الإسلام في أميركا موضوع ديناميكي يتجدد بتجدد الأحداث، وقد طغى على غيره من المواضيع بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وأصبح من الضرورة تناوله تناولًا مفصلًا، ولأن كتابًا واحدًا لا يفي فهم العلاقة بين الولايات المتحدة والإسلام وأبعادها، جاء هذا الكتاب مقدمة ومدخلاً للحديث حول الإسلام السياسي المهاجر إلى أميركا، ووجهة نظره حول دوره الذي رسمه لنفسه في المجتمع الإسلامي الأميركي وأهدافه التي يسعى إليها، ورصد التغيرات التي ساهمت في تشكيل الحالة الراهنة بين الطرفين. تناولت دراسات كتابنا الواحد والخمسين الاندماج وسياسات التعليم والتأثر والتأثير في الكيان الثقافي للأمة الأميركية، مع إشارات خاطفة للاختلافات الإسلام الأفريقي عند السكان الأصليين وبين المهاجرين، ولم نغفل عن الدراسات الإسلامية والكراسي الممنوحة حول الدراسات الإسلامية، إضافة إلى تحليل لموقف أميركا وصناع القرار فيها من الإسلام السياسي، قبل وبعد الثورات العربية الحديثة، وسقوط نظام حسني مبارك.
استكتبنا لهذ العدد أكاديمين وناشطين “إسلاميين”، ومتخصصين في الدراسات الإسلامية، فقدم لنا مازن موفق هاشم رؤيته لاكتشافات مسلمي أميركا المتعددة، معبراً عن سجل تفاعل المسلم الأميركي مع الثوابت الغربية، وتلاقيه مع مفاهيم بعينها واكتشافه لها، كما تناول وجود المسلمين في أميركا و تشكُّلَ هويتهم الجديدة وعلاقتها بقيم المجتمع الجديد، وأشار إلى تغير هذه العلاقة عبر الأجيال، في تلاقي المجتمع المسلم مع الذات الأميركية، والشخصية متعددة الأعراق، ومفهوم الديمقراطية والليبرالية وتشاكلها مع الديمقراطية، واكتشاف المسلم الأميركي لهما، وشرحت الدراسة اكتشاف المسلمين تنوعهم الداخلي الذي يجعلهم بحسب الباحث “حالة فريدة في النسيج الأميركي”.
بينما تناول محمد السنوسي، قراءة للواقع الإسلامي واندماج المهاجرين المسلمين في المجتمع الأميركي، ومدى تحقيق المسلمين لهذا الاندماج، وعرض تجربة الاقتصاد الإسلامي في الشركات والقوانين الموائمة للشريعة، رابطاً كل ذلك ببعده الاجتماعي والسياسي، والجهود التي بذلها المسلمون -وساهم في توفيرها القانون الأميركي- لتحقيق الدمج، مع مقارنة بتجربة الأقلية اليهودية، وأوجه الاختلاف بين اندماجهم واندماج المسلمين، مؤكداً على ضرورة أن يفكر المسلم المهاجر بعقلية من سيقيم في أميركا بشكل دائم، لتكون وطن أحفاده.
أما لؤي صاف فقد عرض تجربة المنظمات الإسلامية وتناميها في أميركا، والإسلام السياسي المهاجر، معبراً عن وجهة نظر التيار الذي ينتمي إليه في المتغيرات على الساحة الأميركية، وبدايات دخول الإسلام في التحدي الأميريكي، وسرد الجهود التأسيسية التي قام بها الرواد من الإسلاميين مجتمعاً وجماعات، والوضع الجيد (تعليمياً ومادياً) الذي يتمتع به المهاجرين المسلمين من عرب وغيرهم، وتناول أبرز التحديات فيما يتعلق بالتعليم الإسلامي وقصوره وضرورة تطويره، كما تناول مسيرة المنظمات الإسلامية وموقف اليمين الأميركي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، مؤكداً على الرسالة التاريخية للإسلام السياسي في أميركا.
أما رضوان زيادة الباحث في جامعة نيويورك، فقد قدم صورة الإسلام في أميركا، كما تعكسها المراكز البحثية في الولايات المتحدة الأميركية. قسّم الباحث الإسلاميين إلى فئات حسب ماتعكسه مراكز الأبحاث الرئيسية ذات التأثير على صناع القرار، وتناول زيادة المفهوم السياسي للإسلام في رؤية التقارير مثل تقرير بيو ومركز الأزمات الأوروبي وراند وكارنيجي وغيرها من المراكز، التي صنف بعضها على أنها يمينية متشددة.
وبمنظور أميركي، جاءت مقالة بيتر سكيري لتؤكد أن الأحرى بالأميركيين التخلي عن البحث العقيم والمهين عن المسلمين المعتدلين لأنه لا وجود لهم، ليس لأن كل المسلمين متطرفون أو إرهابيون بل لأن مسلماتهم الثقافية تختلف عن مسلمات الثقافة الأميركية الليبرالية السائدة، مشيراً إلى دراسة مؤسسة راند في تعريفها للمسلمين المعتدلين على أنهم “يشتركون بالأبعاد الأساسية للثقافة الديمقراطية، ومنها دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً… واحترام الاختلاف، والقبول بمصادر تشريع غير فئوية، ومعارضة الإرهاب وغيره من أشكال العنف غير المشروعة”، لاتعني إلا أن المسلم المعتدل هو الذي لديه استعداد لملاقاة الولايات المتحدة عند ثمانين بالمئة من الطريق. كما تناول تاريخ تشكل الثقافة الأميركية، وأزمة العمى الثقافي الذي تعاني منه النخبة السياسية والفكرية في أميركا.
أما أسماء أفسر الدين، فتناولت دراسة الإسلام والشرق الأوسط في الغرب و تاريخ الاستشراق والدراسات المشرقية في أوروبا، ودورها في الانفتاح الفكري، ثم تناولت الدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط في أميركا، مع إشارة إلى التدريب المهني والمنهجي في مجال الدراسات الإسلامية في الجامعات الأميريكية. خصصت الباحثة جزءًا كبيرًا من الدراسة لعرض وجهة نظر ميدانية نابعة من تجربتها في حقل لدراسات الإسلامية في الجامعات الأميركية عقب الحادي عشر من سبتمبر وتداعياته على مراكز الدراسات.
وكتبت شهرزاد جعفري عن (كرسي فارسي للسلام الإسلامي)، مثالا للتواصل الحضاري منذ تأسيسه في 1996، حيث كان الهدف من تأسيسه توثيق التواصل بين الثقافات وتكريس أسس السلام، وكيفية تصحيح النمطية الخاطئة عن الإسلام وممارساته، والآراء المتحاملة ضده، وانعكاسات أحداث 11 من سبتمبر، خلصت الباحثة إلى ضرورة تهيئة الأرضية والبيئة الأكاديمية المناسبة، وإيجاد شاغل مناسب للكرسي.
كما يعرض لنا عمر البشير الترابي، كتاب (الإخوان المسلمون الجدد، في الغرب وأميركا) لمؤلفه لورينزو فيدينو والذي نشرته دار كولومبيا للنشر، في 2010، وحصل مركزنا على حقوق نشره بالعربية ليكون بين يدي القراء في خريف هذا العام. تناول الكتاب نقاطا رئيسة عن دور الجماعة، وصدقية تمثيلها للمسلمين في الغرب، وأهدافها ووسائلها لتحقيق غايتها، وتعاونها مع الحكومات الغربية وكيف استفادت الحكومات الغربية منها في حربها مع الإرهاب.
واستكمالا للقراءة قدم مركز المسبار تحليلاً لموقف الحكومة الأميركية من الإخوان المسلمين، ودورها /موقفها من وصولهم إلى الحكم في المنطقة العربية والدول المتوقع حكمهم لها، وانعكاس ذلك على مشروع السلام الإسرائيلي العربي، ومدى وفاء الإخوان المسلمين بمتطلبات السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة العربية.
نأمل أن يلقى هذا الكتاب القبول و يضيف جديداً إلى المكتبة العربية، ويمكن الباحث العربي من المضي لاستكشاف هذا العالم، وعلى أمل أن نوالي تغطية هذا الموضوع، بشئ من التفصيل.