في كتابنا هذا نحاول رسم ملامح الصوفية في الخليج، في السعودية والإمارات وساحل عمان والكويت والبحرين، متتبعين منابعه في وسط آسيا وإيران وتركيا، مع جولة على التصوف الجديد والتحولات العميقة التي تمر بها الطرق في مصر ومدى التأثير السلفي الخليجي فيها.
نرجو أن تكون هذه المبادرة من مركز المسبار تشجيعا للباحثين ومن تتوافر بين أيديهم الوثائق التي لم تظهر للعلن أن يوثقوا هذا التاريخ الذي بقي شبه خجول، وغامضًا في جوانب كبيرة منه. ويسعدنا أن يقدم كتابنا السادس والخمسون أسماء جديدة من الباحثين الخليجيين الشباب، وهو هدف لمركز المسبار يسعى إليه منذ تأسيسه.
يقدم لنا الباحث الإماراتي راشد أحمد الجميري تتبعاً تاريخياً لجذور التصوف في الإمارات وصِـلته بمتصوفة الصير (رأس الخيمة حالياً)؛ وهو تصوف علوي حدادي وفَدَ من اليمن، وانتهى بصعود دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتوسع دولة آل سعود، انبعث التصوف في الإمارات ثانية في أواخر القرن التاسع عشر على يد المهاجر السيد محمد عمر الأفغاني، الذي لقي حظوة اجتماعية وسياسية في كل من دبي وأبوظبي، وبعد رحيله ووفاته مقتولاً بمكران، خلفته أجيال ممن أخذوا الطريقة على يديه، امتاز من بينهم آل المريد وغيرهم ممن يحيون الموالد، وأشهرهم الشيخ عبدالرحيم المريد. وتناول الجميري الطقوس التي واظب عليها متصوفة دبي كـ(المالد). كما عُنيت الدراسة بالمد العماني الجديد في العام 1997، المتمثل في جهود حمدان المعمري وإحيائه لبعض الطقوس الصوفية. وبرحيل الشيخ عبدالرحيم في 2007، انساق التصوف في دبي نحو الركود.
في البحرين يتمتع التصوف بحضور أصيل وقوي، أما الكويت فقد عرفت التصوف قديمًا في سلوك النُساك والعباد، حيث توضح الدراسة الموجزة التي أعدتها هيئة التحرير أن التصوف في البحرين انبعث في العقد الأخير ليكوِّن جماعة متماسكة، ولكن مستقبله معقود بمدى قدرته على المحافظة على روح الأصالة، والروحانية العالية، دون أن تفقد السياسة الأشياخ هيبتهم، وقدرتهم على الإفلات من فخّ الاستغراق في النقاش حول المسائل الخلافية مع السلفية و الإخوان، وبذل الوسع لتطوير روح التصوف لتتسع لقلق الحاضر، وإنسان الخليج.
وتوضح الدراسة أن التصوف في الكويت يطغى عليه طابع الفردية على حساب التصوف الطرقي، وأنه حتى الآن لم يستثمر المتصوفة الوجود القوي لرجال يستطيعون تأسيس مجاميع تقود المتصوفة وتذود عنهم رغم وجود أعلام ورموز للتصوف لهم مكانتهم واحترامهم عند القيادة السياسية.
ويروي لنا الباحث السعودي منصور النقيدان في شهادته عن صوفية سلفية اقتفت تعاليم الإمام محمد بن عبدالوهاب وسط الجزيرة العربية. هذه الشهادة هي خلاصة تجربة روحية امتدت خمس سنوات بين (إخوان بريدة) وسط السعودية. يجادل النقيدان عبر الشواهد التي ساقها والتحليل الذي قدمه أن ثمة تصوفاً يكمن في عمق بيئة سلفية، يضرب بأطنابه في ربوع الوهابية. تناولت الشهادة جوانب من الزهد والورع والنسك والخمول الذي كان يمتاز به بعض من عرفهم الباحث من إخوان بريدة. وكشفت عشرات القصص والوقائع التي سردها عن نزعة صوفية حنبلية عند الجماعة، في تشابه مثير للدهشة مع ما لَدى المتصوفة من حال وتجلٍّ وكشف وخلوة. يؤكد الباحث وجود ملامح نزعة صوفية سلوكية هي الآن في طور الانقراض، بعد مضي الأشياخ والتحول الكبير على الجيل الجديد في العقدين الأخيرين.
موجز تاريخي عن التصوف في عسير والمخلاف السليماني جنوب السعودية ؛ كتبه لنا الأديب واللغوي السعودي إبراهيم طالع الألمعي، تناول فيه أصول التصوف في المنطقة، وطقوسه، وعلاقته بالسياسي. يسعى الباحث إلى تأكيد أن تهامة هي منبع التصوّف الإسلامي، وفي منطقة رجال ألمع على الخصوص، ويستعرض جهود بعض العوائل ودورهم ومكانتهم الصوفية. كما كان للسيد أحمد بن إدريس وخلفائه الأدارسة وحظوتهم الصوفية نصيب من موضوع الدراسة. وقد رصد الباحث غروب الفكر الصوفي في تلك المنطقة بعد معاهدة الأُخوَّة والجوار بين السيد محمد بن علي الإدريسي والملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود، مؤرخاً لانحسار التصوف بالعقد السادس من القرن الرابع عشر.
الصوفيّة ومجالسها ومؤثراتها في الحجاز الحديث، تناولها الكاتب والباحث محمود عبدالغني صباغ، في دراسة طويلة مستفيضة تناولت التاريخ المفصل للصوفية في الحجاز، وتحولات البنية المعرفية فيه، منذ القرن 19. سردت الدراسة الزوايا و الطرق، والشيوخ، والممارسات والطقوس والمجالس. كما غطى الصباغ الوجود الصوفي في العهد السعودي انتهاء بحاضر مجالس الذِكر في مكة وجدة والمدينة المنورة في العام 2011. وعرض الباحث بقايا الطُّرق الصوفية في المدينة كالطريقة السمّانية، والشاذلية، والطريقة الرفاعية. ولأهمية الدراسة وجِدَّتها فقد رأينا نشرها كاملة على طولها، ثقة منا بأنها ستكون محل ترحيب القراء واهتمامهم.
الصوفية السعودية وإعادة تشكيلاتها في الداخل السعودي يقدمها لنا الكاتب والصحفي ياسر بن محمد باعامر. وقد شرَحت دراسته واقع الصوفية وتياراتها، وعلاقاتها فيما بينها في المملكة العربية السعودية، مع ذكر رموزها وأثرها، وسيناريوهات واقعها المستقبلي في ظل غياب رموزها المؤثرين. واستعرضت الدراسة تأثير الحوار الوطني على الصوفية، والموقف السلبي للسلفية مِن الصوفية، وعلاقة المتصوفة بالسياسي في السعودية. كما أوضح باعامر علاقة الصوفية بالتيارات الإسلامية الأخرى من سلفية وشيعية، مع لمحة عن التسامح الصوفي مع التيارات الثقافية الجديدة، والتوجهات الشبابية الثائرة داخل الفضاء الصوفي بالسعودية، وخياراتها بين التجديد والتقليد.
أثَّرت الجزيرة العربية بسلفيتها على التصوف في مصر، وكان الخليج نفسه في ذات الوقت مجال تأثير للتصوف الآسيوي ومستقبلاً له. لهذا جاءت دراسة الباحث المصري محمد حلمي عبدالوهاب مناسبة لسياق الكتاب، حيث يقدم لنا تحولات التصوف في المشهد المعاصر، في آسيا الوسطى وفي القوقاز وحاضر الصوفية في تركيا وإيران. وفي مصر -حسب الباحث-تبدو الطرق الصوفية متأرجحة بين ولاءين: إما الوفاء للطرقية، أو الانسياق نحو التشيع، مستعرضاً العلاقة بين الصوفية والشيعة و السلفية. تناولت الدراسة علاقة المتصوفة بالثورة المصرية في 25 يناير، والخلافات الداخلية بين المتصوفة أنفسهم، وضرورة قيام الصوفية التقليدية بإعادة بناء نفسها وفقاً لظروف العصر الحاضر.
كتاب هذا العدد يعرضه لنا رشيد الخيون، وهو (حوار مع المالكي في ردِّ ضلالاتـه ومنكراته) لمؤلفه: عبد الله بن سليمان بن منيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية الذي صدر في 1983 ، وهو انتقاد وتعنيف وتضليل لشيخ صُّوفية الحجاز محمد علوي المالكي بعد صدور كتابه (الذخائر المحمدية).
لملف العدد اخترنا لمشتركينا تلخيصاً لدراسة دانيال بايمان، الأستاذ في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، ومدير مركز البحوث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز،عن كيف يمكن أن تساعد الانتفاضات العلمانية في ضرب الإرهاب، وهي دراسة جديرة بالقراءة، لأنها قدمت رؤية ثاقبة للكاتب- قبل مقتل ابن لادن- عن مستقبل الإرهاب بعد الثورات بعد ابن لادن. قدمنا لقرائنا أيضا جزءاً من مقالة طويلة نشرت في مجلة الفورن إفيرز للكاتب السوري محمود حسّان الذي يشير إلى دور الإسلاميين في الانتفاضة السورية وآفاق التطرف.
دراسة العدد عن (الإسلام السياسي في الخليج خطاب الأزمات والثورات) لعمر البشير الترابي تناول فيها التشكيلات الإسلاموية السياسية وخطابها في الخليج العربي. ويقدم الباحث إجابة عن حقيقة استغلال الجماعات الإسلامية – التي تعرضت في الأعوام الأخيرة لخسارة في شعبيتها بعد أن خاضت التجارب وامتحنت في صدقية شعاراتها – للثورات العربية وانعكاس ذلك في تعاملها مع القيادات السياسية في الخليج. تذكر الدراسة تصعيد الإسلام السياسي ممثلا في الإخوان المسلمين لخطابه إزاء حكومات دول الخليج، وأن قدرة هذه الجماعات على استغلال الأحداث جعلها في السابق المتسابق الوحيد في الساحة.
رئيس المركز