الرياض – مصطفى الأنصاري
لا يزال ملف جماعة الإخوان المسلمين في السعودية حديث النشأة، منذ أن أعلنت السلطات رسمياً اعتبار «الجماعة» تنظيماً إرهابياً في 2014، إلا أن المملكة التي يحظّر فيها إنشاء الأحزاب من أي نوع كانت، ناهيك عن الانتماء إليها، ظل الأمر بالنسبة إلى كثير من مواطنيها، مثار توجس وحيرة وترقب. كثيرون يطرحون تساؤلات من قبل: من الإخواني؟ ذاك إخواني أم شخص عادي غير حركي؟
وكان وزير الشؤون الإسلامية الجديد الدكتور سليمان أبا الخيل، أبلغ نحو 11 ألف خطيب جمعة في بلاده، في تصريحات إعلامية أخيراً أنه لا يفرق بين التنظيمات الحركية، سواء «داعش» أو «النصرة» أو «الإخوان»، معتبراً تجنب نقد التنظيم الأخير مخالفاً لتوجيهات بلاده ووزارته، التي تعتقد أن جماعات العنف الإسلامية المعاصرة جميعها خرجت من رحم «الإخوان».
في هذا السياق تناولت دراسة حديثة عن مركز «المسبار»، نشاط مركز آخر تقوم عليه داعيات سعوديات، اعتبرن رسالتهن «تثقيف المرأة المسلمة بحقوقها الشرعية»، إلى جانب مكافحة تغريبها، وفق ما يهدف من يسمون «التيار الليبرالي»، داخل المجتمع السعودي.
وتشير الدراسة إلى أنه «على رغم تميز مركز «باحثات» في عقد الملتقيات والاتصال والتدريب والإصدارات، فإن هذا لا يعني أنه على درجة كبيرة من المهنية والحياد العلمي كما أن مراجعة سريعة لخلفيات القائمين عليه، تؤكد أن «باحثات» ليس مركزاً للدراسات فقط، بل له علاقة بالحركيين من حركة الإخوان المسلمين: فكيف يمكن ملاحظة وجود التوافق الفكري أو التنظيمي للقائمين على المركز؟ ولماذا يهمز بعضهم في علاقة القائمين عليه بجماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة سعودياً»؟
للإجابة عن تلك الأسئلة يستند الباحث السعودي علي البلوي إلى مجموعة انتقادات شرحها بالتفصيل، من بينها، أنه «لا يمكن النظر للمركز إلاَّ في إطار الظاهرة الدينية الحركية، وعند مراقبة غالبية الملتقيات والندوات التي عقدها «باحثات»، فإن اهتمامه محصور في عنصر نسائي محدد، يطلق عليه في الوسط السعودي «الحركيات السعوديات»، وهو مصطلح جرى تحويره عن مجموعة ومنظومة الإسلام الحركي، وهي المجموعة التي عملت على تحقيق التزاوج بين السلفية والمنهج الإخواني، ويطلق عليهم أحياناً «السروريون»، نسبة إلى محمد سرور بن نايف زين العابدين».
خلال تتبعه لأوراق العمل والتوصيات التي صدرت عن ملتقى «باحثات» الأول، الذي جاء بعنوان: (المرأة السعودية ما لها وما عليها) الذي عقد بتاريخ 10 – 11/ 12/ 2011، وأوراق العمل والتوصيات التي صدرت عن الملتقى الثاني، الذي جاء بعنوان: (المرأة العاملة… حقوق وواجبات) الذي عقد في الرياض، بتاريخ 6 – 8/ 3/ 2014، لخّص البلوي اهتمام المركز في ثلاثة جوانب، أولها، اهتمام المركز بالحقوق الشرعية والنظامية للمرأة. والثانية تأكيده عمل المرأة في المنزل، والثالثة، هي مواجهة المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة وأخذ موقف منها.
ويلاحظ الكاتب أن «في غالبية أوراق المركز، وتصريحات القائمين عليه، والتوصيات الصادرة عنه، ليس هناك إلاّ ذكر هامشي لضرورة تعزيز الشراكة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، وكل هذه الملتقيات لم تكن لتعكس وجود شراكة حقيقية، بل شراكة من البيئة ذاتها والأهداف والأفكار، ولربما نتجاوز بالقول: ومن التنظيم ذاته، بل على العكس يُلمس وجود حالة من الاستئثار بقضايا المرأة وتمثيلها، والاقتصار على وجهة واحدة، باعتبارها تمثل مؤسسات المجتمع المدني».
البناء الذاتي والتصدي للآخر
يطرح مركز «باحثات» – كما يلفت الكاتب – رؤية اختلافية وصراعية مع العالم والآخر قائمة على أساس الاختلاف الديني، والاتهام بأن التركيز على الجانب التنموي في ما يتعلق بقضايا المرأة هو تركيز على الجوانب المادية فقط، وعدم إيلاء أي اهتمام للقضايا الروحية، والمساواة.
انطلاقاً من رؤية الإسلاميين تجاه المرأة كهامش احتياطي يفنّد علي البلوي كيفية تعاطي مركز باحثات مع الاتفاقات الدولية والمؤتمرات العالمية الضامنة لحقوق النساء من ضمنها «وثيقة بكين»، ما دفع مركز «باحثات» وجمعية مودة للعلاقات الأسرية في البحرين إلى عقد أول مؤتمر إسلامي عالمي لمناقشة اتفاقات ومؤتمرات المرأة وأثرها في العالم الإسلامي، في الفترة من 13-15/ 4/ 2010 في المنامة، وكان المؤتمر بمثابة رد فعل على احتفال الأمم المتحدة بمرور 10 سنوات على وثيقة بكين، الذي جرى في نيويورك في مارس (آذار) 2010. ويخلص الكاتب إلى أن مؤتمر المنامة كان في أحد أشكاله تظاهرة تنظيمية لمجموعة المقربين من جماعة الإخوان المسلمين، التي ظلت على الدوام تسعى إلى احتكار العمل النسائي وجعله جزءاً من أدواتها التنظيمية.
إلى ذلك ينتقد مركز «باحثات»، كبقية أفرع التنظيمات الإسلامية اتفاق «السيداو» (اتفاق القضاء على أشكال التمييز كافة ضد المرأة). ويسجل البلوي موقف فؤاد عبدالكريم العبدالكريم ( المدير العام للمركز) من الاتفاق، إضافة إلى المواقف التي أطلقتها ناشطات في تنظيمات حركية إسلامية خلال المؤتمر بينهن: رئيسة مركز التمكين للمستقبل للاستشارات والدراسات نورة بنت خالد السعد.
مسابقة للفيلم القصير
ومع أن الدراسة بدت متحاملة على المركز الحركي في نتائجها، إلا أن زيارةً لموقع الإلكتروني لـ «باحثات» الذي هو ملتقى قنوات نشاطه، لا تختلف الصورة كثيراً عن الخطاب الديني السائد في أكثر القطاعات الدينية السعودية، في اهتمامه بتعزيز صورة مثالية عن الحياة الاجتماعية والدينية للمرأة السعودية، وحصارها بكثير من القيود الدينية والاجتماعية، وتصويرها على أنها خاضعة لتآمر مستمر، من جانب خارجٍ متسلط، وعملاء له في الداخل يردّدون صداه.
وفي آخر افتتاحية للموقع تقتبس إدارته عن إحدى الغربيات اللاتي أسلمن حديثاً قولها «الحب ليس بالضرورة ما يجعل الزوجين يعاملان بعضهما بإنصاف، إنه الدين. فزواج مع حب من دون دين فيه مجازفة، كيف سيتصرف الزوج إذا تبدّدت مشاعر الحب؟ فليس عليه أي شيء ينبغي الوفاء به إذا لم يكن يحب زوجته. الشيء ذاته ينطبق على المرأة. الدين هو ما سيجعلها تعامل زوجها جيّداً، حتى إذا توقفت عن حبه». (نساء اعتنقن الإسلام)، ص:238
وفي الاستفتاء المركزي على الموقع www.bahethat.com، كان السؤال أيضاً حاملاً طبيعة التوجه ذاته، إذ كان «هل المساواة بين الجنسين في العمل العام فيه إجحاف بالمرأة»؟ وإذ لم تكن النتائج ظاهرة في نهج الاستفتاء، ليس صعباً الجزم بأنها ستذهب في نهاية المطاف إلى رفض المساواة.
إلا أن اللافت أن المركز الذي ينتمي في أصله إلى تيار كان من أشد الرافضين للسينما والتصوير، يعلن بواسطة موقعه الإلكتروني عن مسابقة للفيلم القصير، خاصة بالنسـاء، جاء فيه «لأن الأعمال المرئية تُشْجِي العَقِل والقَلب بِظِلال وَارفِة الجمال، كان لها نبض وهدف، لذا يعلن مركز باحثات لدراسات المرأة عن بدء انطلاق مسابقة الفيلم القصير، التي تهدف إلى تشجيع المتطوعات على العمل والإبداع، واستقطاب المواهب الشابة للعمل بما يخدم أهداف المركز، ونشر الوعي الثقافي في حقوق المرأة، وواجباتها، وتطلعاتها في الحياة، وتبنّي أفكار ومقترحات المتطوعة؛ ليكون المركز منبراً لأصواتهن». لكن المشرف على المركز الدكتور فؤاد العبدالكريم، رفض التعليق على أي من تساؤلات «الحياة»، حول محتوى المركز وأهدافه، وما تردد حول علاقته بـ «الإخوان»، وقال «اعتذر عن الإجابة»!