تركي الدخيل
ترجمة:رشا العكيدي
يثير التحالف الأمريكي العربي ضد داعش المخاوف حول احتمالية تولّد صراعات بين الجانبين في القيم والمصالح، ولكن هذا ليس بالضرورة صحيحاً، فإنّ هذه الشراكة ستقدّم العديد من الفرص لدعم التغييرات السياسية والاجتماعية في البلدان العربية.
يخشى العديد من المراقبين الأمريكيين احتمالية حدوث صراع في القيم والمصالح وسط السجالات القائمة حول التحالف الأمريكي العربي للتصدي لداعش؛ إذْ إنّ الولايات المتحدة قد تخسر فرصة في دعم الأصوات غير الحكومية التي تطالب بتعزيز دور المجتمع المدني والإصلاحات في حال تقوية الأواصر مع الحلفاء التقليديين من الحكومات غير الديمقراطية، فمعظم هؤلاء النشطاء لا يدعمون الولايات المتحدة في حربها العادلة ضد الإرهاب فحسب، بل يؤمنون بقيم المساواة والحكومة المنتخبة التي تمثلها الولايات المتحدة.
ولكن من موقعي كرجل إعلام سعودي وناشر ومدافع متحمس للتعددية والتسامح وحقوق المرأة والأقليات لا أؤمن أن هذه المشكلة حقيقية. إنّ إعادة إحياء الشراكة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين يمكن أنْ تعدّ فرصة للتقدّم بالتحولات السياسية والاجتماعية – في بعض البلدان العربية – وتحقيق الأهداف البعيدة المنال بعد الثورات التي تشهدها عدّة بلدان عربية منذ ثلاث سنوات.
من أجل استيعاب هذه الفرصة يجب أولاً فهم حقيقة أنّهُ لا يوجد موقف أحادي لدى الحكومات العربية، وكذلك الحال بالنسبة للنشطاء الذين يتحدون هذه الحكومات. بمعنى آخر، أنّ من بين المطالبين بالديمقراطية هناك العديد من الإسلاميين الذين لا يرون الانتخابات إلّا وسيلة لاحتكار السلطة وفرض أجندتهم التي هي في الأساس لا ديمقراطية. ولكن ما قد لا يعرفهُ الجمهور بشكل موسّع هو وجود عناصر نامية داخل البلدان والحكومات العربية التي تناضل من أجل تحقيق التغيير الممنهج، وقدْ بدأت بالفعل تترك أثراً على الساحتين الاجتماعية والسياسية، تبحث هذه القوى الفتية عن شركاء لها من صلب مجتمعاتها كما ترحّب بالأفكار الجديدة المستوردة – خصوصاً من الولايات المتحدة – حول كيفية تحقيق هذا التغيير.
من بين هذه الأصوات في بلدي، المملكة العربية السعودية، هو وزير التربية والتعليم الجديد الأمير خالد الفيصل. إنّ الوزير الجديد كان دائماً من أشد المعارضين للتشدّد الديني في المدارس السعودية، وقدْ أصبح الآن في موقع يسمح لهُ بتنفيذ تطلعاتهِ. تحدّث في مايو الماضي عن رجال الدين المتشدّدين الذين هيمنوا لسنوات طويلة على التعليم الديني في المدارس العامة في المملكة حيث قالَ: “لقد كانَ مجال التربية والتعليم متروكاً لهم بشكل كامل بحيث لا فرصة أمام الفكر السعودي المعتدل لنقل أسلوب العيش المعتدل للأجيال الجديدة. لقد أهملنا، للأسف، أبناءنا وبناتنا وقد اختطفوهم منّا”. منْ يعرف الوزير عبر السنين يعرف أنّ هذا التوجّه ليس غريبأ عليه، فقد قال لي سنة 2003 الشيء ذاته وأمام عشرات الملايين من المشاهدين عبر برنامج “إضاءات” الذي أقدّمه ويبثّ على قناة العربية. ونستنتج أنّ الأمير خالد يسير وفقاً لقناعاتهِ وذلك من خلال الهجوم الحاد والمتزايد الذي يتلقاهُ من مجتمع رجال الدين المتشدّدين في السعودية. يسطّرون مآخذهم على الوزير في مقالات كهذهِ واصفين التغييرات العديدة في مناهج التعليم السعودية بالتغريب إنْ كانت لا تتوافق مع معاييرهم، مثل نموذج “الأخوّة الإنسانية” وإزالة المحتوى النصي الذي يشيطن اليهود والمسيح.
حذّر الإعلام في المنطقة العربية، وإعلاميون مثلي، ولسنوات طويلة من التشدّد في المدارس العامة، واليوم أصبحَ لدينا صديق يدير الدفّة التعليمية ويشاركنا ذات المخاوف، بذا فإنّنا نجد أمامنا فرصة أنّ نضم أصواتنا إلى صوتهِ من خلال الدعم الجماهيري وإلزامهِ بوعودهِ.
نائب وزير التربية والتعليم هي السيدة نورة الفايز، التي تلقّت تعليمها في الولايات المتحدة، وهي أول امرأة في تاريخ السعودية تشغل مثل هذا المنصب. سوف يبدأ العام الدراسي الجديد بتغييرات في المناهج وفي فكر المعلّمين، بفضل جهود ومساعي هذه السيدة، الأمر الذي سيبعث برسالة اجتماعية جديدة حول دور المرأة وحقوقها في كافة جوانب الحياة من البيت حتى مقرّ العمل. لقد بدأت هذه التغييرات بفرض انعكاساتها على المجتمع بشكل أوسع حيث يتّسع اليوم دور المرأة في القطاع الخاص كما أصبح لديها حق التصويت في الانتخابات البلدية. كما توجد ثلاثون امرأة في مجلس الشورى من مجموع مائة وخمسين عضواً. لا يزال الطريق طويلاً أمام الحركة النسوية في البلاد وهي تواجه معارضين صارمين من كلا الجنسين ولكننا اليوم نستشعر أملا غير مسبوق.
في المملكة العربية السعودية وجارتها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أعيش فيها منذ سنة 2002، تدرك القيادات السياسية والمجتمعات بأنّ الصراع العسكري ضد الإرهاب رغم أهميتهِ الكبيرة لنْ يقدّم سوى حلول آنية ما لمْ يتم دحر الفكر المتطرّف الذي يغذي الإرهاب ويعطيهِ شرعية. في هذا السياق تأسّس مركز “هداية” في العاصمة أبوظبي، والمركز يختص في مكافحة التطرف العنيف عن طريق تقديم البدائل الفكرية المنافسة، فقدْ تمّ تطهير مساجد ومدارس البلاد من الإخوان المسلمين وأصبح الأطفال اليوم يحتفون بالتعدد والاختلاف الفكري والديني الذي يرونه في الإمارات وفي العالم دون أنْ يكرهوا ويشوّهوا هذا التعدد. إنّ هناك جيلاً جديداً من رجال الدين تعلّموا أن ينشروا التسامح عبر خطب الجمعة، وهذه المساعي تجتمع مع مركز محمد بن نايف في السعودية لإعادة تأهيل الجهاديين وتنقية العقول من الفكر المسلّح من أجل إعادة دمج الإرهابيين المدانين بالحياة العامة في السعودية. كما حرص البلدان على تطوير برامج تلفزيونية جديدة تهدف إلى ثني شباب الخليج عن الالتحاق بالجماعات الإرهابية في العراق وسوريا.
أمّا في المجالات الأخرى غير التعليم الديني، فقد قامت الإمارات بإطلاق حملات جديدة من شأنها صياغة أفكار جديدة لتكون بديلة عن نظام المجتمع العربي أساسها تجاوز الاختلافات الطائفية، فكان “مكتب ثقافة احترام القانون” في أبوظبي هو وليد هذا التوجّه. هدف المكتب هو تعزيز حكم المبادئ القانونية بين ضباط الشرطة ورجال وسيدات الأعمال والخبراء والأطفال، طبعاً وبدعم شعبي كبير. يحرص “المكتب” على تقديم برامج جديدة في المدارس وكذلك تحفيز قطاع الأعمال وقطاع الأمن على كشف ومكافحة الممارسات الفاسدة.
من خلال قراءاتي للإعلام الأمريكي ألاحظ أنّ هذه التوجهات الجديدة مجهولة في الولايات المتحدة، فهي ليست بمتعة وإثارة مشاهدة الملايين في ساحات التحرير، كما أنّها – والحمدلله – تخلو من الدماء. ويشكّل هذا التقدّم التدريجي نحو الإصلاح بارقة أمل في المنطقة، وهو النهج الذي تسير عليه السعودية والإمارات وغيرهما من بلدان المنطقة التي لم تطلْها نيران الحروب.
إنّ من يريد تقديم المساعدة من الأمريكيين من أجل التعجيل في ترويج هذه التوجهات يجب أن يفهم هذه الخطوات بشكل جدي أولاً وسيكتشفون رغبة حقيقية للشراكة والتبادل، سواء مع المؤسسات الحكومية الأمريكية أو المجتمع المدني أو المختصين في هذا الشأن. قد لا يكون هناك حلّ سياسي لأزمات منطقتنا؛ لذا فإنّ الوقت قد حان للاتفاق من أجل وضع حلٍّ واسع النطاق متجذّر في القيم التي تجمع الأمريكيين بالكثير من العرب..
المصدر: مجلة مصالح أمريكية the american interest
نشرت بتاريخ 27 أكتوبر