تقديم
يستكمل مركز المسبار في كتابه الواحد والثمانين ما بدأه في العدد السابق، لكن في إطار مقاربة جديدة. سعى الجزء الأول «إيران والإخوان: توظيف الدين لمعركة السياسة» إلى تعقب ورصد العلاقات الإيرانية – الإخوانية على مستويين، تاريخي وسياسي، كاشفاً عن التقاطع والتناقض في آن بين أكبر حركتين إسلاميتين على ضفتي الإسلام السياسي، السنّي والشيعي؛ مقدماً قراءة أولية لمصير إسلاميي مصر إثر سَقْطَة 30 يونيو (حزيران) 2013، ومؤثراتها الراهنة والمفترضة على نظرائهم في طهران.
شارك في الجزء الثاني المعنون «الإخوان وإيران: خارج المذهب داخل ملعب السياسة» مجموعة من الباحثين ذوو انتماءات مختلفة. درسوا قضايا متداخلة، قسم منها طاول العدة العقدية التي بلورها الإسلاميون في إيران ومصر، وأقسامٌ أخرى عرضت بالنقد والتحليل الأخطاء التي وقعوا فيها.
تناول الباحث المختص في الحركات الإسلامية، الدكتور عبد الغني عماد، في دراسة/ مقارنة مصطلحات الأمة والحاكمية والدولة والمواطنَة والآخر والغرب والصراع العربي الإسرائيلي، كما أرساها إسلاميو إيران ومصر. يؤكد الأكاديمي اللبناني على أهمية حقل الدراسات المقارنة، كونه يفتح مجالاً لفهم وإدراك «حركة المفاهيم وتطورها». اعتمد بحثه الموسوم «الإخوانية والخمينية: مقارنة في المفاهيم السياسية الرئيسة» على منهج تحليل الخطاب، قارئاً منظومة المفاهيم ونسقها وتفاعلها وحركة صعودها وهبوطها، لدى الإسلام الحركي، الإخواني والخميني.
درست الدكتورة فاطمة الصمادي مفهوم الدولة الإسلامية عند حسن البنّا والخميني. حملت ورقة الباحثة الأردنية في الشؤون الإيرانية عنوان «الإسلاميون في إيران ومصر (1979-2011) جدلية الإيديولوجية». قاربت نقاط الاختلاف والاتفاق بين الطرفين على صعيد الفكر السياسي، ضمن مروحة واسعة أبرزها: العلاقة بين الدين والسياسة، نوع الحكم، صفات وخصائص الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي، سن القوانين استناداً إلى الشريعة. خلُصت الصمادي إلى أنه رغم «العلاقة التاريخية بين إسلاميي إيران ومصر، إلاّ أن ثورات الربيع العربي، ألقت بظلالها عليهم، فإيران كانت تتوقع أن تشكل كـ«نظام حكم» أنموذجاً يُحتذى به من قبل إسلاميي مصر وتونس، وهو ما جرى رفضه بصورة واضحة، أزعجت طهران التي تظن أن معيارها هو «الأصلح» للمجتمعات الإسلامية، كما أحدث الموقف من الثورة السورية، وتأييد إيران للرئيس السوري بشار الأسد، شرخاً في العلاقة بين الطرفين، وهي العلاقة التي كانت القيادة الإيرانية تعوّل عليها، كثيراً».
تطرق أمين عام منتدى الوحدة الإسلامية، والمتحدث السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين في الغرب، كمال الهلباوي، إلى العلاقات الإيرانية – الإخوانية، واضعاً إياها ضمن حلقة تاريخية ممتدة من حسن البنّا حتى عزل الرئيس محمد مرسي. الهلباوي الذي يُعد من أكثر الشخصيات الإخوانية قرباً من القيادة الإيرانية، يستهل ورقته البحثية بالتحذير من «مكائد» بعض الدوائر في الغرب التي تريد التفريق بين «إيران والبلدان الإسلامية». يجهد الهلباوي في إظهار انشغال البنّا بالوحدة الإسلامية كما تبلورت في أدبياته، ويستشهد بمواقفه إزاء المذاهب الإسلامية على قاعدة «ضرورة الإيمان بالخلاف». ينتقل بعد تكثيف الاستشهادات الوحدوية إلى التطور الذي عرفته العلاقات بين الإخوان وإيران بعد العام 1979، مبرهناً على «بهجة الجماعة» وفرحتها «الشديدة» بالثورة الإسلامية الوليدة. احتل موضوع التقريب بين المذاهب محوراً أساسياً في دراسته، استعان بـ«قيادات الإخوان» لكشف رؤاها في شأن معضلات التقارب مع الشيعة وإيران، محاولاً تأكيد أن الجماعة زمن البنّا تخطت حاجز الافتراق المذهبي التاريخي عبر التقريب الذي آل إلى توطيد الروابط مع شخصيات دينية إيرانية أنتجت لاحقاً ما عُرف بـ«دار التقريب بين المذاهب الإسلامية».
تعقيباً على الهلباوي، قدم الكاتب يوسف الديني دراسة حملت عنوان «الإخوان وإيران: خارج أقواس المذهب داخل أتون السياسة». ينقد الباحث خُلاصات من أسماه بـ«الإخواني البديل» مفصلاً الكلام حول العلاقة التي أرساها مع إيران والتي تلخص في رأيه «مجمل مسيرته النضالية ذات الصوت العالي في دعم مواقف الإخوان وتقديمهم كخيار معتدل». وبعد تقديم مطالعات وشواهد تاريخية موجزة من بينها «مؤتمر النجف الشهير» (1156هـ/ 1743م) يخلص إلى القول إن الإخوان ليسوا «رواد التقريب». يقرأ الديني ورقة الهلباوي انطلاقاً من ثلاث مسائل أساسية: «التشيّع السياسي»، و«صعود الهوية الشيعية»، و«الثورة الإسلامية»، ليخرج بخلاصات من بينها أن شعارات التقريب والوحدة تحمل في ظاهرها طابعاً دينياً إلاّ أنها في الباطن والعمق لها «مضامين ومآلات سياسية لتأسيس حكومة ثيوقراطية تواجّه كل الأنظمة التي تختلف معها، كما تواجّه الغرب المشيّطن، وإن بدا التصالح معها بشكل مرحلي خياراً إستراتيجياً».
رصد الباحث التونسي شكري الصيفي علاقة الإخوان المسلمين بإيران في سياق ثلاثة مسارات زمنية: زمن الصحوة الإسلامية السنيّة في الثمانينيات من القرن العشرين، وزمن صعود الشيعة ما بعد سقوط النظام البعثي في العراق وتفجر النزاع الطائفي، وزمن «الربيع العربي» وتداعياته الطائفية والمذهبية. يرى الكاتب أن الثورة الإسلامية في إيران «مثلت أول تجسيد فعلي للمشروع الإسلاموي السياسي لبناء الدولة الإسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية» وتابع قائلاً: «هذا الهدف لطالما حلم به الإخوان، التنظيم الأهم والأوسع في العالمين العربي والإسلامي».
سعى أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة البلقاء التطبيقية (الأردن)، نبيل العتوم، في بحثه «ثورة 25 يناير المصرية رؤية إيرانية» للإجابة عن سؤالين: هل أثرت الثورة الإسلامية الإيرانية في مصر الثورة؟ وإلى أي مدى تعتبر ثورة 25 يناير (كانون الثاني) امتداداً للثورة الخمينية وتجسيداً لأهدافها؟ رأى الكاتب أن طهران بنت آمالاً على الثورة المصرية إذا ما قورنت بـ«الثورات الأخرى». وفي سبيل وضع خريطة طريق تكشف عن خطوط التماس بين الثورتين، ركز العتوم على الأفكار الآتية: أولها، شرح الثورة الإسلامية والإلهام الشعبي؛ وثانيتها، توضيح أوجه التشابه بين ثورتيّ إيران ومصر؛ وثالثها، شرح ظروف الثورة الإسلامية الإيرانية، وفضلها في إعطاء النماذج للثورات الأخيرة، وتحديداً لثورة 25 يناير (كانون الثاني).
حاول الباحث المصري ماهر فرغلي في دراسته «الإخوان وإيران: اختراق الأمة المصرية» تبيان أهداف إيران وحركة الإخوان من مصر، متسائلاً عن مكمن الخطر في العلاقة المتجذرة بين الطرفين. يخلص الكاتب الذي استشهد ببعض الوقائع والوثائق، وتحدث عمّا أسماه «مرتكزات السيطرة والتوغل» إلى نتيجتين: الأولى، أن ثورة 30 يونيو (حزيران) لم تُسقط الخطر الإيراني المحدق بمصر؛ والثانية، الخطر الإخواني لا يزال قائماً بسبب التنسيق مع جماعات جهادية مسلّحة للقيام بأعمال عنف رداً على عزلهم من الحكم.
خصّص المركز لهذا العدد ثلاثة تقارير، الأول، «تركيا وسياساتها في عيون أميركية وأوروبية»؛ والثاني، «ليبيا في عيون الاتحاد الأوروبي»؛ والثالث «السياسات الأوروبية تجاه ليبيا».
قدم التقرير الأول الذي أعده الباحث الأميركي جوزيف براودي تحليلاً للمقاربة الأميركية للوضع التركي في ما يتعلّق بستّ قضايا مهمة: الاقتصاد التركي، والأزمة في سوريا، والمسألة الكردية، والمسألة الأرمنية، والموقف تجاه «حزب العدالة والتنمية»، وردود الفعل التركية على انتقال السلطة في مصر في الصيف الماضي، حيث تُؤخذ أيضاً وجهات النظر الأوروبية إزاء كل عنصر من العناصر المذكورة آنفاً في الاعتبار.
عالج الباحث الإيطالي في شؤون الشرق الأوسط، آرتورو فارفيلي، في التقرير الثاني موقف الدول الأوروبية حيال ليبيا ما بعد القذافي. ورغم ما تتضمنه اتجاهات الاتحاد الأوروبي من تشعب وتعقيد إزاء ملفات شائكة تدخل في صلب الموضوع الليبي، يبقى الهاجس الأهم الذي يشغل صنّاع القرار هو نشاط تنظيم القاعدة في جنوب ليبيا، إثر التدخل الفرنسي في مالي. يرى الخبير في العلاقات الإيطالية – الليبية أن سياسة الأوروبيين تتلاقى ضمن ثلاثة محاور: فرض الحكومة المنتخبة؛ وإعادة هيكلة وتعزيز قوات الأمن الليبية، ومساعدة الليبيين في عملية بناء الدولة، يُضاف إليها تأكيد الدور الأوروبي في المنطقة.
التقرير الثالث والأخير، قدم نوعاً من التقويم للسياسات الأوروبية تجاه ليبيا، راصداً اتجاهين: أولها، تسليط الضوء على المصالح الأوروبية الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى ليبيا؛ وثانيها، تقديم أمثلة على التدابير الأوروبية المتخذة في خدمة هذه المصالح.