تقديم
يضم كتاب المسبار (العدد 94 أكتوبر/ تشرين الأول، 2014 ) مجموعة من الأبحاث التي ترصد الحركات والجماعات الإسلامية المستقرة في الدول الغربية؛ وتحديداً تلك التي ترفض التفاعل والانخراط في الحضارة الغربية وتؤمن بضرورة أسلمة الغرب ورفع لواء الإسلام في عواصمه ومدنه كافة، وفي الوقت نفسه لا تمارس العنف. إن البحوث هنا لا تتناول الجماعات أو الحركات التي تؤمن علانية بالعنف وتمارسه ولا تلك التي تؤمن بضرورة الاندماج في الحضارة الغربية، ولكن مع المحافظة على الهوية والممارسات الإسلامية.
يمكن قراءة أبحاث هذا الكتاب من أكثر من زاوية. فهو كتاب يقع في سياق الجدل العالمي حول التعامل مع الحركات والجماعات الإسلامية المتطرفة ولكن غير العنيفة. وهو ثانياً يدرس المناخ الفكري والديني الذي يلجأ إليه الإسلاميون السياسيون الهاربون من الدول العربية. وهو أيضاً كتاب يتناول الحركات والجماعات التي تُلهم المتطرفين الذين يقررون السفر إلى الدول العربية للجهاد. وهو رابعاً كتاب يتناول الحركات الدينية الغربية التي صارت تصدّر التطرف إلى العالمين العربي والإسلامي بعدما كانت تستورده منهما.
تواجه الدول الغربية معضلة في التعامل مع الجماعات والحركات المتطرفة التي لا تمارس العنف. فمن جهة يرى بعض صنّاع القرار – وخصوصاً من يعملون في القطاعات الأمنية – أنَّ العنف الإسلامي هو قمة جبل الجليد فحسب، وأنّه يستمد جذوره من الحركات والجماعات غير المتطرفة. أي – وفق رأيهم – لولا التطرف الإسلامي الرافض للحضارة الغربية لما وجد الإرهاب الإسلامي أو على الأقل لكان حضوره أقل بكثير مما هو الآن. ومن جهة أخرى فإن القوانين والأنظمة الغربية لا تستطيع فرض كثير من القيود على من يحملون أفكاراً متطرفة ما دام أنهم لا يمارسون العنف ولا يحرضون عليه ولا يدعون إلى الكراهية. هذا الجدل الغربي يؤثر فينا بشكل مباشر بسبب تأثير الإرهاب الآتي من الغرب إلينا. ولفهم ذلك الجدل بشكل أعمق فإنه من المفيد البدء بقراءة أبرز الحركات والجماعات التي يدور حولها الجدل. وهذا ما يوفره الكتاب.
للكتاب أهميّة ثانية في ضوء جهود بعض الدول العربية في مكافحة الإرهاب؛ خصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية. إن جهود هذه الدول قد خنقت إلى حد كبير أنشطة الإسلام السياسي والإرهاب الديني في بلادها. ولكن الكثير من أتباع الإسلام السياسي هرب والتجأ إلى دول غربية. ومن الطبيعي أن يتأثر أولئك ويؤثروا أيضاً في المناخ الإسلامي الحركي في الدول التي لجؤوا إليها. وتالياً فإن الدراسات تقدم لنا خريطة مهمة عن واقع الإسلام السياسي في الدول الغربية التي ستكون الحاضن للهاربين من الدول العربية.
هناك زاوية ثالثة للكتاب؛ وهو أنه يقدم لنا رؤية عن الجماعات التي تُلهم الذين يأتون للقتال في الدول العربية. لقد تحولت مسألة المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق وليبيا من قضية ثانوية إلى قضية أساسية بسبب الأعداد الكبيرة من المقاتلين الغربيين في صفوف داعش وجبهة النصرة وغيرهما من الحركات الإرهابية. وبعض الغربيين الإسلاميين صار يوفر لتلك الحركات الدعم التقني خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي. إنّ فهمنا للمقاتلين الأجانب لدينا سيتعمق كثيراً بفهم الجماعات المتطرفة في مسقط رأسهم الغربي.
تنطلق زاوية الكتاب الرابعة من التحوّل الذي حصل في تصدير الفكر المتطرف والإرهابي. لقد كانت الدول العربية والإسلامية تصدّر التطرف إلى الغرب، ولكن اليوم تغير هذا وصار الغرب – متمثلاً بالإسلام السياسي والمتطرف – هو الذي يصدر لنا الإرهاب والتطرف. ونحن بأمسّ الحاجة لفهم منابع الإرهاب والتطرف القادمين من الغرب بحيث يمكننا مواجهتهما: قانونياً بالتوجه إلى الدول الغربية والضغط عليها لإيجاد تشريعات تمنع نمو مثل هذه الحركات والجماعات – حتى لو لم تمارس العنف؛ وثقافياً بالتوجه إلى المجتمعات المسلمة الغربية وتشجيع نمو الأفكار المعتدلة المناهضة لأشكال التطرف والإقصاء كافة والداعية إلى التعايش مع الإنسانية.
في الختام يتقدم مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب ويخص بالذكر الزميل لورينزو فيدينو الذي نسّق العدد، والزميلة رشا العقيدي التي قامت بترجمة الدراسات عن الإنكليزية، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهدهما وفريق العمل.
.
رئيس المركز
شاهد فهرس الكتاب