تقديم
استحوذ الإسلاميون على مايزيد عن 60% من مجلس الشعب المصري، ولكن القصة لم تنته، فالخلاف الداخلي بين جماعة “الإخوان المسلمين” والسلفيين يهدد بأزمات قد تعصف بهذا التحالف، ومن المرجح أن يتعمق في الفترة القادمة، بحيث يمثل “حزب النور” شوكة في حلق الجانب “الإخواني”، مما يقوض المبادرات البرلمانية ويسبب إحراجاً لابن عمه. وعلى عكس “الإخوان”، فإن السلفيين سيكون جُلَّ همِّهم هو ترويج برنامجهم الاجتماعي الذي يهدف إلى جعل مصر أكثر إسلامية.
ومركز المسبار يخصص الجزء الثاني عن مصر وإسلامييها بعد ثورة يناير، لطرح الأسئلة وإثارة الاستفهامات عن مصداقية وازدواجية الإسلاميين، والانشقاقات والصراعات داخل “الجماعة” وخلافاتها الداخلية والخارجية مع منافسيها الإسلاميين، وعن حقيقة تجاوز الإخوان لتاريخهم في العنف، ويسلط الضوء على التحولات الاجتماعية داخل الحركة.
فاتحة دراسات العدد للباحث والأكاديمي المصري، الدكتور محمد محمود حلمي، عن الدور السياسي للسلفيين في الثورة، و قدّر فيها إجمالاً بأن حركات الإسلام السياسي ظهرت فجأة في خضّم المشهدّ السياسيّ المصريّ بُعيْدَ الثورة، وهي ترفعُ شعار “تطبيْقَ الشريعةِ” لكنها تهدم كعبتها –بحسب تعبيره-. وقد لفت السلفيّون الانتباه في جمعة الشريعة 29 يوليو 2011، كما تناول حلمي موقفها قبل الثورة وبعدها ممثلاً بمواقف محمد حسان وياسر برهامي، حيث اكتسبت السلفية مكانة سياسية بعد مساهمتها في حسم تعديل الدستور. ويؤكد الكاتب أن القوى السلفية لن تنحاز للديموقراطية بسبب رؤيتها الجامدة للنص، وبسبب رؤيتها للخروج على الحاكم وخطابها الدوغمائي.
ولتناول الإطار النظري والسياسي العملي لتشكيل حزب الحريّة والعدالة، قدّم الباحث في شؤون الحركات الإسلاميّة صلاح الدين حسن دراسة بعنوان “الإخوان المسلمون تداعيات تأسيس الحزب” فتناول مفهوم الحزب السياسي، وأرّخ لرؤية البنا للأحزاب المصرية، وأشار لموقف الجماعة من التحزب عبر تاريخها الممتد، كما نقل الارتباك الذي ساد الجماعة إبّان تكوينها للحزب بعد تنحي الرئيس مبارك، وأن العلاقة بين الحزب والجماعة علاقة وطيدة، ولكنه توقع حدوث أزمة بينهما، مستشهدًا بتكوين الجماعة وفلسفة الحزب في رؤية عبدالمنعم أبوالفتوح، وتطلعات شباب الجماعة.
أما ياسر قانصوه فتناول الإخوان واستخدامهم لنظرية السلطة، بين السياسة الشرعية و العلاقة النفعية، متجاوزًا الخطاب الدعوي وتأسيسه الشرعي للسلطة، وتناول نظرية الحاكم الرعوي عند ابن تيمية التي تجعل الجماعة محورًا للاهتمام، وقارن بينها وبين (المرشد) الإخواني الذي لا يُساءل. كما ضمت الدراسة تحليلا لكتابات البنا التي جنّد فيها أتباعه ليكونوا حرباً على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، مبيّنا تناقضها مع تصريحات منسوبي حزب الحرية والعدالة الأخيرة، وهو مايراه الباحث تغيراً في أفكار الجماعة عن السياسة والنفعية.
على المستوى التنظيمي الداخلي، ألقى الكتاب الضوء على دور الأخوات المسلمات في الثورة، فتناولت فاطمة عبدالحافظ تأثيرات الثورة على دور الناشطات وعلى وضعيتهن التنظيمية داخل جماعة الإخوان المسلمين، قدمت لهذا بالحديث عن النشأة والتطور مرورًا بالحقبة التأسيسية منذ التأسيس إلى الخمسينيات والحقبة الثانية إلى الستينيات والثالثة من السبعينيات إلى الآن. وركّزت الدراسة على الأخوات وثورة يناير، حيث كلفت فيها “الأخوات المسلمات” بإعداد الطعام؛ وبعض الأدوار اللوجيستية؛ والمشاركة في الشبكات الإعلامية الداعمة للثورة. وأشارت الدراسة إلى بعض الأصوات المهمشة التي تعبر عن تجاوزات في حقوق المرأة داخل الجماعة وتطالب بالمزيد من الحريات.
الصحفي والباحث السياسي المصري، أحمد فودة، تناول صراعات الجيل الجديد من الإخوان، والانشقاقات قديماً وحديثاً، وركز على الانشقاقات بعد الثورة منذ اليوم الأول، حيث رفضت فيه قيادة الجماعة المشاركة في التظاهر، ولم تنخرط إلا بعد تنحي مبارك، وتجلت الخلافات في مؤتمر شباب الإخوان الأول، وطرحهم مسائل حاسمة حول الشورى ودراسة الأفكار بحرية واستشارة المتخصصين وفتح باب التحزّب بلا قيد، وانتخاب الهيئات، بالإضافة لوقف إجراءات تأسيس حزب الحرية والعدالة لحين قريب، والانشقاقات الت نتجت عن ذلك.وعزا الباحث أسباب الانشقاق إلى البنية المؤسسية غير الديمقراطية للأخوان، وصراع الأفكار.
كما وعدنا قراءنا قبل عددين، فإن حسام تمام كان قد خص المسبار بـأربع دراسات عن الجماعة ، ونحن الآن ننشر الثالثة والرابعة استثناء، لعلاقتهما الوطيدة بتطور الجماعة وحاضرها وطريقة تفكير قياداتها، والخلافات الناتجة عن الانتماءات المناطقية والاجتماعية.في دراسته الأولى يدرس تمام ظاهرة سيادة ثقافة ريفية تخالف ما نشأت عليه الجماعة تاريخيا، وهي ثقافة تتوسل بالقيم الأبوية، حيث الطاعة المطلقة ، وانتشار ثقافة الثواب والعقاب والتخويف حتى في العلاقات التنظيمية، وسيطرة الخوف من المختلف أو المتميز مع الميل للركون إلى التماثل والتشابه بين أعضاء الجماعة التي صارت تميل يوما فيوما إلى التنميط. حيث يمكن القول كما توضحه الدراسة أن زيادة نفوذ المحافظات ذات الطابع الريفي داخل الجماعة له علاقة باتجاه الحركة نحو مزيد من المحافظة؛ وهذا يعكس ميلا واضحا نحو مقاومة ضغوط محاولات الإصلاح التي كانت تأتي أيضا من داخل الجماعة نفسها؛ وهي الرؤية التي يتبناها تيار التنظيم داخل الإخوان، بحيث يعتبر أن الجماعة تتعرض لاختراق وأنه لابد من إصلاحها.
وتناولت دراسة حسام تمام الثانية تساؤلات حول علاقة الإخوان المسلمين بالعنف المسلح، و الجهاد الذي خضع مفهومه للتغيير منذ التقطته حركات الإسلام السياسي في القرن العشرين. ورأت الدراسة أن الفارق بين الإخوان والآخرين من الإسلاميين هو فارق الخبرة الذي يعطي الإخوان دائما قدرة أفضل على قراءة المشهد بواقعية خوفا من فاتورة الحساب، مؤكدًا أن موقف الإخوان من العنف المسلح وفكرة الجهاد ظل يتأرجح من الناحية العملية بين أطروحتي الدولة والأطروحة الأممية كما توارثها الإخوان من المرحلة البناوية والمرحلة القطبية. ففي مصر، لم يمانع الإخوان طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من التموقع فكريا في نفس مربع الدولة ضد جماعات العمل المسلح طالما عزّز ذلك من فرص حضورهم السياسي، وظل الإخوان يقدمون أنفسهم باعتبارهم البديل المعتدل الذي ليس أمام النظام سوى القبول به إذا ما أراد مواجهة حركات العنف الإسلامية. ولكن الجماعة لا ترفض فكرة الجهاد المسلح ، لكنهم لا ينخرطون بأنفسهم في هذا “الجهاد” ويفضلون أن يقوم به آخرون، متجنبين التورط المباشر أيديولوجيا وتنظيميا.
دراسة العدد لمحمد أبو الرب الباحث والأستاذ بجامعة بيرزيت- فلسطين حول الفضائيات الدينية “، وقد تناولت علاقة الخطاب الدعوي الإسلامي التلفزيوني بقضيتي التسليع والخيارات التقنية، موضحًا توظيف الفضائيات الدينية البنية الفنية التي تقوم عليها دراما الاتصال لتحقيق التأثير، وإسهام الرسائل الدعوية المتلفزة في خلق نمط جديد من التدين. الدراسة تمثل منبها لذوي الشأن والاختصاص والحريصين على الدين الإسلامي وجلاء صورته، بأن ينتبهوا إلى السياقات الجديدة التي أصبح الدين الإسلامي يتورط فيها، حيث يرى الباحث بأن السياقات الجديدة التي تلصقها بعض الفضائيات الدينية بالدين الإسلامي هي أخطر عليه من الجماعات المسلحة والإرهابية والتي تتخذ من الدين ذريعة لإضفاء شرعية ممارساتها وسلوكياتها.
يقرأ عمر البشير الترابي كتاب (الثورات العربية الجديدة المسار والمصير؛ يوميات من مشهد متواصل)، للمفكر الموريتاني السيد ولد أباه؛ الذي تناول الثورات في الوطن العربي، وحاول وضعها في إطار فلسفي، مشدداً على ضرورة تحجيم دور المؤسسة العسكرية في مصر؛ تفاديًا لما أسماه الثورة المضادة.
في ملف العدد اخترنا ثلاث مقالات مترجمة، الأولى لديفيد بلوك حول ازدواجية خطاب جماعة الإخوان في مصر، محذراً من الاهتمام بما يقوله “الإخوان” باللغة الإنجليزية، وداعياً إلى عدم الركون إلى أي “تطمينات” خاصة تقدمها «الجماعة»، ونظراً إلى تاريخ “الإخوان المسلمين” في ازدواجية الخطاب، يرى الكاتب أنه ينبغي على المراقبين التعامل مع أي شيء تقوله “الجماعة” باللغة العربية بالقدر المطلوب من الشك. وأنه يتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل مع “الجماعة”، لكن لا يتعين أن تثق بأي شيء تقوله – حتى تُثبت العكس على الأقل. كما تضمن الملف خلاصة شهادة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي روبرت مولر أمام لجنة مجلس النواب عن علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب، حيث رأى أن الجماعة الإسلامية التي ألهمت أيديولوجية الإرهابيين مثل أسامة بن لادن، موجودة في الولايات المتحدة وتدعم الإرهاب في أمريكا وخارجها . المقالة الثالثة لأميتاي إتزيوني أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن ، تناولت الدروس المستفادة من ليبيا بعد مشاركة الناتو في إسقاط حكم القذافي، مؤكداً على ميزة أن تكون القوات بعيدة عن الأرض، وعدم الخوض في رهانات بناء الأوطان.
رئيس المركز