عرفت إيران أربع ثورات منذ الشطر الثاني من القرن التاسع عشر حتى ثمانينيات القرن العشرين، ولم تنقطع خلال تلك المنعطفات التاريخية عن الانفعال بالدين والحداثة والمعاصرة، وحتى اللحظة هذه فإن الاجتهاد السياسي المسنود بمرجعيات فقهية جدلية هو ما يطغى على المشهد السياسي الإيراني، وتدخل المصالح السياسية والاقتصادية، وتتعالى صيحات الحداثة التي تريد العصرنة مقابل نفوذ المحافظين والمزاج المتشدد الذي يسيطر على النخبة الحاكمة بعد وصول أحمدي نجاد 2005، كل ذلك أثمر المزيج الإيراني بتفرده وحراكه المَوَّار الذي لايخبو. على امتداد عددين يرصد مركز المسبار هذا الحراك الفكري السياسي. تتناول أغلب دراسات هذا الكتاب التيار الإصلاحي، لصلته بالأحداث الجارية المتمثلة في الحركة الخضراء 2009 وغيرها.
تشرح لنا دراسة الباحث اللبناني هيثم مزاحم الفكر السياسي في إيران من المشروطة إلى ولاية الفقيه وأن الفقه الشيعي الإثناعشري لا يقتصر على نظرية واحدة فقط حول الدولة، كما يعتقد البعض، بل إن هناك نظريات متعددة أنتجتها دراسات الفقهاء خلال القرن العشرين الميلادي، والذي يعتبر فترة نضوج الفكر السياسي الشيعي وتبلوره. وهذا التعدد هو دليل على أنه ليس ثمة إجماع على نظرية سياسية واحدة حول الحكم لدى الإثني عشرية.
إيران بين المرجعية وولاية الفقيه، جدلية الوصل والفصل، موضوع يحتاج إليه كل باحث في الاجتماع والفكر السياسي الديني الإيراني، تناوله الدكتور محمد شقير، موضحاً طبيعة العلاقة بين المرجعية وولاية الفقيه، والمبرّرات التي دفعت بعض الباحثين إلى التنظير للجمع بين المرجعية وولاية الفقيه، في حين ذهب آخرون إلى القول بالفصل، وكيف تبدّى هذا الجدل في التاريخ السياسي المعاصر في إيران.
تناول أستاذ العلوم السياسية والدراسات الإيرانية في الجامعة الأردنية نبيل العتوم التطور السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية 1980-1993، عن الثورة الإسلامية الإيرانية وبلورتها للنظام السياسي الإيراني، والمصادر التي اعتمدتها الثورة للسياسة الداخلية والخارجية الإيرانية وهي في مجملها من مؤلفات المرشد قائد الثورة، وتناولت الدراسة النظريات السياسة الخارجية التي تحكم علاقات الثورة الإيرانية مع العالم الخارجي وخصوصاً (نظرية أم القرى). كما اشتملت الدراسة على مناقشة الأجنحة السياسية خلال الفترة “1980-1996″ ودورها في السياستين الداخلية والخارجية.
وجاءت دراسة الباحث الإيراني مجيد مرادي عن التيار الإصلاحي في إيران والأحزاب السياسية التي دعمت السيد خاتمي في الانتخابات الرئاسية (1997) . فغالبية منتسبي هذا التيار من طبقة المثقفين والطلاب، ووفت الدراسة بشرح قصة الأحزاب الإيرانية وجدليتها، باختلافاتها، وتنوعها وتنوع مسمياتها على مرّ التاريخ الإيراني الحديث، منذ العهود الملكية، مرورا بالأحزاب السياسية بعد الثورة، ومراحل تكوين التيارين الإسلامييْن اليمين واليسار.
أشارت الدراسة إلى تقهقر هذا الخطاب بعد انسداد الأفق بسبب الصراع السياسي ووصول أحمدي نجاد إلى سدة الحكم، كما استشرفت الدراسة مستقبل الخطاب الإصلاحي، وأنه ليس من المستبعد أن يعود التيار إلى الحياة السياسية مجدداً.
الثورتان الثقافيتان الإيرانيتان: عمليات الأسلمة الجارية يتناولها الباحث الإيراني مجيد محمدي فقد مر المجتمع الإيراني- منذ انتصار ثورة العام 1979 وتولي رجال الدين الحكم- بثورتين ثقافيتين بين أعوام 1980- 1982، و2005- 2010. وتهدف هذه الدراسة إلى المقارنة بين هاتين الظاهرتين في سياق عمليات الأسلمة، وحكم رجال الدين وأجنداتهم المعادية للفكر والغرب والسياسة الحزبية في إيران. تناقش الدراسة أيضا نتائج الثورتين على المجتمع الأكاديمي الإيراني.
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة لندن البروفيسور آرشن أديب مقدم فقد اختار أن يرسم لنا “الجغرافيا” السياسية للمعارضة في إيران. صورت الدراسة تاريخاً قصيراً للسياسة المعارِضَة في إيران، بدءاً من ثورة التبغ في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وانتهاءً بالاضطرابات التي أعقبت انتخاب الرئيس أحمدي نجاد في صيف العام 2009. وتبحث الدراسة بعناية في الفكر السياسي لمفكرين وقادة سياسيين إيرانيين بارزين من أمثال علي شريعتي وجلال آل أحمد والخميني وآخرين، وتناقش البنيةَ التحتية المؤسسية للسياسة الراديكالية في إيران. والمعتقدات الأيديولوجية المتعلقة بالثقافة السياسية للبلاد وآثار أربع ثورات رئيسية في التاريخ الإيراني المعاصر.
أما الباحثة في الشؤون الإسلامية د. ريتا فرج فقد تناولت موضوع إيران والنفوذ الإقليمي بين الخميني ونجاد. وتناولت الدراسة صعود الإمام الخميني، وتسيد فكره بعد الثورة في إيران وتأثير ذلك في المنطقة، وحلمه بتصدير الثورة، كما شرحت أهم الخلافات بين الإصلاحيين ونجاد حول تصدير الثورة”.
وقدم لنا هادي نعمة عرضاً موجزاً عن حزب “كوادر البناء” وموقع رفسنجاني في النظام الإيراني. يؤكّد “كوادر البناء” على أهميّة المشاركة الشعبية في النشاطات السياسيّة، وأن “ضمان الحقوق الأساسيّة للمواطنين عَمَلِيًّا” يساعد على “حضور ومشاركة الناس في الساحة السياسيّة بشكل فاعل ومؤثّر”. ولإيمان الحزب بضرورة قيام علاقات مع أميركا، اقتصادياً يرى الباحث أن الميزة الرئيسة التي تميّز مواقف “كوادر البناء” في الاقتصاد هي التنمية أما في الإطار الثقافي فهو يدعو إلى الانفتاح الثقافي.
ويقدم أحمد الزعبي إضاءة عن الحرس الثوري الإيراني عبر قراءته لكتاب آنتوني هـ. كوردسمان، حول إيران الثورة والقوى الإيديولوجية ودور الخميني في تكوين الحرس الثوري، وصلته الحالية بالمرشد الحالي علي خامنئي. كما تناول الرؤية العقائدية التي جعلت من الحرس الثوري جيشاً مختلفاً، قد لا تنجح معه الأطروحات التقليدية للتحليل السياسي العسكرية .
يعرض لنا عمر الترابي كتاب الباحث الإماراتي سلطان النعيمي (الفكر السياسي الإيراني جذوره، روافده، أثره) والذي حاول الإجابة عن أسئلة هامة حول ماهية الفكر السياسي الإيراني ومكوناته، ودور الفكر السياسي الشيعي العقلاني منه والإخباري في الفكر السياسي بشكل عام ومراحل تطوره وتأثره بتعاقب الدويلات، ونظرية ولاية الفقيه وتشكل الدولة الجمهورية، والرؤى الجديدة لنظرية ولاية الفقيه، وملامح النظام الإصلاحي.
ولتعريف قرائنا بلمحة من طريقة تفكير مراكز الدراسات الأميركية بعد التطورات الجديدة في المنطقة العربية، ومدى التأثير الذي يمكن للإسلاميين بشتى أطيافهم أن يمارسوه والدور الذي يمكن أن يلعبوه؛ قام مركز المسبار بتلخيص عدد من المقالات التي نشرت في مجلة مركز مكافحة الإرهاب الأميركي، ويشمل التقرير عدة مقالات مختلفة عن” الثورة في تونس ومصر هل هي ضربة للحكاية الجهادية؟ ” و ” القاعدة في المغرب الإسلامي وأهدافها في شمال إفريقيا ” و” نظام الولاء القبلي في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ” و ” التحول العنيف في خطاب حزب التحرير ” و ” جماعة المسلمين في بالتيمور : تعزيز الراديكالية برسالة جهاد منضبطة ” ويأتي مقال ” دور جماعة الإخوان المسلمين في الثورة المصرية”، ليعكس وجهة نظر تيار من الباحثين والخبراء له تأثيره على مراكز صناعة القرار في أميركا، انعكست آثاره في المواقف الأميركية المختلفة إزاء الثورات العربية واحتمال وصول الإسلاميين إلى الحكم في عدد من البلدان العربية وفي مقدمتها مصر.
ساهم في العمل على إنجاز هذا الملف كل من الزميلين هيثم مزاحم وأحمد الزعبي واللذين بذلا من الجهد والمتابعة عبر خمسة شهور ما كانت نتيجته هذا العمل الذي نتمنى أن يحظى برضى قرائنا.
رئيس المركز