تقديم
ما زال واقع المرأة في العالم أجمع دون المستوى العادل، وما زالت تُعامل أقلّ من الرجل حتى في المجتمعات الغربية الليبرالية. يرتبط هذا الواقع بالتقاليد والعادات الاجتماعية الراسخة، ويلعب الدين دوراً أساسياً في ترسيخ اللامساواة، خصوصاً في البيئات البطريركية. يضاف إلى هذه العوامل مجموعة المعوقات الاقتصادية والسياسية التي تحد من إعطاء النساء حقوقهن كاملة، سواء على مستوى صناعة القرار أم من ناحية نصيبهن من الثروة.
لم تُمنح المرأة حق التصويت في فرنسا إلاَّ في العام 1944، أي بعد مرور (155) سنة على الثورة الفرنسية (1789) التي أعلنت المساواة بين الرجل والمرأة. هذا الأمر إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على العراقيل التي تحد من تطوير أحوال النساء في العالم، بالرغم من النضالات التي خاضتها النسويات غرباً وشرقاً.
تواجه المرأة في العالم العربي تحديات كثيرة، يمكن إيجازها في ثلاثية القهر السياسي والمجتمعي والديني. وفاقمت الأوضاع المضطربة في المنطقة العربية، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، من مستوى التعقيد الذي ترزح تحت ثقله النساء العربيات، والذي تواكبه المنظومة الأبوية التي تضطلع بأدوار صنعت الوعي الجمعي والممارسة الاجتماعية. ولكن هذه التحديات كافة لا تمنع عنا خطاب التفاؤل؛ إذ نؤمن بأن ما يحصل اليوم في المجتمعات العربية –عموماً- والمجتمعات الخليجية –خصوصاً- مؤشر جيد يشي بمستقبل أفضل لنا، رجالاً ونساءاً، فالتغيير أمر واقع وإن كانت وتيرته بطيئة.
إن ما نراه في المجتمعات العربية من ثُغرٍ وانعطافات وتحولات تاريخية آلت إلى تراكم العنف الرمزي والمادي تجاه النساء العربيات، لا سيما في السنوات الأخيرة، يمكن إدراجه في حقبة مخاض الولادة، وهو نتيجة طبيعية لكل مرحلة انتقالية.
أوضاع المرأة في دول الخليج العربي واليمن لا تختلف في عمقها عن أوضاع المرأة العربية؛ فالقيم الأسرية التقليدية والمفاهيم الدينية التي تؤثر في أوضاع النساء في الخليج العربي، تتشابه مع ما هو سائد في الدول العربية الأخرى، علماً بأن المكاسب السياسية والحقوقية التي حصلت عليها المرأة في تونس والمغرب ولبنان ومصر…إلخ، تتجاوز ما حققته النساء الخليجيات السائرات نحو تحقيق نجاحات ملحوظة. يعود هذا التجاوز إلى الأسبقية التاريخية للحركات النسوية في بلاد الشام ومصر والمغرب العربي.
ثمة خصوصية مجتمعية لدول مجلس التعاون الخليجي واليمن، أظهرت تجليات مختلفة للقيود التي تقف في وجه المرأة. ولكن هناك مفارقة لافتة؛ بالرغم من كون العامل القبلي الأشد رسوخاً في هذه المجتمعات، مما يخلق تحديات إضافية، فإن الحكومات الخليجية هي الأكثر فاعلية في تمكين النساء اقتصادياً وتنموياً، وإن بقي «التمكين السياسي» الأقل حظوة.
قفزت المرأة الخليجية قفزات نوعية في السنوات الأخيرة، وأصبح لها مساهمات في الأدب والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والمؤسسات الاقتصادية والجمعيات الخيرية والمدنية والنوادي الأدبية، وكشفت بعض الكتابات النسائية عن تشكل وعي نسوي خليجي جديد، يدافع عن قضايا المرأة والمجتمع ويطالب بتطوير التشريعات الخاصة بالنساء.
ولعل التحدي الأكبر الذي يواجه المرأة العربية –عموماً- والخليجية –خصوصاً- هو تحدي الخطاب الذي يتبناه الإسلاميون، والذي ألبس القيود الاجتماعية التقليدية لباساً دينياً. ويتفاوت الخطاب الإسلامي في ذلك بين خطاب الإسلام السياسي والخطاب الإسلامي السلفي، فالتيارات الإسلاموية اعتبرت المرأة أداة مهمة في مشروعها السياسي، وتالياً اهتمت بتطوير قوانينها الداخلية التي تسمح للمرأة بالإسهام في الحياة السياسية، ليس لتطوير وضعها وإشراكها في القرار، وإنما لتوظيف صوتها. أما التيارات السلفية، فاعتبرت المرأة أداة أساسية لمشروعها التربوي والدعوي في المجتمع، فحصرت دورها في الوظائف التقليدية، وتشددت في مسائل الاختلاط بين الجنسين والحجاب. إن المشترك بين الإسلام السياسي والحركات السلفية هو اعتبار المرأة وسيلة وأداة لأهداف محددة لا ترمي إلى الدفع بالحراك النسائي داخلها، وإنما استخدام الدين لأجل توظيف المرأة لغايات نفعية.
يتناول: «نساء الخليج واليمن: جدل الحقوق والدين والإسلاموية» (الكتاب السابع والتسعون-يناير (كانون الثاني) 2015) التحديات والفرص والتطورات والتغييرات التي عرفتها المرأة في الخليج واليمن. رصدت الدراسات المقدمة الاختلافات والفروقات في أحوال المرأة في الدول الخليجية المختلفة، والتي تعود بدورها إلى الاختلافات والفروقات في الأعراف والتقاليد الاجتماعية، وتأثير المؤسسة الدينية والأنظمة التعليمية. يعالج الكتاب الإسهامات المختلفة للخليجيات واليمنيات وطبيعة الجدل الذي يخضنه في سبيل الحصول على حقوقهن. كما يقدم لنا مقاربات مهمة طرحت موضوعات شائكة منها: التمكين السياسي والاقتصادي، موقف الحركات الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي من المشاركة السياسية للمرأة، المكاسب والتطلعات: النجاح والإخفاق، إنجازات النساء الخليجيات ومطالبهن، وتبلور الوعي النسوي الخليجي. يضاف إلى هذه المحاور وغيرها، قضية قلّما حظيت بالاهتمام البحثي الوافي وهي: دور «الجهاديات» الخليجيات في التنظيمات الإرهابية.
قد يسهم هذا الكتاب في رفع الأصوات المطالبة بإعطاء المرأة حقوقها كاملة، إذ إنه يبني صورة دقيقة حول واقع النساء في مجتمعات دول الخليج واليمن، وصفت بأنها مجتمعات أبوية، كما أنه يسلط الضوء على العقبات القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المرأة في الدول المدروسة.
في الختام يتقدم مركز المسبار بالشكر لكل من شارك في الكتاب، ويخص بالذكر الزميلة ريتا فرج، التي نسّقت العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهدها وفريق العمل.
رئيس المركز
شاهد فهرس الكتاب