباحثة المصرية سنية البهات علاقات مصر الخارجية، خلال فترة حكم الإخوان المسلمين ضمن الفترة الممتدة من يونيو (حزيران) العام 2012 حتى يونيو (حزيران) العام 2013. وقبل أن تفصل الكلام في الخصائص التي طبعت هذه المرحلة، تحدد مقومات السياسة الخارجية المصرية ومميزاتها. ترى الكاتبة أن النهج السياسي الخارجي المعتمد من قبل الإخوان المسلمين أدخل مصر في حال من الاضطراب مع حلفائها في المنطقة، إذ حاولت الجماعة تغيير قواعد السياسة الخارجية عبر تقديم تحالفات جديدة والتراجع عن تحالفات قديمة أدت إلى خلط الأوراق وأربكت علاقات مصر مع دول الإقليم.
حملت دراسة الباحثة المصرية وسام الحنبلي عنوان: «دور الإعلام الجديد في عهد محمد مرسي»، ناقشت فيها فاعلية الإعلام البديل (تويتر- فيس بوك – يوتيوب – المواقع الإلكترونية – المدونات) أثناء حكم الإخوان المسلمين، وكيف تحول المجال الافتراضي إلى ساحة عملت على توجيه الانتقادات للسلطة الإخوانية الجديدة، ولم تكن الميديا الجديدة بمنأى عن الاحتجاجات الواسعة في 30 يونيو (حزيران) 2013، والتي أسهمت إلى جانب الحراك الشعبي في إسقاط محمد مرسي.
عرض الباحث المصري في الشؤون الإسلامية منير أديب في دراسته المعنونة: «الإخوان والجماعات الإسلامية: مصلحة متبادلة أم صراع وجود»، أبزر ملامح التقاطع والافتراق بين الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية الأخرى (السلفيين والجهاديين) لا سيما بعد ثورة 25 يناير، وقد قسّم العلاقة بين الطرفين إلى أربع مراحل: مرحلة ما قبل الثورة – مرحلة ما بعد الثورة – مرحلة تولي محمد مرسي السلطة – وأخيراً مرحلة ما بعد عزل مرسي. يتناول الكاتب الأفكار والأيديولوجيات الناظمة لعلاقة الجماعة مع الجماعات الإسلامية الأخرى التي أدت في مراحل كثيرة إلى وقوع التشابك والصراع بينهما، خصوصاً أن هذه الخصومة المنهجية والأيديولوجية وصلت إلى حد القطيعة تحديداً مع مدرسة الدعوة السلفية في الإسكندرية، الحاضنة الفكرية لحزب النور.
أجرى الباحث المصري في الحركات الإسلامية محمود شعبان بيومي قراءة في كتاب «الإخوان المسلمون بين الصعود والرئاسة وتآكل الشرعية» لمؤلِّفه القيادي الإخواني المنشق محمد حبيب. يفند الكاتب عبر الشواهد والأدلة أسباب إخفاق الإخوان المسلمين الذين امتلكوا فرصة ذهبية حينما وصلوا إلى الحكم، لكن قلة خبرتهم السياسية وضيق أفقهم دفعهم إلى تدمير الفرصة، بل تدمير الدولة من خلال عدم الإفادة من خبرات القيادات والكوادر الوطنية غير المنتمية للجماعة. يتناول حبيب شخصية محمد مرسي وكيفية إدارته للدولة، ويخلص في النهاية إلى نتيجة مفادها أن العقل السياسي والإداري لم يكن من مواصفات تنظيم الإخوان.
في الختام يتقدم مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين ويخصّ بالذكر الزميلين محمد حلمي عبدالوهاب وعمر البشير الترابي اللذين نسقا العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهدهما وفريق العمل.