تقديم
لأول مرة في تاريخ مصر، يشارك الاسلاميون كأحزاب في مجلس الشعب، بعد أن كان محظوراً عليهم المشاركة في أي انتخابات الا بصفة فردية. في هذا المجلس الذي انتخب ديمقراطياً لأول مرة بعد الثورة المصرية، فاجأ الاسلاميون الجميع باكتساحهم أغلبية مقاعد المجلس، بطريقة عكست بشكل جلي الاتجاه الإسلامي للمجتمع المصري. إن سيطرة الإسلاميين على أول مجلس منتخب ديمقراطياً في مصر، تؤكد أن أم الدنيا دخلت مرحلة جديدة في تاريخها الحديث.
اليوم هناك قوتان تتحكمان في الشؤون المصرية: المجلس العسكري مع الجهاز القديم من جهة، والإسلاميون الذين حصدوا أكبر عدد من مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة وصلت نسبتها إلى 60 بالمئة، ومركز المسبار يتناول هذا الحدث الكبير في جزئين تحليلا ورصداً واستشرافاً.
فاتحة الكتاب رصد أعده الباحث محمد حلمي عن الإسلاميين وتداعيات صعودهم إلى السُّلطة، ومن رؤيته الخاصة قرأ مسارات هذا الصعود وأسبابه. مايميز هذه الافتتاحية أنها انطلقت من ميدان التحرير حيث كان الباحث شاهداً عن قرب للسجالات الثوريّة في الشهور الثلاثة الماضية التي سبقت المرحلة الثالثة من الانتخابات التشريعية في منتصف يناير 2012. قدم حلمي ملاحظاته عن الانتخابات، وتناول مواقف القوى الثوريّة من حالة الوحدة والتكتل ضد النظام السابق، و مما أسماه “التشرذم” بعد انهيار النظام. كما قدم صوراً من استغلال الإسلاميين للحالة الثوريّة، وتعكس المقالة في غالبها وجهة نظر شخصية ، ولكنها تساعد القاريء على التعرف على أحد ألوان الطيف التي تعج بها الساحة المصرية اليوم.
الخطاب الإعلامي ودوره في الثورة، وتأثير الإخوان عليه يتناوله أستاذ الإعلام وعميد المعهد الدولي للإعلام بأكاديمية الشروق محمد شومان ، حيث يناقش تأثير ثورة 25 يناير على الخطاب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، فتناول فرضيات الأداء الإعلامي عند الجماعة و قبول التناقض والبراجماتية وغيرهما، ثم تناول أدوات الخطاب الإعلامي من مدونات وسائل الإعلام الجديد والبيانات التي كانت تصدرها وتصريحات بعض قادتها. اجتهد الخطاب الإعلامي للإخوان في متابعة أحداث الثورة والترويج لموقف الجماعة ورؤيتها الإصلاحية المتدرجة، كما عرض خطاب الإخوان الإعلامي في التقرب من المجلس العسكري والإشادة بدور الجيش، توقعت الدراسة عقد تفاهمات أو صفقات بين المجلس العسكري والإخوان، حتى ولو كان ذلك على حساب حضور الجماعة بين أجيال الشباب التي شاركت في الثورة.
يرسم وحيد عبدالمجيد خريطة التحالفات السياسية في مصر بعد الثورة، متناولاً ضعف القدرة على بناء التحالفات السياسية بسبب الضعف الثقافي والسياسي، ملمحًا إلى أن ذلك يهدد التحول الديمقراطي، وتناول عبدالمجيد تجربة بناء التحالفات السياسية في مصر بعد ثورة يوليو 1952، وأشار إلى سطحية التوافق المؤقت الذي مثله التآلف في ميدان التحرير. وأكد أن الانبهار بالتآلف في ميدان التحرير هو نتيجة النظرة الخاطفة التي تقف عند السطح ولا تنفذ إلى ما تحته.
الباحث الراحل حسام تمام (ت أكتوبر،2011)؛ درس مفهوم الدولة لدى الإخوان المسلمين. فالحركة الإخوانية المصرية أسست شرعيتها تحت تأثير الأفكار القطبية بمعزل عن الدولة، ورغماً عنها وضدّاً منها، لكن بشكل يكاد يكون موازيا لتراث الدولة المركزية في مصر نفسها كما يرى حسام. وتناول الباحث مقياس الوطنية لدى الجماعة، مستشهدًا باصطفاف الجماعة إبّان أحداث غزة ، والانحياز الإيديولوجي لصالح حزب الله اللبناني في قضية “خلية حزب الله” التي خططت للتجنيد والعمل العسكري عبر مصر. ويخلص تمام إلى أن الدولة هي الأساس في فكر الجماعة وهي الوسيلة الأولى للتغيير على الرغم من التحولات التي عرفتها الجماعة في العقود الماضية.
الإخوان المسلمون وحزب الحرية العدالة بعد قانون الأحزاب الجديد، هو موضوع دراسة علي مبروك أستاذ الفلسفة بالجامعات المصرية. مشيرًا إلى أن الالتباس حول هوية الجماعة بدأ منذ التأسيس وخطابات حسن البنا. السياسة هي المحدد الأبرز لإطار الجماعة كما يرى الباحث. الذي عرض موقف البنا من الحزبية ورفضه السياسي المسنود بالدين لها، على عكس قطب الذي أقام رفضه للحزبية على الأساس العقدي، اعتبر مبروك أن فكرة شمول الإسلام هي التي فرّخت حاكمية قطب و دعوة حزب الحرية والعدالة إلى المرجعية الدينية للدولة المدنية، مشيرًا إلى أن الفكرة هي محض تأويلات يحاول أصحابها جعلها من الدين. شارحاً بأن قبول ورثة البنا لفكرة الحزب كأداة سياسية لا يعني وضوح الهوية، بل ستكون الجماعة هي الذراع الديني للحزب.
تاريخ العلاقة بين “الإخوان المسلمون” والأقباط، منذ البنا وأعقاب ثورة يوليو(تموز) 1952، يناقشها سامح فوزي نائب رئيس منتدى الحوار في مكتبة الإسكندرية، والباحث في قضايا الأقليات. اعتقد الأقباط دوماً أن الإخوان المسلمين يسعون إلى أقامة علاقة معهم ليدفعوا عن أنفسهم تهمة التعصب الديني دون أن يكون لهم خطاب مواطنة حقيقي. تناولت الدراسة تداعيات ثورة 25 يناير وطموح الإخوان إلى إقامة علاقة مع الأقباط وأسباب فشل ذلك، لأن الكنيسة ترى أن ذلك ليس إلا حملة علاقات عامة. تناولت الدراسة القضايا الإشكالية التي تثير قلق الأقباط مثل “الوطن الإسلامي”، “الدولة الإسلامية” في فكر الإخوان، و صعوبة الفصل عند الحديث عن المواطنة في منظور الإخوان المسلمين عن نظرتهم العامة إلى “إسلامية الوطن”.
أماني غانم الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تقرأ محددات السياسة الأميركية تجاه الحركات السياسية الإسلامية، و السياسة الأميركية تجاه الإخوان المسلمين منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى قيام ثورة 25 يناير، حيث دعمت الولايات المتحدة الأميريكية الأنظمة القديمة لمجابهة الخطر الشيوعي. بعد الحرب الباردة قررت بناء علاقة مع الإخوان وفتح حوارات لاحتوائهم وأسباب أخرى تناولتها الدراسة، حيث تضخمت صورة التنظيم لدى الإدارة الأميركية وظنت لفترة طويلة أن الجماعة تحظى بتأييد أغلبية الجمهور المصري؛ وأنها تستطيع رعاية المصالح الأميركية، وقدّرت أن رؤية الجماعة لإسرائيل يمكن حلها، بحضهم على منهج وسطي توافقية.
الديموقراطية والهوية والتراث والأصالة، كانت مثار جدال واسع بين المفكرين، حيث يتناول محمد بلال طروحات المفكرين التونسي محمد الحداد والمصري طارق البشري. البشري الذي يرى أن عصر النهضة الذي طرح سؤال مايمكن أخذه من التراث وما يمكن قبوله من الوافد الغربي تحول إلى منتج لأفكار الغرب. تتناول الدراسة إشكالية البِشري في كون النظم الأوروبية صاحبتها سفن وبارود وحروب، وهي نتاج تجارب الآخر الغربي، وهو ما يسر لها سبل نجاحها في مجتمعاتها، بينما يرى الحداد أن “وجه الخطأ في هذا الجدل أنه يوجه الأنظار إلى النوايا الأميركية بدل تحليل أسباب العجز من الداخل. ناقش البِشري والحدّاد خطاب ما بعد الثورات، حيث آمن البشري بالديموقراطية على مضض، وأكد الحداد موقفه المبدئي، ولا خلاف بين الحدّاد والبِشري في حاجة المجتمعات العربية إلى الديمقراطية كأيديولوجية خلاص من الأوضاع المتردية، على خلاف ثابت في المرجعية التي تستقي منها الديمقراطية مقولاتها.
يقرأ لنا عمر البشير الترابي كتاب ثورة مصرية 100% لمؤلفه حسام محمد حسين، وهو من أوائل مانشر عن الثورة المصريّة، حيث صدر في 25 فبراير (شباط) 2011، فسجّل رصدًا قريبًا لم تشوشه التحليلات الكثيرة، والكتب التي توسعت في تناول الأحداث لاحقاً. وعلى صغر حجم الكتاب إلا أن قربه من الحدث أتاح له تذكّر ماغفلت عنه دراسات أخرى. وثّق حسام حسين رؤية رجل الشارع العادي لأحداث 25 يناير، وقدم الأحداث كما رأتها الأعين المصرية.
السياسة الخارجية التركية موضوع ملف العدد في المقالة المترجمة التي اخترناها لمشتركينا لسفانتي كورنييل؛ مدير البحوث في معهد آسيا الوسطى والقوقاز وبرنامج دراسات طريق الحرير، من جامعة هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ومعهد استكهولم لسياسة الأمن والتنمية، متسائلاً مالذي يحرك السياسة الخارجية لتركيا، و منبهًا إلى التغيرات في تركيا، والتحوّلات التي ظهرت على منهج أردوغان بعد أن أخرجته الأحداث أو السياسات عن قاعدة مستشاره أوغلو “صفر من المشاكل مع الجيران”.
قام بتنسيق هذا الملف بجزئيه والمتابعة مع الباحثين طوال شهور، الزميل الباحث المصري الدكتور محمد حلمي، الذي كان على الدوام مهموماً باكتماله على الوجه الذي نطمح جميعاً إلى بلوغه.
يبدو أنه لا شيء تغير جذريا في مصر بعد مرور عام على ثورتها، فالثوار مازالوا في ساحة التحرير، وما زالوا يعتصمون ويرون أن ثورتهم قد سرقت منهم، ومبنى الحزب الوطني الذي كان يحكم مصر سابقاً، بقي على حاله، لكن أعضاءه مازالوا يسيِّرون معظم مرافق الدولة حتى الآن. وفي ظل هذه الأوضاع الهشة والمختلطة وانعدام رؤية واضحة تماماً لما ستؤول إليه الحال، يسهم مركز المسبار في هذا الجزء والذي يليه في محاولة لفهم الخارطة الجديدة.
رئيس المركز