تقديم
مع بداية العام 2011 ونجاح الاحتجاجات في إسقاط أنظمّة بعض الدول العربيّة، كما الحال في مصر، ارتفعت أصوات تقول إنّ ظاهرة العنف الإسلاموي ستنحسر، والإرهاب سيموت، وبدأ التبشير بما سمي ما بعد الإسلاموية، ولكن ما لبث أن تولّى الإسلاميون منصب الرئاسة في مصر، إلا وأفرجوا عن الجهاديين بعفوٍ رئاسي محصّن، ودخلوا في تحالفات معهم، أفضت إلى استيقاظ المتفائلين بعهد خالٍ من الدماء والإرهاب، كما برزت تصريحات «خيفة» عن تراجع جماعات العنف عن «المراجعات» التي كانت نشرتها قبل سنوات بحجة أنّها انتزعت داخل السجون، وبدأ تسجيل أعمال إرهابية ضد الجيش في سيناء وبروز تحالفات عابرة للدولة، وخروج مصريين للقتال باسم الجهاد في سوريّا، وانكشف الستار تمامًا بعد ثورة 30 يونيو(حزيران) التي أطاحت بالإخواني محمد مرسي، ما استوجب طرح الموضع على طاولة الدرس من جديد، مع استصحاب المتغيّرات التي أعادت رسم الصورة، فكان هذا الكتاب السابع والثمانين لشهر مارس(آذار) 2014، بعنوان «الجهاديون في مصر: المراجعات- 30 يونيو-سوريا»، شارك فيه مجموعة من الباحثين المصريين المختصين في دراسة الحركات الجهادية، كم شارك فيه جهاديون سابقون.
فاتحة دراسات العدد كانت بقلم الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية أحمد الشوربجي، أفرد مقدمتها للتأريخ للجماعات الجهادية في مصر، وقصة صدامها مع الدولة، معددًا مبادراتها، مثل مبادرة الجماعة الإسلامية لوقف العنف، وبيّن تأثيرها في جماعة الجهاد. كما ناقش فكر المواجهة عند الجماعات الجهادية، وطبيعة أفرادها وتأثرهم في البيئة والنقاش، وإمكان تغيّرهم، ثم ألقى نظرة على الواقع الحالي، وذكر أسماء الجماعات الجهادية الحاليّة، وتأثرها بحكم الإخوان وسقوطه، وقدّم رؤيته لمستقبل المراجعات الجهادية، ولم يكن متفائلاً حيال احتمال إنجاز مراجعات حقيقية.
ورقة الخبير في شؤون الحركات الإسلامية منير أديب، لم تبتعد عن الموضوع فتناولت «التيارات الجهادية: خريطتها وتحولاتها في مصر». ولكنها حاولت الارتباط بتأثير فترة حكم الإخوان على هذه الجماعات، فحاول أن يشرح اتجاه جماعة الإخوان المسلمين إلى العنف اللفظي فالسياسي وصولاً إلى الجهادي فيقول «إن تجربة الإخوان الأولى في الاتجاه إلى العنف، كانت بدايته العنف اللفظي، ثم تطور إلى عنف جنائي قامت الجماعة بشرعنته فيما بعد». ويشير إلى أنّ العنف المتوقع حدوثه في المستقبل
سوف يكون عنفاً عشوائياً من قبل مجموعات جهادية تربطها علاقات مع حركة الإخوان، وليس من قبل تنظيمات كبيرة.
عالج الباحث المصري المختص في الحركات الإسلامية ماهر فرغلي الخريطة الجهادية في مصر بعد 30 يونيو (حزيران)، آخذاً بالاعتبار واقع الجهاديين المصريين وحضورهم على حقبات مختلفة لا سيما في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم. رصدت تطورات المشهد السلفي الجهادي في مصر في السنتين الأخيرتين، وتناول تقسيم الجماعات على المحافظات وسبل الدعم.
قدم الكاتب المصري صلاح الدين حسن دراسة، ميدانية اعتمدت على شهادات حيّة ولقاءات صحافية، حملت عنوان: «الإخوان والجهاديون بين تباعد وتقارب»، قام فيها بتحليل علاقة تنظيم الإخوان بالجهاديين، شارحاً بداية العلاقة بينهم قبيل الثورة المصرية ودورهم في فتح السجون، وسر معرفة الجهاديين بأحداث 25 يناير (كانون الثاني) 2011 قبل وقوعها، وحقيقة دورهم في يوم ما عُرف في الإعلام بموقعة الجمل، وأسباب تعاملهم فيما بينهم بشفرات، مروراً بعلاقتهم بالمرحلة الانتقالية واصطفاف عدد من المجموعات الجهادية خلف مرشح الإخوان آنذاك محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، ثم تمرد فصيل السلفية الجهادية وصولاً إلى نهاية حكم الإخوان وشعور الجهاديين بالخطر الداهم بعد الإطاحة بهم؛ ليقرروا استئناف العمل المسلح ضد الدولة المصرية بمؤسساتها العسكرية والأمنية، بعد شعورهم بفقدانهم ملاذهم الآمن على الأرض المصرية، ورفدت الدراسة بحوارات أجراها الباحث مع قادة جهاديين وسلفيين.
يرى الأكاديمي والباحث المصري محمد حلمي عبدالوهاب في ورقته: «الصعود إلى الهاوية: مركزية السلطة في فكر الإخوان المسلمين» أن الوصول إلى الحكم غاية الغايات عند جماعة الإخوان. يحلّل الكاتب أدبيات حسن البنَّا ورؤيته إلى الحكم والنظام السياسي قارئاً تنظيرات بعض قيادات الإخوان بشأن إقامة الدولة العالمية والخلافة الإسلامية. يرى عبدالوهاب أنه من غير المتوقع فض الاشتباك بين ما هو سياسي وما هو ديني عند الجماعة ويردف قائلاً: إن التركيبة العقلية والمنهجية للجماعات الدينية ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين لم تكن في يوم من الأيام سهلة التفكيك كي يجري اعتمادها كمنهج حقيقي وواضح، فهي غير قادرة على التخلص من وهم الخلافة وأستاذية العالم، مما يشي بمنهجية الخلل داخل البناء الفكري الذي يحكم توجهاتها.
تناول الباحث اللبناني هيثم مزاحم في بحثه موضوع الجهاديين المصريين في سورية، أرض الجهاد والجهاد المعاكس. يدرس الكاتب خريطة «المقاتلين المصريين» من الذين تقاطروا إلى سورية لمحاربة النظام حيث توزعوا على عدد من الفصائل «الجهادية» من بينها: «الجبهة الإسلامية» و«داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها،
وعلى الرغم من أن الأرقام حول أعدادهم متفاوتة بين مصدر وآخر إلا أن التقديرات تشير إلى أن الجهاديين المصريين عددهم بالمئات وليسوا بالآلاف على غرار الخليجيين أو الأردنيين أوالتونسيين أوالليبيين أوالعراقيين. يستند مزاحم إلى تقارير أجنبية تحدثت عن واقع الجهاديين المصريين في سورية من ضمنها التقرير الذي نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية عن «المركز الدولي لدراسة التطرف» والذي أشار إلى أن هناك ما لا يقل عن 119 مصريًّا ذهبوا إلى سوريا في العام 2011 كما يستشهد بالتقديرات التي قدمها الباحث الأميركي المختص في الحركات الجهادية، هارون ي. زيلين في مقال نشره العام الماضي حيث أكد أن «عدد المقاتلين المصريين في سورية يتراوح بين 119 مقاتلاً، كحد أدنى، و358 كحد أقصى، وأن عدد القتلى المصريين هو نحو 79 قتيلاً».
«تنظيم القاعدة الأفرع والخلل العقدي والاستراتيجي» دراسة قدمها القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين ناجح إبراهيم العبدالله قارب فيها أسباب انتشار السلفية الجهادية في الحقبة الراهنة لا سيما في دول الحراك العربي وفي مقدمها مصر. ينتقد الكاتب الأيديولوجية التي ينطلق منها تنظيم القاعدة محدداً أبرز الأخطاء الشرعية والفقهية والفكرية التي سقط فيها خصوصاً قضية تكفير الدولة والأنظمة والمجتمع والخصوم. يشير ناجح إلى العوامل المؤدية لتفاقم نشاط القاعدة في مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)2011 والتي ساهمت في انتاج فروع جديدة على علاقة بالتنظيم الأم.
إبراهيم أمين نمر، الباحث وعضو هيئة التحرير بالمركز، كتب تقريرًا موجزًا، عن حظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر، و قرار مجلس الوزراء المصري اعتبارها جماعة إرهابية، وقدم خلفية عن القرار، وقراءة له.
أجرى الباحث المصري المختص في الجماعات الإسلامية هاني ياسين قراءة في كتاب «دراسات في السلفية الجهادية» (مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة، 2013) حيث عرض لأهم الأفكار الواردة فيه. توزع الكتاب على سبعة فصول: الأول: الهوية والمصادر الشرعية والتاريخية، والثاني: تاريخية السلفية الجهادية وحاضرها، والثالث: لغة السلفية الجهادية في مسائل معينة، الرابع: صناعة القيادة، الخامس: فلسطين في عقل القاعدة، السادس: الصين تحت مجهر السلفية الجهادية، السابع: مناقشات في سوسيولوجيا تطبيق الشريعة، وأخيراً مناقشات ختامية.
خصّصنا لهذا العدد تقريراً عن الجهادية في إيطاليا وقد رصد الباحث الإيطالي المختص في الحركات الإسلامية والعنف السياسي في أوروبا وأميركا الشمالية لورينزو فيدينو هذه الظاهرة بدءاً من
الجيل الأول للجهاديين ثمّ سلط الضوء على التحوّل التدريجي لدى هؤلاء من جماعات مسلحة إلى متطرفين محليين.
حملت دراسة العدد عنوان «الجرائم المنظمة عند القاعدة في مناطق الساحل والصحراء» قدمها الأكاديمي المغربي والباحث في العلاقات الدولية محمد بوبوش حيث درس ظاهرة الجريمة المنظمة في بلاد المغرب الإسلامي ودور القاعدة في تهديد استقرار كثير من دول المنطقة، محاولاً الوقوف عند مخاطر الجرائم التي يرتكبها هذا التنظيم.
وفي الختام يتوجه مركز المسبار بالشكر إلى كل الباحثين المشاركين، ويخص بالذكر الزميل محمد حلمي عبدالوهاب الذي نسق العدد ونأمل أن تجدوا في الكتاب ثمرة جهده وفريق العمل، وتحظوا بمادة جديدة ترضيكم.
رئيس المركز