يهدف كتاب المسبار الثالث والستون إلى تسليط الضوء على القاعدة بعد ابن لادن، وما إذا كانت ستصمد وتبقى في الساحة، أم أنها ستتوارى عن الأنظار وتختفي باختفاء مؤسسها الذي غيّبه الموت.
تكتسب هذه المسألة مزيداً من الأهمية في ظل التطورات الكبرى التي لا تشمل الاضطرابات العربية التي تعيشها المنطقة منذ عام وأكثر فحسب، وإنما أيضاً خروج القوات الأميريكية من العراق، والانسحاب المتوقع لقوات التحالف من أفغانستان. وفي هذا الإصدار النادر بالعربية، نعرض وجهات نظر متعددة لأسماء مرموقة من الباحثين والخبراء.
في التمهيد الذي كتبه مانويل ألماندو) Manuel Almeida (المحاضر بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، يوضح أنه ليس من اليسير الإجابة عمّا إذا كانت القاعدة ستبقى على الساحة وتظل صامدة بعد مقتل ابن لادن؛ حيث يتطلب ذلك سبر أغوار الدلالة الحقيقية التي كان يجسدها ويمثلها في تنظيم القاعدة الذي عكف على تكوينه في أفغانستان. يوضح ألماندو أن دور ابن لادن في السنوات الأخيرة كان مهما فيما يتعلق بالإستراتيجية أو التمويل أوالتجنيد والاستقطاب، وأنه كان الرمز الكبير للحركة الجهادية، ولهذا فمن المهم النظر إلى عواقب رحيله من الحياة، وتداعيات اختفائه من مسرح الأحداث.
فهم التداعيات المترتبة على مقتل ابن لادن وانعكاساته على القاعدة؛ وعملية التحول المستمرة التي يشهدها التنظيم، يناقشها أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة( Sciences Po) في باريس، جان-بيير فيليو (Jean-Pierre Filiu)، الذي يناقش مدلول التغيير القسري للحراسة في قيادة القاعدة، وذلك من خلال استرجاع شريط المسارات المتقاطعة لكل من ابن لادن والأمير الجديد للقاعدة أيمن الظواهري، واستدعائها إلى بساط البحث والنقاش. و يمعن جان بيير النظر في الجوانب التي حددت تمايز ابن لادن وتفرده، وكيف أن غيابه سيؤثر في مستقبل التنظيم؛ مما يفضي إلى تعقيد مهمة الظواهري، ويجعلها في غاية الوعورة والتعقيد.
علياء براهيمي (Alia Brahimi) الباحثة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية وجامعة أكسفورد، تعرض عملية التغيير التي بدأت قبل موت ابن لادن، موضحة أن من شأنها التأثير في الاستراتيجية والأهداف العامة للتنظيم، وتنظر علياء إلى الأهداف التقليدية للتنظيم لأجل فهم ما إذا كانت القاعدة قد حققت نجاحاً أو إخفاقاً في كل منها؛ وتدرس براهيمي التغيير في تنظيم القاعدة، وتحديداً ديمقراطية السلطة داخل التنظيم، وهل هي مؤشر للقوة أم عرض لأزمة تعصف بالتنظيم.
أما الأستاذ في المركز الدولي لدراسات التطرف (ICSR) في جامعة كنجز كوليج في لندن، رافائيلو بانتوكيسي (Raffaello Pantucci)، فدراسته تناقش استراتيجية القاعدة، بمزيد من التعميم والشمول في الطبيعة المتطورة لحركة الجهاديين، من خلال النظر في ظاهرة «الذئاب الوحيدة». يحدثنا رافائيلو عن حركة الجهاديين التي وجدت في الإنترنت أداة قدِّر لها أن تلعب دوراً محورياً في شبكة الجهاديين العالمية، ويستشكف رافائيلو آفاق التحول الذي تشهده القاعدة، ويستشرف مآلات ذلك التحول إلى ظاهرة «الذئاب الوحيدة» كأسلوب مرحلي، ونهج تكتيكي بادٍ للعيان.
التهديد الذي تمثله القاعدة في جزيرة العرب هو المقياس الأكثر صدقية، فعلى مسطرته تقاس المخاوف العالمية إزاء حالة عدم الاستقرار المزمنة في اليمن. ومن خلال هذه الجزئية ينظر الصحفي اليمني ناصر الربيعي في دراسته إلى القاعدة، وما يكتنف هذا الفرع من غموض في علاقته بالفاعلين الآخرين في المشهد السياسي اليمني.
ويناقش الربيعي مدلولات مقتل العولقي والشأو الذي يبلغه نفوذ القاعدة في اليمن، ويشرح لنا الربيعي أن القاعدة ليست وحدها المستفيدة من حالة عدم الاستقرار المزمنة في اليمن، فمن رجال القبائل والمتعاطفين مع القاعدة في جزيرة العرب، إلى الحكومة اليمنية والمعارضة السياسية، فجميع الفاعلين في المسرح السياسي في البلاد، استشرفوا آفاق وجود القاعدة وتحسسوا حضورها بين ظهرانيهم، لكي يتمكن كل منهم من تحقيق أجندته الخاصة به.
على الرغم من أن هنالك عدداً من المجموعات المسلحة في إقليم البنجاب، فإن جماعة لكشر طيبة الباكستانية تعد إحدى الجماعات الأقوى نفوذاً والأكثر خطورة من بين الجميع. راشمي سينغ (Rashmi Singh) المحاضِرة في مركز دراسة الإرهاب والعنف السياسي (CSTPV) بجامعة سانت أندروز في أسكتلندا، تشرح الأسباب التي جعلت هذه المجموعة مختلفة عما سواها من المجموعات المسلحة الأخرى في باكستان، وتحلل سينغ الصلات التي تجمع بين جماعة لكشر طيبة وتنظيم القاعدة، وتقدم نبذة عامة عن نشأة المجموعة، وبزوغ نجمها في سياق الحرب التي تخوضها باكستان ضد الهند، لتعرِّج بعد ذلك على النظر في طبيعة ارتباط جماعة لكشر طيبة بتنظيم القاعدة، والمراحل المختلفة لتلك العلاقة.
لا مراء في أن لحركة الشباب الصومالية صلات وثيقة مع القاعدة، ولكن الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية، ورئيس برنامج العلاقات الدولية في الجامعة النرويجية لعلوم الحياة ستيج جارل هانسن (Stig Jarle Hansen)، يوضح أن الإحاطة بهذه العلاقة ليس أمراً يسيراً، من خلال النظر في أيديولوجية حركة الشباب وتنظيم القاعدة على حد سواء، والجوانب اليومية المتعلقة بالتفاعل بينهما. ويمعن ستيج في التفكير في واقع يكاد يكون من المتعذر أن ينظر إليه أحد بمنظار القطعية والحتم، والحكم بمنطق الأبيض والأسود ولا شيء آخر.
الحرب الطويلة على الإرهاب التي ظلت الولايات المتحدة تخوض غمارها جنباً إلى جنب مع حلفائها ضد القاعدة بتنظيمها المركزي وفروعه المحلية، تثير قائمة طويلة من الجوانب الأخلاقية والقانونية والاستراتيجية. لهذا يستعرض جورج لاسمار (Jorge Lasmar) المحامي الدولي والأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية في جامعة (PUC) بميناس في البرازيل، جملةً من الممارسات التي وقعت في إطار الحرب على الإرهاب، والتي شكلت في مجملها هجمة شرسة على حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية التي طالما ادعت الولايات المتحدة وحليفاتها الدفاع عنها.
يسبر مدير مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية فواز جرجس أغوار الاحتمالات الكامنة وراء اندلاع الثورات العربية، من حيث قدرتها على وضع حد لأسطوانة الإرهاب وتحديداً الهوس الذي يتملك الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتهديد الذي تمثله القاعدة. إن رحيل من هم على شاكلة حسني مبارك، أو علي عبد الله صالح، الذين سعت القاعدة إلى الإطاحة بهما، يمكن تفسيره بأنه انتصار للقاعدة. ففي واقع الأمر احتفلت القيادة المركزية لتنظيم القاعدة بالثورات العربية. وينظر جرجس إلى أن تلك الأحداث أفضت إلى تهميش القاعدة إلى حد بعيد، مسلطاً الضوء على الظواهري وغيره من القادة الجهاديين الآخرين الذين سعوا إلى معالجة هذا القصور، وتأكيد الصلة غير الوثيقة بين القاعدة والثورات العربية، بركوب الموجة وإعادة التنظيم إلى واجهة الأحداث في العالم الإسلامي.
يقرأ لنا عمر البشير الترابي كتاب (شروق وأفول القاعدة)، لفواز جرجس، الذي صدر بعد مقتل ابن لادن، حيث يذهب جرجس إلى أنه حينما يقوم صُنّاع القرار في الولايات المتحدة بإنهاء الحرب على الإرهاب سينعتق التفكير من ضيق الخوف لحسابات أرحب. ويدعو جرجس إلى تضافر الجهود لكشف زيف رواية الإرهاب، ووضع حد لاستحواذ القاعدة على مخيلة الأميركيين. كما يدعو الولايات المتحدة إلى التوقف عن النظر إلى الشرق الأوسط من منظور الإرهاب، ومن منظور إسرائيلي، ومن منظور النفط.
ويرى الترابي في قراءته أنه أيًا كان الرهق الذي أصاب العقيدة الأميركية في حربها ضد الإرهاب،أو نزف المقدرات المالية، فإنّ كثيرين يعتقدون أنها لاتزال في منتصف الطريق.
كتاب ( شروق وأفول القاعدة )، قدّم رؤية مختلفة، لذلك احتفى به المفكرون، وطالبوا بأن يكون في قائمة ما يقرؤه رؤساء الدول.
لم يكن لهذا الكتاب أن يرى النور لولا الإشراف والتنسيق والتواصل الذي اضطلع به مانويل ألماندو(Manuel Almeida)، خلال مدة قاربت سبعة شهور، وهو جهد كبير، كان وراءه متابعة الزميل عمر البشير الترابي، الذي كان يعيش لحظات اكتمال هذا المشروع يوماً بيوم، فلهما الشكر والتقدير من فريق المسبار.
رئيس المركز