تقديم
يحتوي هذا العدد دراسات كُتبت قبل الاضطرابات التي عاشتها المنطقة العربية منذ أول 2011 بأسابيع، ودراسات أخرى كتبت أثناء الأحداث التي عرفت بالربيع العربي، وهذا الإصدار تمهيد لكتاب مقبل عن الديموقراطية عند الإسلاميين بعد الثورات التي اجتاحت العالم العربي، ونحن نوفر بذلك للباحث الجاد، رصدًا وافيًا للديموقراطية في فكر الإسلاميين قبل الثورات وبعدها.
فاتحة دراسات الكتاب لأستاذ ورئيس قسم الشريعة والقانون في جامعة ييل في الولايات المتحدة، البروفيسور خالد أبو الفضل، وهو يتسائل كيف يمكن لمفهوم ديموقراطي مؤسس لسلطة الشعب أن يتوائم مع فهم إسلامي لسلطة الرب؟ وهل تقاليد الفكر الإسلامي السياسي تتضمن الإمكانات التفسيرية (التأويلية) والعملية التي يمكن تطويرها إلى نظام ديموقراطي، في ظل العلاقة بين الديموقراطية والسيادة الإلهية، ويقرأ ما تتقاطع فيه أصول الديموقراطية وبعض المبادئ الإسلامية، ويطرح إشكاليات مثل حاكمية الله التي والحكومة وثقافة القانون وعلاقة الحاكم والمحكوم، وحكم الشورى، والعدل والرحمة، الحقوق الفردية، ويصل الكاتب إلى أن الديموقراطية هي نظام ملائم للإسلام، لتكريمه للإنسان ومنعه للدولة من أي ادعاء للألوهية عن طريق وضع السلطة النهائية في يد الشعب، وليس العلماء.
عصام عبد الله أستاذ الفلسفة بكليّة آداب عين شمس بالقاهرة، ناقش الديموقراطية في ظل العولمة، وكيف تلقفتها التيارات المختلفة، والعلاقة بين السياسة والتعددية الثقافية، وناقش التحديات التي تواجه الديموقراطية في الثقافات الجديدة، وفصل في تناوله تعزيز الديمقراطية لفكرة السيادة وذلك بأن أعطتها أساسًا شعبيًا وسندًا عاطفيًا مشتركًا، لذلك كانت ثقافة رائجة داخل عصر العولمة، وذهب الكاتب إلى أن رفض ثقافة العولمة حد من رواج فكرة السيادة، ويطرح الكاتب فكرة استبدال الديموقراطية بالسيادة عربياً، ويؤكد على أنه في غياب الدعائم الليبرالية السياسية يمكن أن تؤدي الديموقراطية إلى الفاشية، وأن التسامح الديني والسياسي، والفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمساواة والعدل. مبادئ لا يمكن ضمانها إلا فى نظام تمثيلى برلماني.
يتناول الدكتور للدكتور مصطفى لطفي الحركات الإسلامية، في دراسته عن الألغام الأيديولوجية التي تعترض الحركات الإسلامية في طريقها للتجديد الفعلي للوصول للديموقراطية؛ وطرح الكاتب إشكالات نظرية وعملية، منها التباين الشديد بين طرفي ادعاء- أو حقيقة الإيمان بها- أو الكفر والرفض لها، بين الإخوان والسلفية في داخل التيار الإسلامي مما يصعب استقصاء موقف واحد، كما تناول الرؤى الإصلاحية والمحافظة داخل الحركات، معتبرًا أنها تصطدم بالمرجعية أو تراوغها، ويعمم ذلك على كل الحركات الإسلامية، ويقرأ أصلاً تاريخيًا للمشكلة حيث «لم يعرف التاريخ الإسلامي فكرة التنظيم الحزبي والتداول السلمي للسلطة بين الجماعات المتعارضة»، «ما زالت فكرة الوطن فكرة هشة عند الإسلاميين، معتدليهم أو متطرفيهم على السواء» . معتبرًا أن «مطالبة الإسلاميين بمزيد من الشفافية والتأسيس المنطقي والمتوازن لخطاب سياسي ديمقراطي خال من الألغام الأيديولوجية، هو مطلب مستقل يخص الإسلاميين نظريا وعمليا، في ظل وجود كثير من الحالات العملية، الحاكمة أو التمثيلية، التي حضرت فيها الألغام الأيديولوجية التي تحيز الديمقراطية وتهمش الوطن من أجل الصالح الأيدولوجي أو التنظيمي وحده».
الديمقراطية وجماعات الإسلام السياسي، رصد السلوك البراغماتي، في دول الخليج ومصر، تناولها المفكر البحريني أستاذ علم الاجتماع باقر سلمان النجار، موضحاً أن الإسلام لم يحدد نظاماً سياسياً معيناً للحكم، متسائلا إن كان يلتقى مع الديمقراطية؟ استعرض النجار اتجاهات الإجابة في العقل الغربي، وركّز على القائلين بأن الإسلام غير متسق والديمقراطية، مستندين إلى كتابات سيد قطب والمودودي، وأن الثقافة الإسلامية تتعارض مع الديموقراطية. ويرى النجار أن «الديمقراطية لا تنزل على الأشخاص فجأة»، وإنما هي قيم واتجاهات ومبادئ تشكل المجتمع ومنظماته المدنية الأهلية والثقافية. ويرى النجار أن مواقف الحركات الإسلامية من الديموقراطية كانت ملتبسة فتباينت بين الرفض والقبول على مضض والقبول المطلق إلا أنها جميعًا ورغم الاختلاف ترى في مشاركتها في العملية السياسية الديمقراطية العربية النسبية، القناة السلمية الوحيدة المتاحة لها للتأثير في السياسات وبفعل تحولات معينة أقرت تيارات منبثقة من الإخوان بشرعية الدولة العربية الحديثة .
قريبًا من المحور ذاته، يتصدى حيدر إبراهيم علي المفكر السوداني ورئيس مركز الدراسات السودانية بالقاهرة، للديمقراطية عند الإسلاميين بين الأيديولوجية والبراغماتية حيث يذهب إلى أن الإسلاميين أُجبروا على التحول من الإيديولوجيا أو عالم الأفكار إلى البراغماتية بقصد البقاء والاستمرار؛ ليس بسبب إسلاميتهم، ولكن لإغراقهم في المثالية والطوبائية. كان الإسلاميون بين خيار التغيير السريع للسلطة وهذا يقتضي الحركية والتنظيم والفعل؛ أو الطريق الدؤوب البطيء الذي يبدأ بتغيير الإنسان والفكر والنفس. حسب حيدر فقد مالت أغلب الحركات والتنظيمات – في البداية –إلى الطريق الأول، لذلك تعطل الاجتهاد لحساب العمل والحركية، ومن هنا تسربت أغلب مظاهر البراجماتية للإسلاميين وأصبحت سمة غالبة في سلوكهم السياسي، وقدأثبتت أغلب تجارب حكم الإسلاميين في العالم، على غياب البرنامج والمنهج والرؤية، وغلبة التجربة والخطأ.
وتعرض الباحثة السياسية المصرية صباح فرج تطور الحركة الإسلامية في السودان من النشأة إلى العام 2009، بدءاً من المعارضة والتمكين الجزئي، إلى الوصول للسلطة، والقضايا السياسية التي عالجتها وما تغير في فكرها وأهم ما تناولته الباحثة هو مسألة الديمقراطية والتعددية الحزبية، التي كانت تدعو لها الحركة قبل الوصول إلى السلطة. قامت الحركة بتعطيل القوانين وحل الأحزاب والنقابات والصحف ومختلف التنظيمات القائمة، مرورا باعتقال السياسيين وقيادي الأحزاب وفرض حالة الطوارئ، وتحولت عن الاتجاه السلمي وتبنت السياسات العسكرية، وتناول تقييم التجربة بشكل عام وقراءة لمستقبل الديموقراطية في فكر الحركة الإسلامية السودانية.
يُعتبر الفضاء الليبرالي شرطا أساسيا لتهيئة المناخ الديموقراطي ولنجاح الحوار الناضج حولها، ولفهم تقبل الجماعات الموجودة في أي بيئة للديموقراطية، يجب اختبار الحالة الليبرالية فيها، ولاختبار الحالة الليبرالية في الدول العربية يقيِّم مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بمصر؛ الدكتور عبد المنعم سعيد؛ الحالة الليبرالية في العالم العربي، قبل هبوب الاحتجاجات العربية العام المنصرم؛ وبعد أن مر على الليبرالية والحداثة، وفكرة الحكم والحكومة، والمجتمع والدولة، في الحالة العربية الإسلامية، ويقيم النظرة الليبرالية العربية للقضايا، ويشير إلى تأثر الجماهير بواقعهم فيقول «الجماهير غير المتعلمة، أو غير المتعلمة تعليماً جيداً، وغير المنظمة والمدربة على العمل المدني، وغير المنتمية إلى المجتمع الصناعي، تظل لديها مقاومة كبيرة للأفكار الليبرالية»، كما يرى الباحث أن «نظام الليبرالية الانساني والسياسي والأخلاقي لا يمكن له أن يوجد أو يستمر في دولة متخلفة، ومن ثم فإن تواجدهم مرهون إلى حد كبير بالتنمية في الدولة التي هي في هذه الحالة الدولة المصرية».
كتاب العدد، أسئلة الثورة للدكتور سلمان بن فهد العودة، يقرأه لنا الباحث عمر البشير الترابي، يناقش الكتاب أسئلة الثورة، ما قبلها، ومابعدها، وينظر لفقهها.
دراسة العدد، تناولت تجربة الحكم الفلسطينية لحركة حماس ، لرئيس قسم الشريعة وأستاذ القانون المساعد بالجامعة الإسلامية بغزة محمد سعيد النحال، رصد فيها تطور الفكر السياسي لحماس، وعلاقته بفكر الإخوان المسلمين، وظروف انتخابات العام 2006 وتداعياتها، توناول المجازر الرّهيبة التي مرّ بها الفلسطينون مدفوعين بممارسات حماس وفتح، ومعارك كسر العظم، مشيرًا إلى أن «سكرة السلطة وسطوتها قد ذهبت بعقول البعض من قادة الأجهزة».
اختارت هيئة التحرير لملف العدد أن يتناول العلاقة بين الجيش والحياة المدنية في تركيا، وتناولها الدكتور أحمد كرتو في مقالته صعود وسقوط الوصاية العسكرية في تركيا.
رئـيـس المـركـز