تقديم
أحدث سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر صدمة زلزالية لتيارات الإسلام السياسي في العالم العربي. كان متوقعاً أن ينهار “حكم المرشد” لعوامل عدة بعضها يرتبط بنهج الجماعة التي لا تملك الخبرة الكافية في إدارة شؤون الدولة، بعدما وفدت بالصدفة التاريخية من المساجد إلى السلطة، وأخرى لها علاقة بإستراتيجية التمكين واللهفة الشديدة لأخونة المؤسسات الرسمية.
لم يتوقع الإسلاميون العرب أن يتصدروا مواقع القرار في دول الحراك العربي؛ تفاجأوا كما تفاجأ كثيرون، خصوصاً إذا ما قورنت نتائج صناديق الاقتراع مع الشعارات المدنية والحقوقية التي رفعها “ثوار الميادين” والتي تتناقض مع الأيديولوجية الإسلاموية المغلقة.
فشل الإخوانية المصرية، الحركة الأم، دفع ويدفع الحركات الإسلامية التي اختارت العمل السياسي إلى إعادة صوغ التوجهات، وربما إجراء مراجعات جادة تلافياً لتكرار السيناريو المصري. حركة النهضة في تونس دخلت في صراع مع الليبراليين واليساريين الخائفين على إنجازات الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وعلى هوية الدولة، حزب العدالة والتنمية في المغرب يواجّه تحديات حكومية عدة، إخوان الأردن شهدوا أول انشقاق عملي في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الجماعات المعارضة في البلاد، وأعلن التيار الجديد عن مبادرة إصلاحية أطلق عليها اسم «زمزم» أفصحت عنها في وقت سابق شخصيات محسوبة على الحمائم داخل التنظيم.
ما بعد 30 يونيو 2013 ليس كما قبله. إنه النكسة الكبرى بالنسبة لحركة الإخوان المسلمين في مصر. وفي سبيل الإضاءة على هذا الحدث المفصلي واكب كتاب المسبار الشهري “الإسلاميون العرب وصدمة 30 يونيو” في عدده الثاني والثمانين، أكتوبر (تشرين الأول) 2013، الانعطاف الإخواني والسيناريوات المتوقعة وكيفية تعاطي الحركات الإسلامية مع المشهد المصري الطارئ.
افتتح أولى الدراسات الأكاديمي والباحث التونسي أعلية علاني. تطرق إلى الأخطاء التي وقعت فيها حركة الإخوان وفي مقدمها تحويل الصراع بين السلطة والمعارضة عن طابعه الاقتصادي والاجتماعي إلى صراع على الهوية. يبرز الكاتب في ورقته البحثية انعكاسات سقوط الإسلاميين في مصر على حركة النهضة، وقبل أن يقدم قراءة استشرافية يتحدث عن دور حركة النهضة في المرحلة الانتقالية. ما إن أرسى “الإسلاميون النهضويون” قواعدهم في الحكومة الجديدة حتى تصادموا مع المعارضة الخائفة “على تغيير نمط المجتمع” التونسي. بعدما أبرز علاني المماحكة السياسية والأمنية التي لجأت إليها حركة النهضة سواء في علاقتها مع المعارضة أم السلفيين وكذلك الاغتيال السياسي الذي تعرض له معارضون، رأى أن “اختفاء الإخوان عن المشهد السياسي الرسمي (في مصر) سيستغرق بعض الوقت، في ظل تواصل إيقاف رموز التنظيم، ورفض ما تبقّى من قيادات الإخوان فتح جسور الحوار مع السلطة الجديدة”. رغم هذا السيناريو القاتم يستحضر الكاتب فرضية أن يشكل الجيل الشبابي الإخواني محاوراً محتملاً للسلطة. والحال كيف سوف ينعكس سقوط الإخوان على حركة النهضة؟ وهل بدأ العد التنازلي؟ يقول الباحث أن التنازلات “المؤلمة” من قبل إسلاميي تونس إثر الحدث المصري ومن ضمنها مناقشة القبول بالخروج من الحكومة، وتشكيل حكومة مستقلة، وإنهاء الدستور، وتحديد تاريخ نهائي للانتخابات، يؤشر إلى نهاية تيار الإسلام السياسي كتجربة في الحكم لا كتيار أيديولوجي. يخرج علاني في جملة من الخلاصات والاستنتاجات الهامة يمكن إيجازها بفكرتين: أولها، لن يتمكن الإخوان في مصر من استيعاب الصدمة على مستوى إعادة التنظيم؛ ثانيها، بقاء حركة النهضة في الحكم مستقبلاً سيكون في حجم أقل ومن الصعب أن تتحكم في العملية السياسية.
تحت عنوان “العنف السياسي زمن الإسلاميين: تونس أنموذجاً” يتساءل الباحث التونسي منذر بالضيافي ما هي مسؤولية الحركة الحاكمة عن الاغتيالات وتصاعد وتيرة العنف السياسي الحاصلة خلال فترة حكمها؟ وهل تساهلها مع العنف الذي مارسه التيار السلفي سيكون حاسماً في إخراجها من الحكم؟ لا يُخفي الكاتب حال الإرباك التي تشهده الحركة في ظل أربعة معطيات أساسية: تنامي العنف السياسي والأعمال الإرهابية والتغاضي عنهما، والعلاقة الخفية مع السلفيين، وتراجع شعبية الإسلاميين، وتضافر قوى المعارضة، وسط الحديث عن جهاز سري تابع للحركة على شاكلة “المجموعة الأمنية” نهاية التسعينيات، يضاف إليه الروابط المشبوهة مع السلفيين. يخلص بالضيافي إلى أن النهضة تنجذب “إلى إرث الاتجاه الإسلامي وهو إرث سلفي في جوهره” وهي غير قادرة على تجاوزه “وإخضاعه إلى قراءة نقدية من أجل تحرير الفكر والممارسة السياسية”. في الخلاصة يرى الكاتب أن تفجر العنف في تونس يفشل حكم الإسلاميين وأن حركة الإسلام السياسي فشلت في إدارة الشأن العام، وقد تسير على خطى المثال المصري، وإن بأشكال وفاعلين مختلفين.
سعى الباحث المغربي إدريس لكريني في دراسته إلى الإجابة عن إشكالية أساسية: ما هو مستقبل حزب العدالة والتنمية المغربي إثر سقوط الإسلاميين في مصر؟ قبل أن يضعنا في السياق التحليلي والرصدي، يسلط الضوء على أهم التحديات والصعوبات التي واجهت الحكومة التي يغلب عليها الإسلاميون. يرى مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات (المغرب) أن تداعيات سقوط الإخوان في مصر على حزب العدالة والتنمية ستؤثر “حتماً على أدائه لتجاوز بعض الأخطاء التي سقط فيها تحت محك العمل الحكومي” وستجبره على “تلافي المبالغة في الثقة بالنفس، وتوخي أساليب أكثر واقعية وانفتاحاً في تدبير شؤون التحالف الحكومي وفي التعامل مع الخصوم السياسيين”.
تناول الباحت الأردني محمد العواودة ارتدادات سقوط الإسلاميين في مصر على الحالة الأردنية. رأى أن عزل الرئيس المصري محمد مرسي شكل ارتكاسة للمشروع السياسي الإخواني في الأردن، الذي سبق له رفع سقف مطالبه السياسية تدريجياً، بالتزامن مع قيام ثورات الربيع العربي. يرصد الكاتب الاضطراب الذي حل بإخوان الأردن إثر 30 يونيو، إذ قدموا خطاباً سياسياً ارتدادياً غير متوازن. يتحدث العواودة عن الخطوات الإصلاحية التي قام بها إخوان الأردن، ويقسمها إلى حقبتين: رؤيتهم في ما عُرف بـ “وثيقة 2005″؛ وتفاعلهم مع أحداث الربيع العربي ما دفعهم إلى رفع مستوى المطالب وتوجيه نقد صريح لمؤسسة الحكم، خصوصاً بعد تعليق الجماعة عضويتها في لجنة الحوار الوطني التي أطلقها النظام كخطوة استباقية لمد حركات الاحتجاج. تحت عنوان فرعي “إخوان الأردن ونكسة ما بعد مرسي” يتطرق الباحث إلى “مبادرة زمزم” التي اعتبرها متابعون للشأن الإخواني بمثابة تراجع لقوة الإخوان عموماً. وإذ يحدد أبرز عوامل التراجع من بينها “بروز الاختلافات الأيديولوجية والسياسية بين القوى والتيارات المكوِّنة” للجماعة، ينهي ورقته بالتصور الذي قدمه الباحث الأردني إبراهيم غرايبة الذي استبعد توجه الإخوان باتجاه السيناريو المصري، معتبراً أن الأنموذج المغربي مرشح لتطبيقه في الأردن مستقبلاً.
تطرقت الدكتورة نادية سعد الدين إلى المبادرة “الإصلاحية” التي أطلقتها قيادات من الإخوان المسلمين في الأردن والتي عرفت تحت مسمى “زمزم”. هذه الخطوة وصفها البعض بأنها أكبر انشقاق عملي في صفوف الجماعة خصوصاً ممن يشكلون التيار “الحمائم” داخل التنظيم. قرأت الأكاديمية الأردنية أبعاد الإعلان عن المبادرة رغم الإشكاليات التي رافقت انطلاقتها. سعت إلى تبيان خطوط التلاقي والاختلاف بين الحركة الجديدة وتنظيمها “الأم” والحالة التي تمثلها انطلاقاً من كونها إصلاحية أو انشقاقية. رصدت موقف الجماعة الإسلامية منها، ومصير العلاقة البينية، كما توقفت عند ملابسات توقيت المبادرة والخطاب الذي تطرحه، ورؤيتها السياسية حيال القضايا الداخلية والخارجية، وعلاقتها بالقوى والأحزاب والفعاليات السياسية الأخرى في الساحة الأردنية، والعلاقة مع الدولة، إضافة إلى تأثير المتغيّرات الجارية في المنطقة على إرهاصات تحركها. خلصت سعد الدين إلى أن أفكار المبادرة شكلت تحوّلاً بنيوياً في طبيعة عمل جماعة الإخوان، وتجديداً لخطابها، وانعتاقاً من خلافاتها الداخلية الدائرة منذ سنوات، من خلال الخروج “بإطار وطني جامع” وفق قواعد التغيير السلمي والإصلاح المتدرج والتشبيك التوافقي، بما يشكل، في حال نفاذه، انبعاثاً جديداً ونقلة نوعية، ليس فقط في العمل الإسلامي، وإنما السياسي أيضاً.
حاول الباحث المغربي منتصر حمادة الإحاطة بالسيناريوات كافة التي يمكن أن تلجأ إليها حركة الإخوان المسلمين بعد عزل الرئيس محمد مرسي. يعتقد الكاتب أن ثمة محددات مغذية ومانعة في آن، لولادة جبهة إخوانية جهادية. من بين التوقعات التي يتحدث عنها والتي تندرج في سياق تغذية خيار اللجوء إلى العنف لدى الجماعة، “دخول بعض رموز التيار الجهادي على الخط المصري من أجل إقناع التيار الإسلامي السياسي بأهمية الخيار الجهادي”. بعد عرضه لمجمل الاحتمالات التي قد تلجأ إليها الجماعة، يشير إلى أن تاريخ 30 يونيو (حزيران) سيؤسس لثلاثة تيارات: الأول، ارتفاع منسوب التشدد لدى بعض قيادات الإخوان الذين سيتجهون إلى العنف؛ والثاني سيراجع هذا الخيار كي يسهم في تقليص مخاوف التيارات السياسية المنافسة؛ أما التيار الثالث سيُؤسّس ويُقعّد أطروحات الباحث الإيراني آصف بيات الذي يعود له سبق التنظير لأطروحة “ما بعد الإسلاموية” Post Islamism.
يضعنا أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة البلقاء التطبيقية (الأردن) الدكتور نبيل العتوم أمام مادة رصدية طاولت المقاربة الرسمية والإعلامية الإيرانية لـ “ثورة 30 يونيو”. يلاحظ الأكاديمي الأردني أن الخطاب الرسمي في طهران اتخذ طابعاً متذبذباً في رؤيته لحقبة ما بعد عزل الرئيس محمد مرسي. القيادة الإيرانية التي سبق لها أن وصفت على لسان المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي “ثورة 25 يناير” بالصحوة الإسلامية، تبدو اليوم مربكة بعد انكسار شوكة الإسلاميين في مصر، رغم تصاعد اللهجة السياسية البراغماتية. على مستوى وسائل الإعلام (الصحافة وغيرها) تباينت مواقف التيارات السياسية الإيرانية، الإصلاحية منها والمحافظة. رأى المحافظون أن الإطاحة برئيس منتخب يُعد أمراً غير مقبول، وقارنت الصحف الناطقة باسمهم بين إسقاط النظام من قبل الجيش المصري، وما حدث في إيران عام 1953 حين قام الجيش الملكي آنذاك بانقلاب عسكري ضد حكومة الدكتور محمد مصدق. على الضفة الإصلاحية يرصد الكاتب اتجاهين: الأول اعتبر أن ما حدث في مصر ليس انقلاباً، بل جاء تلبية لإرادة الشعب المصري الذي بات يخشى على أمن واستقرار الدولة المصرية من تصرفات المجموعات الإسلامية؛ والثاني، ركز على شخص الرئيس مرسي، حيث اعتبره بعض وسائل الإعلام الإصلاحية، أنه أثبت خلال فترة حكمه كونه ليس رئيساً لكل المصريين.
قدم الباحث المغربي المختص في علم الاجتماع الديني والسياسي عكاشة بن المصطفى ورقة حملت عنوان “الإسلام الصوفي والحركي: الأصول، الالتقاء، الاختلاف (المغرب أنموذجاً)”. تطرق إلى كيفية تعامل النظام الحاكم مع الإسلام السياسي من جهة والصوفية من جهة أخرى. تنهض القاعدة الأساسية لهذا التعامل على سحب المشروعية من أي طيف إسلامي يعمل على استغلال الديني والسياسي على اعتبارهما الفضاء الذي يندرج في حقل وظائف الدولة. يشدد الكاتب على إدراك السلطة لخطورة تهديد الإسلاميين لكيانها، ما يدفعها إلى استخدام مختلف الوسائل لصدهم، من ضمنها تشجيع الزوايا والجمعيات الصوفية.
حملت دراسة العدد عنوان “الحركة الأربكانية: مشروع الفكر الوطني في تركيا”. عرض الأكاديمي المصري والباحث في الشؤون التركية الدكتور طارق عبد الجليل في ورقته البحثية تاريخ الحركة الأربكانية وتطورها السياسي والفكري. رصد واقع الحركة والحجم الحقيقي لدورها. تناول “مشروع الفكر الوطني”، أسسه وأهدافه، كما أرساه نجم الدين أربكان وبلوره في مشروع نهضوي نشره في كتاب حمل عنوان “مللي غوروش” أي “الفكر الوطني” عام 1975.
قدم عضو هيئة التحرير في مركز المسبار إبراهيم أمين نمر قراءة لكتاب “انتحار الإخوان” للمؤلف عمار علي حسن. يفند الكاتب المصري العوامل التي قوضت شعبية جماعة الإخوان المسلمين، مفصلاً الأسباب التي دفعتهم إلى الفشل في إدارة الدولة. جاء الكتاب من ثلاثة فصول حملت العناوين الآتية: عيوب ذاتية، ومشكلات مع آخرين، وبدائل فكرية وحركية.
في الختام يشكر مركز المسبار الباحثين الذين شاركوا في هذا الكتاب ويخص بالذكر الزميل عمر البشير الترابي الذي نسَّق العدد وأشرف عليه.
رئيس المركز