تقديم
في كتاب المسبار الشهري (ديسمبر «كانون الأول» – العدد الرابع والثمانون 2013) المعنون «الإسلام في روسيا: التاريخ والآفاق والقلق»، تناولت الدراسات شؤون الإسلام والحركات الإسلامية بطرفيها الجهادي والسياسي ضمن مجال جيو – استراتيجي شهد تحولات تاريخية كبرى، ليس على مستوى الحقبة الحديثة فحسب، وإنما أيضاً في ذلك التاريخ الأبعد الذي يبدو مؤثراً وخصباً وكثيفاً، على قدر حضوره في الذاكرة الجمعية بكل إثنياتها وأعراقها. وإذا اعتبرنا أن ثمة ما يمكن أن نطلق عليه «الإسلام الروسي» على شاكلة «الإسلام الأوروبي» و«الإسلام الأميركي» و«الإسلام الأفريقي»، ما يؤشر إلى اتساق الدين بحيزه الجغرافي، تفاعلاً وتكيّفاً ودمجاً وتقابلاً، نستطيع القول في ما يتعدى التوصيف: إن حضور المسلمين في الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الاتحادية اليوم والجمهوريات المستقلة، يُعد من أهم الملفات الراهنة التي شغلت المختصين والدوائر البحثية المعنية.
يتابع مركز المسبار في كتابه الموسوم «آسيا الوسطى وشمال القوقاز: السلفيون- الشيعة – الجـهاديون» (يناير «كانون الثاني» – العدد الخامس والثمانون- 2014) قضايا المسلمين وحراكهم التاريخي والسياسي والثقافي على حقب متدرجة بدءاً من روسيا القيصرية (1547 – 1721) مروراً بالإمبراطورية الروسية (1721 – 1917) وصولاً إلى الاتحاد السوفيتي (1922 – 1991) الذي شملت حدوده أغلب مساحة منطقة أوراسيا. وقد غطت الدراسات التي قدمها باحثون مختصون، عرب وأجانب، مناطق عدة مثل: داغستان، وأذربيجان، وجمهوريات قباردينو: (بلقاريا والأديغية وقرشاي شركس) وأوسيتيا الشمالية، وآسيا الوسطى: (أوزبكستان، وتركمانستان، وكازاخستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان).
لم تقتصر البحوث المقدمة على الواقع المعاصر، إذ تناولت مراحل قديمة، كحركة المقاومة ضد روسيا القيصرية في شمال القوقاز التي قادها الإمام شامل (1797 – 1871) القائد الداغستاني والإمام الثالث للحركة المريدية؛ وهي حركة دينية صوفية، على الطريقة النقشبندية، سرعان ما أصبح لها جانب عسكري وسياسي. إلى ذلك تمّ درس الحركة الجديدية (JADIDISM) التي نمت بوصفها تياراً إسلامياً إصلاحياً بين مسلمي الإمبراطورية الروسية في آسيا الوسطى، وتبنت خطاباً ثقافياً تنويرياً أساسه المواءمة بين الإسلام والحداثة.
استهلت الدراسات مع بروفسيور التاريخ في جامعة داغستان حاجي مراد دونغو الذي قدم مادة علمية موثقة عن الإمام شامل الذي قاد حركة المقاومة ضد روسيا القيصرية بدءاً من داغستان. يؤرخ رئيس مجلس إدارة مركز بحوث العلوم الإنسانية (داغستان) في دراسته: «الإمام شامل وحركة مقاومة الروس في الذاكرة القوقازية» لمجمل الظروف التاريخية المحيطة بالحراك العسكري المناهض للقيصرية. في عام 1834 تم اختيار الإمام شامل إماماً لداغستان، وهو من أهالي قرية «جيمري» الذين اتبعوا نهج أسلافهم في النضال. ويقسم الباحث انطلاق الجهاد في شعوب القوقاز، إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى (1829 – 1839) ومن أهم سماتها: توحيد قوى جميع الفئات الاجتماعية الساخطة والغاضبة في حركة قوية واحدة بقيادة الأئمة الثلاثة: غازي محمد (1828 – 1832)، الإمام جامزات (1832 – 1834)، الإمام شامل. المرحلة الثانية (1840 – 1852) يصفها المؤرخون بأنها «العصر الذهبي للإمام شامل»، حيث فتحت الشيشان ذراعيها له ولقي تأييداً كبيراً من كبار القوم مثل: حاجي تاشو، والملا شعيب، وماجوما أخفيردي وآخرين، وتميزت هذه المرحلة في سنوات الأربعينيات من القرن التاسع عشر بكونها أفضل فترات نضال شامل، بعدما نجح في توحيد قوى الجماعات الجهادية في داغستان والشيشان ما أعطاه دعماً كبيراً. أما المرحلة الثالثة (1853 – 1859) فقد ترافقت مع أزمة اقتصادية تعرض لها بعد النضال الطويل والشاق سكان الجبال، واستعادت القوات الروسية والنواب المحليون قوتهم ونفوذهم، كما تقاطعت مع توتر علاقات الإمبراطورية الروسية مع تركيا بشكل ملحوظ، واندلعت الحرب بينهما. ويصل دونغو بعد السرد التاريخي الوافي لحركة مقاومة الإمام شامل إلى نتيجتين: الأولى، أن حركة التحرر التي قادها تعتبر من أهم الأحداث في تاريخ القوقاز في القرن الـتاسع عشر، إذ كان لها تأثير كبير في التاريخ الوطني والعالمي. والثانية، أن نتائج الحرب في القوقاز أفضت لانضمام الشيشان وداغستان وشمال غرب القوقاز بالقوة إلى الإمبراطورية الروسية، لكن ثمة جوانب إيجابية، حيث تمكنت شعوب المنطقة من تطوير اقتصادها وأنظمتها السياسية والثقافية، غير أن المشكلات المترسبة بقيت بعد حقبة الاتحاد السوفيتي واستمرت حتى الآن في روسيا الحديثة.
تناول الأكاديمي الأميركي أديب خالد «الحركة الجديدية» في آسيا الوسطى، وقد شهدت هذه المنطقة أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ولادة حركات معاصرة في العالم الإسلامي ضمن سياقات سياسية مختلفة، طالبت بالتوافق بين الإسلام والحداثة. يستند أستاذ الدراسات الآسيوية والتاريخ في كلية كارلتون (الولايات المتحدة الأميركية) إلى المنهج التاريخي المقارن، وعرض في دراسته القيّمة التيار الإسلامي المعاصر الذي انتشر بين مسلمي الإمبراطورية الروسية، والذي أُدرج تحت مسمى «الجديدية»، ففي المناخ السياسي للإمبراطورية الروسية الذي منع فيه الحكم الاستبدادي أي صورة من صور النشاط السياسي، برز التعليم والإصلاح الثقافي، وجاءت تسمية «الجديدية» من تأييد النهج الجديد الداعي إلى اتباع نهج جديد لتعليم الأحرف العربية في المدارس في إشارة واضحة إلى مركزية الإصلاح التعليمي في الحركة. وحدّد الباحث الذي له كتاب تحت عنوان (The Politics of Muslim Cultural Reform: Jadidism in Central Asia – سياسات الإصلاح الثقافي الإسلامي: الجديدية في آسيا الوسطى) أصول وملامح وأفكار الحركة الجديدية، كما تحدث عن نهايتها بعد عهد الثورة الروسية عام 1917، وعلى الرغم من أن وحدة الرؤية جمعت الجديديين والبلاشفة حول قضايا الإصلاح -وإن كان على مضض- فقد تبدل هذا الالتقاء، بسبب تغير الأولويات، إذ لم يهتم الشيوعيون بدعم الجديديين في تطبيق مشروعاتهم الإصلاحية، وكانت لديهم رؤيتهم الطوباوية التي سعوا إلى تطبيقها في العالم كله، وهي الرؤيا المثالية لنظام الشيوعية اللاطبقية. أحاطنا الباحث بمتغيرات الحياة الإسلامية خلال الحقبة السوفيتية، وختم بحثه ببعض الملاحظات عن الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى في عهد ما بعد الاتحاد السوفيتي. وإذا أردنا إيجاز خطاب الجديديين، طبقاً للتعريف الذي قدمه أديب خالد، فيمكن القول: إنه «نهج فكري/ تنويري يعد التقدّم والتحضّر من الظواهر العالمية المتوافرة للمجتمعات كافة، ولكن لا يمكن كسبهما إلّا بالجهود المنضبطة والتنوير، وليس في الإسلام ما يمنع المسلمين من مواكبة العالم المتحضر، وبالتأكيد بالنسبة للجديديين أنّ المسلم الصالح لن يكون سوى الإنسان المعاصر المسلّح بالعلم وفقاً لمتطلبات العصر».
في دراسة نوعية كتب الباحث الأردني المختص في الشؤون الشركسية علي محمد كشت عن القضية الشركسية والحركات الإسلامية في جمهوريات قباردينو (بلقاريا والأديغية وقرشاي شركس)، راصداً في الوقت نفسه كرونولوجيا المعاناة والتهجير التي تعرض لها الشركس، أحد الشعوب الأصلية لمنطقة شمال القوقاز والذين ينحدرون من العرق الآري. واجّه الشعب الشركسي -كما يبين الكاتب- في موطنه -وما زال- ويلات الاحتلال الأجنبي، فقد عانى أكثر من غيره من شعوب شمال القفقاس، منذ عدوان روسيا القيصرية عام 1722، والذي استمر حتى عام 1864 وانتهى باحتلال روسيا القيصرية لأراضي الشعب الشركسي الذي يدين بالإسلام. ويشير الناشط في مجال متابعة قضايا الشركس إلى أنه وحسب المصادر الرسمية الروسية بقي في شركيسيا (الاسم الذي كان يطلق على المناطق والأقاليم الشركسية) نحو 80 ألف شخص فقط من أصل مليون ونصف المليون شركسي، والأكثرية العظمى كان مصيرها إما القتل أو الطرد إلى الإمبراطورية العثمانية آنذاك، بعد انتهاء الحروب الروسية – القفقاسية عام 1864، بحيث أصبحت نسبة الشركس الذين يعيشون في الخارج ما يقارب 80% من مجموع تعداد الشعب الشركسي. بعد هذا الاستهلال التاريخي تطرق كشت في بحثه إلى ثلاثة موضوعات أساسية: الأول، طبيعة الحركات الإسلامية الموجودة في مناطق الشركس وأهدافها. والثاني، أعلام الحركات الإسلامية وتطورها التاريخي. أما الثالث، ارتباطات الحركات الإسلامية في الجمهوريات الشركسية إقليمياً ودولياً.
«الحركات الإسلامية الشيعية والسنية في أذربيجان» عنوان دراسة قدمها عميد كلية الشؤون الدولية في جامعة «DAD» (داغستان) أنار فالييف عالج فيها خريطة الحركات الإسلامية هناك. يشير الباحث المختص في شؤون السياسة العامة لجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتي إلى التمييز الذي وضعه محللون بهدف تعريف الحركات الإسلامية في أذربيجان، حيث قسمت إلى جماعتين: تقليدية وغير تقليدية، كما ميزوا بين نوعين من الإسلام من خلال هذا التقسيم: المحليين والمستوردين. رصد فالييف في ورقته البحثية الإسلام الحركي والسلفي والجهادي على الضفتين: الشيعية والسنيّة، مركزاً على ثلاثة محاور: الحركات الشيعية التقليدية والراديكالية، وحركات نوركو السنية، والسلفية. من بين النقاط المهمة التي يكشف عنها فالييف، في معالجته للإسلام الشيعي الراديكالي: تدريب المئات من الشباب الأذربيجاني في مخيمات حزب الله الإيراني، وكان لهم الخيار بعد تخرجهم؛ إما العودة إلى منازلهم لنشر أفكار حزب الله أو المحاربة في لبنان ضد إسرائيل، كما يلفت إلى أنه في فبراير (شباط) 1997، اغتيل في باكو عالم أذربيجاني مشهور، هو الأكاديمي زيا بنيوتوف، على يد حزب الله الذي اعتبر هذا العالم عميلاً للموساد الإسرائيلي وأنه يبشّر بالصهيونية في أذربيجان. ومع تأكيد الباحث أن دعاة السلفية الأوائل وصلوا أذربيجان من شمال القوقاز بداية التسعينيات، يحاول تفسير الأسباب المؤدية إلى انتشار السلفية وقد أدرجها في ثلاثة عوامل رئيسة: أولها، تشكيل السلفيين من السنة ومن الأقليات العرقية، وقد اعتبر هذا الأمر جيداً لأنه يشكل التوازن في وجه التأثير الإيراني المتزايد في أذربيجان. ثانيها، أدى الاستقطاب السريع وإفقار المجتمع في أذربيجان إلى الانتشار الواسع للمؤسسات التقليدية والأفكار الديمقراطية الغربية الحديثة، وقد تمكن السلفيون من الدخول في وسط كل هذا السخط العميق بانتقاد فساد الحكومة وهبوط الأخلاق العامة والتقاليد إضافة إلى تزايد الجريمة في البلاد. وأخيراً، انتشار السلفيين الذي بدأ مع التنافس الطائفي بين السنة والشيعة.
يدرس الأكاديمي الكندي أندرو مكغريغور في ورقته الجماعات الإسلامية في آسيا الوسطى وارتباطاتها الخارجية، متناولاً طبيعتها وأماكن انتشارها وعلاقاتها الخارجية. وزعت هذه الجماعات على الحركة الإسلامية الأوزبكية التي لها علاقات متينة مع جماعة طالبان الباكستانية، وحركة الجهاد الإسلامي (وهي حركة منشقة عن الحركة الإسلامية الأوزبكية) التي عملت على بناء صلة بين الجهاد في آسيا الوسطى وأوروبا، وحزب التحرير الذي يروّج إلى إنشاء خلافة إسلامية في آسيا الوسطى تكون سبّاقة لخلافة إسلامية عالمية وكذلك للتطبيق الكامل للشريعة الإسلامية، وقد صنفت السلطات الحزب كجماعة مسلحة؛ كونه يملك أجندة سياسية أصولية لا تقل خطورة عن أي جماعة مسلحة، وأخيراً جماعة التبليغ التي تدعو هي الأخرى لإقامة خلافة إسلامية، وذلك بعد إنجاز إصلاحات جذرية في المجتمع الإسلامي، علماً بأن الجماعة حظرت في طاجيكستان منذ عام 2006 عقب إعلان السلطات أن الحركة كانت تهدف إلى زعزعة النظام الدستوري من أجل دولة الخلافة. يخرج مكغويغور في جملة من الاستنتاجات لعل أبرزها: أن الحركات الإسلامية المسلحة في آسيا الوسطى لديها سمةٌ مشتركة متمثلة في أن طموحاتها تتجاوز قدراتها العسكرية، وأن «المجاهدين» ليسوا الجماعات المسلحة الوحيدة النشطة، بل إنهم على الأرجح الأقل عدداً وانتشاراً، فهناك مجموعات تعمل في تهريب المخدرات بسبب الحدود المفككة التي يسهل اختراقها.
حملت ورقة الأكاديمي الروسي ميخائيل روشين عنوان «الحركات الإسلامية في داغستان وأوسيتيا الشمالية»، وقد قارب في بحثه الميداني واقع الحركات الإسلامية في هاتين المنطقتين. يذكر أن أوسيتيا الشمالية هي جمهورية ذات حكم ذاتي في روسيا الاتحادية عاصمتها فلاديقوقاز، أما داغستان فهي إحدى الكيانات الفدرالية في روسيا، وتقع في جنوب الجزء الأوروبي في منطقة القوقاز على طول ساحل بحر قزوين، وكان يوجد فيها قبل ثورة 1917 أكثر من 1700 مسجد وكذلك ما يقرب من 356 كاتدرائية تحولت إلى مساجد. يضعنا كبير محللي الأبحاث في معهد الدراسات الشرقية في موسكو أمام بانوراما تاريخية موجزة عن حال الإسلام والمسلمين في داغستان وأوسيتيا الشمالية إبان حقبة الاتحاد السوفيتي قبل أن ينتقل للحديث عن انتعاش الجماعات الإسلامية، السلفية والصوفية، إثر تفكك المنظومة الشيوعية، على الرغم من أن للسلفيين والصوفيين وجوداً في العهد السوفيتي. ظهرت السلفية في داغستان -كما يشير الباحث- نهاية الثمانينيات، بحيث يمكن التمييز بين فرقتين سلفيتين: الأولى، متطرفة، والثانية معتدلة. ومع النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين اتخذت الفرقة المتشددة شكلاً هيكلياً وأطلقت على نفسها «جماعة المسلمين». هذه الجماعة التي يرأسها محمد باجودين تصادمت مع الحكومة ومع ممثلي الإسلام الصوفي التقليدي، ما دفعها عام 1997 إلى التراجع نحو الشيشان، وقد أطلقت على هذه الرحلة اسم «الهجرة الصغرى» في إشارة إلى هجرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة المنورة عام 622م. تناول أستاذ الدراسات العربية في جامعة موسكو الحكومية الدور الذي اضطلع به قائد القوات الشيشانية شامل باساييف (1965 – 2006)، أمير جيش التحرير في شمال القوقاز، الذي قاد حروب استقلال الشيشان عن روسيا، وكذلك دور ثامر صالح عبدالله السويلم (1969 – 2000) المعروف بـ«خطاّب» الذي يعتبر أحد رموز «المجاهدين العرب» الذين أطلق عليهم لاحقاً «الأفغان العرب»، حيث قاتل في كل من أفغانستان وداغستان والشيشان. ويبرهن روشين عن حال الريبة التي طغت على سكان داغستان، إذ كانت الدعوة إلى الجهاد في نظر معظمهم عبارة عن عدوان تنظمه الدوائر المتطرفة في الشيشان، ولهذا السبب ساعدت الميليشيات المحلية القوات الاتحادية ضد «المجاهدين». ويلقي الباحث الضوء على الصراع السلفي – الصوفي في داغستان، ويخلص إلى أن نشاط السلفيين الجهاديين، والمستوى العالي في التدين، ومتانة أتباع التقاليد الصوفية بين السكان، ستؤدي إلى حرب أهلية عاجلاً أم آجلاً. أما أوسيتيا الشمالية التي يقدر عدد المسلمين فيها بنحو 15 في المئة من السكان، والتي انتشر الإسلام فيها في القرن التاسع عشر، وتأسس مسجد المدينة الرئيس أوائل القرن العشرين، فقد شهدت هي أيضاً نمواً للاتجاه السلفي، ما أدى إلى تشكيل تيارين إسلاميين متوازيين في الجمهورية، حيث أسس «المسلمون التقليديون» إدارة روحية للمسلمين في أوسيتيا الشمالية عام 1990، بينما بدأ الشباب المسلمون في تأسيس منظمة خاصة بهم أطلقوا عليها اسم «جماعة» وتمّ تسجيلها بشكل رسمي عام 1996 تحت اسم «المركز الثقافي الإسلامي».
خاتمة الدراسات قدمها الباحث الفرنسي من أصل شيشاني ميربيك فاتشاغيف، وجاءت ورقته البحثية تحت عنوان «الجهادية القوقازية وتطورها في حربي الشيشان وسورية»، حيث وضع دراسة تحليلية لتطور الحركة الجهادية في شمال القوقاز في ضوء حرب الشيشان الثانية بدءاً من نهاية عام 1999 إلى يومنا هذا، كما شرح أسباب توسع حركة الجهاد في ظروف السياسة الروسية القاسية في هذه المنطقة. ويرى فاتشاغيف، الذي يصنّف (خبيراً أول) في الحركات المتشددة والمتطرفة في شمال القوقاز، أن دور الجهاديين مرشح للتطور في شمال القوقاز، وأن هناك اتجاهاً لتوسيع حدود تأثيرهم على حساب المناطق الأخرى لروسيا الاتحادية. ويعتبر الكاتب أن ضعف الصوفية في مجتمعات شمال القوقاز مرده قوة تأثير الاتجاه الجهادي وأفكاره. ويبين أن منطقة شمال القوقاز التي تُعد الأكثر تنوعاً عرقياً، وغالب سكانها من المسلمين، قد تشهد مزيداً من الاضطراب الأمني والسياسي، بعدما تورطت موسكو في مسألة المقاومة الإسلامية للسلطات، التي تخسر فيها منذ عام 1991. وصحيح أن السلطات الروسية والمحلية تحاول الحد من ضغط الإسلام الجهادي في المناطق الإسلامية، عبر دعم القوميين بهدف تقليص تأثير نفوذ الجهاديين في المجتمع، لكن موسكو تمرّ بمرحلة صعبة منذ لحظة سقوط الاتحاد السوفيتي بسبب تفاقم العنصر الإسلامي من سنة إلى أخرى، بحيث أصبح قوة لا يمكن إهمالها. ويتحدث الكاتب عن هجرة العديد من الجهاديين المتطوعين من شمال القوقاز لدعم المعارضة السورية المسلحة، ففي مارس (آذار) عام 2013 انضمت كتائب عدة من المجاهدين السوريين، منها: كتيبة الخطّاب، وكتيبة جيش محمد، إلى كتيبة المهاجرين تحت قيادة الأمير عمر الشيشاني، وتم اتخاذ القرار بعد ذلك لإعادة تنظيم نشاط وهيكلة الكتائب، ونتيجة لذلك أعلن عن تشكيل جيش المهاجرين والأنصار.
وفي الختام يتوجه مركز المسبار بالشكر إلى كل الباحثين المشاركين، ويخص بالذكر الزميل مراد بطل الشيشاني الذي نسّق العدد، ونأمل أن تجدوا في الكتاب ثمرة جهده وفريق العمل، وتحظوا بمادة جديدة ترضيكم.
رئيس المركز