ثمة تحليلات عديدة حول شكل القاعدة وتطوراتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، منها أن القاعدة بعد هذه الأحداث تحولت من تنظيم إلى حالة قابلة للتقصي والتمثل من قبل تنظيمات فرعية وقطرية أخرى، خاصة في عملياتها وقدراتها التفجيرية، وهو ما تجلى مثلا في تفجيرات بومباي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 أو تفجيرات سيناء في مصر في يوليو (تموز) سنة 2005، حيث لم تثبت التحقيقات وجود اتصال فعلي مع القاعدة، ولكن كان ملحوظا وجود تمثل لعملياتها وتقنياتها في تنفيذ عملياتها من قِبَلِ المجموعات المسلحة الأخرى.
كما أن هناك مدخلا تحليليا آخر يرى أن القاعدة بعد أزمتها التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد تحولت من العالمية إلى الإقليمية، وهو ما تمثل في ظهور فروع لها في عدد من بؤر الصراع أو مناطق التوحش -حسب تعبير أحد منظريها (أبي بكر ناجي) صاحب «إدارة التوحش»- فظهر تنظيم القاعدة في السعودية سنة 2003 ثم انضم لها خلال عام 2004 أبو مصعب الزرقاوي وتنظيمه في العراق، ممثلا لما بات يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وفي عام 2007، انضمت لها الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، التي تسمت مع تنظيمات جهادية أخرى بالقاعدة في المغرب الإسلامي، وتواتر الانتساب للقاعدة فظهرت تسميات كتنظيم القاعدة في جنوب الجزيرة (اليمن) وظهر ما يعرف «تنظيم القاعدة في أرض الكنانة»، بزعامة الحكايمة عضو الجماعة الإسلامية المصرية المنشق.
كل هذه التسميات دلالات على ما ندعوه «التمدد»، سواء كان تحول القاعدة من تنظيم إلى حالة، أو تحولها من العالمية إلى الإقليمية والقطرية؛ وهو ما يسعى هذا الإصدار السادس والعشرون الذي يأتي عنوانه: «القاعدة 2 – التمدد» بعد أن كان إصدارنا الرابع والعشرون بعنوان «القاعدة 1 – التشكل»، وستظل متابعتنا للقاعدة وتطوراتها قائمة في إصداراتنا القادمة كذلك.
وقد حرصنا في دراسات هذا الكتاب أن تأتي كاشفة عن الوجه الأعمق لهذا التمدد، الذي قد يخفي أزمة التنظيم الأم، وهي أزمة متعددة الأبعاد والجوانب اللوجيستية والفكرية، لوجيستية في جوانب كالحصار والتمويل والمتابعة، وفكرية نتجت عن المراجعات التي صارت تشبه أدب النقائض القديم، لما احتوته من اتهامات بين الرفقاء السابقين في القاعدة.
كان انضمام الزرقاوي للقاعدة هـو الحدث الأبرز في تمدد القاعدة، وكان الأكثر زخما إعلاميا حتى وفاته عام 2006 من هنا تأتي دراسة مروان شحاده: «الزرقاوي واستراتيجية القاعدة في العراق»، والتي ينطلق فيها الكاتب من فرضية مبدئية وهي أن سوء التخطيط لعمليات ما بعد الحرب على العراق في العام 2003، شكلت إخفاقا كبيراً وخطأ استراتيجياً أدى إلى تفاقم المشكلات في هذا البلد، ووفر مناخاً مناسباً لبروز تنظيم الزرقاوي الذي عرف في ما بعد بتنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين».
ثم تأتي دراسة الدكتور إدريس لكريني «القاعدة في المغرب العربي.. الصعود والأزمة» والتي يتتبع فيها الكاتب مسار وتطور القاعدة في المغرب العربي منذ يناير (كانون الثاني) 2007، حين أعلنت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الجزائر عن تغيير اسمها إلى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بعد مشاورات مع زعيم القاعدة في هذا الشأن، حتى الآن، وهي دراسة تكشف عن تمدد القاعدة وعن أزمة تنظيماتها القطرية في الآن نفسه.
ثم يتناول الدكتور سمير غطاس في دراسته «القاعدة في فلسطين وإسرائيل» تأثيرات القاعدة وكيف استفادت إسرائيل من وجودها وتهديدها الخطابي لها دون أي تهديدات عملية حقيقية، كما يرصد صعود وارتباط عدد من التنظيمات الفرعية، وعددها سبعة -كما تحدد الدراسة- وهي تنظيمات انشق بعضها عن بعض، ونشأ بعضها الآخر مستقلا ويلتزم أغلبها بمرجعية القاعدة الفكرية وتقصي أدواتها ورموزها ورمزيتها في التسمي بأسماء زعمائها، والانتساب لها، والتزام آلياتها العملية نفسها.
ثم يقرأ الكاتب المغربي منتصر حمادة الجدل الفكري مع القاعدة، واستراتيجية مواجهتها في دراسة بعنوان «القاعدة والغرب: صدام الأصوليات»، والتي ينحو فيها الكاتب منحى يرى أن التعاطي الغربي مع ظاهرة القاعدة إنما هو تعاط أصولي واستعلائي في جوهره شأن خطاب القاعدة نفسه، كما يشير الكاتب إلى إشكالية الاشتباك الداخلي والفقهي مع أطروحات القاعدة والأصولية العنفية بعموم، مؤكدا أن المكافحة الفكرية للإرهاب لازالت بحاجة للكثير من الجهد والمتابعة.
وانطلاقا مما سبق أتت دراسة تحليل مضمون خطاب القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي قام بها مجموعة من الباحثين، وهو منحى قليل في الدراسات العربية حول فكر القاعدة حتى الآن، وتؤكد هذه الدراسة أن خطاب القاعدة لا يقل خطورة عن عملياتها الحربية، ليس لأنه خطاب حرب في المقام الأول، وليس لقدرته الإقناعية، التي يمكن التشكيك فيها، ولكن في كونه أداة التجنيد الأولى لدى التنظيم، إلى جوار جاذبية عملياته التي أوحت بقدرته، مما جذب إلى الانضمام إليه عددا من المجموعات والخلايا الجهادية الأصغر في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، أو على الأقل تتبع حالته كنموذج للعمل الجهادي الإسلاموي المعولم.
ثم تأتي دراسة محمد الأنصاري «أزمة القاعدة بين التمويل والانتشار» كاشفة عن الوجه الآخر لتمدد القاعدة، وهي أزمتها متعددة الأبعاد، التي تمتد من الأزمات اللوجيستية المتعلقة بالتمويل والانتشار وضعف المركز وأزمة الأطراف وسقوط الرموز، إلى الأبعاد الفكرية الناتجة عن المراجعات والجدل الداخلي الذي امتد إلى الاتهام والانشقاق.
أما دراسة الدكتور أحمد الغرباوي «الحرب على الإرهاب القاعدي بين الواقع والمأمول» فترصد التقدم المحرز في الحرب على الإرهاب بعد مرور سبع سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدءا من سؤال ماهيتها منذ بدء التعبير عنها والتعريف بها في يونيو (حزيران) سنة 1992، وآلياتها وإشكالاتها وما تحتاجه حسب قراءات المحللين والمتابعين، حتى صارت تشكل شرعية دولية جديدة، يوصف الخارجون عنها -أو عليها- بالمارقين أو بأنهم محور للشر الذي تجب مواجهته، وهو ما تؤكده الدراسة، حيث لا يقف استخدامها عند القاعدة، ولكن يتناول مختلف التنظيمات والدول المارقة على السياسة الأمريكية، وتركز الدراسة على الحرب على الإرهاب القاعدي بالتحديد، وتقييم التقدم المحرز في اتجاهه.
ثم تأتي قراءة حسين رفاعي في معركة «التبرئة» و«التعرية»، تلك المعركة التي ثار غبارها بعد مراجعات الدكتور فضل منظر القاعدة والجهاد السابق، التي عرفت بــِ«وثيقة ترشيد العمل الجهادي»، والتي احتوت على اتهامات صريحة لزعيمي القاعدة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري تحديدا، مما حدا بالأخير أن يؤلف رسالته «التبرئة» التي جاءت أضعاف وثيقة ترشيد العمل الجهادي، وتحتوي اتهامات صريحة كذلك للدكتور فضل، الذي رد بدوره برسالته «التعرية», لتثير غبار معارك نظرية وإيديولوجية حادة داخل فكر القاعدة ومنظومة تأسيساتها، لينتقل الجدل إلى داخلها.
أما علاء حمدي فيقدم قراءة لأحد أبرز كتب القاعدة الأخيرة، وهو كتاب «إدارة التوحش» لكاتبه أبو بكر ناجي، والذي يؤسس به كاتبه لاستراتيجية القاعدة في تعاطيها مع العالم وإشكالاته، من منطق يسميه إدارة التوحش في مقابل ما يراه إدارة الفوضى، وهو المنطق الذي يؤكد أهمية الصراع الأصولي الذي تلتزم به القاعدة في إزالة هذا الذي تراه فوضى.
وتأتي دراسة الكتاب ضمن سلسلة العقل الأصولي -التي يوالي كتاب المسبار الشهري متابعتها- بعنوان: «أزمة العقل الأصولي – رفض التعددية أنموذجاً» للدكـتور محمد حلمي عبد الوهاب، حيث يتتبع الكاتب إشكالية الأصولية أحادية البنية مع فكرة التعددية من الأساس، وهو ما يتجلى في ما يستشهد به الكاتب من كتابات وخطابات أصولية عديدة، ويؤكد على أن موقف الأصولية من التعددية لا زال مثقلاً بعبء التاريخ من ناحية، كما أنه لا ينتظم في بوتقة واحدة من ناحية ثانية، وهو ما يتجلى في الرفض الأصولي القاطع للتعددية الدينية خاصة، والسياسية عامة.
وأخيراً يرجو مركز المسبار للبحوث والدراسات، أن يكون قد قدم إسهاما جديدا في محاولات فهم ظاهرة القاعدة، وناقش واحدة من الزوايا المثيرة للجدل، ألا وهي تمدد التنظيم خارج دائرته المركزية، ومدى استمرارية هذا التمدد، والجهود المبذولة لحصار تلك التنظيمات الجديدة، أو التي تبنت أفكار التنظيم الأم وتسمت به، وهذا ما يقود إلى فتح ملف آخر يبحث في مستقبل القاعدة و«أخواتها» أو «أبنائها»، نطمح إلى أن ننجزه في واحد من إصداراتنا المقبلة.