تقديم
يختص كتاب المسبار (مكافحة الإرهاب: المفاهيم-الإستراتيجيات-النماذج) (الكتاب الثاني بعد المئة، يونيو/ حزيران 2015) ببحث كيفية التعاطي مع الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي، ويخرج بمجموعة من النتائج والخلاصات المستفادة من مقاربة التجارب المختلفة لمعالجة أزمات التطرف الديني، التي ثبت عبر التجربة أن الخيار الأمني لا يشكل المنفذ الوحيد لاستئصالها.
لا يخفى أن من أبرز الإشكاليات التي تحتاج إلى تفكير متواصل هي قضية تعريف «الإرهاب»؛ نظراً لما يطرحه المصطلح من التباسات، مفاهيمياً واصطلاحياً، مما يستدعي ضرورة التوافق على معايير موضوعية لتحديده، حتى لا يقع الخلط بين الإرهاب، من ناحية، والمقاومة المشروعة، من ناحية أخرى، وما يرتبط بها من الدفاع عن النفس وحماية الأمن والسلم الاجتماعيين، وأمن المجتمع وعقائده وممتلكاته.
إن إحدى المشكلات التي يبرزها الكتاب، هي أنَّ غالبية المواثيق والاتفاقيات الدولية التي عالجت موضوع الإرهاب لم تأتِ بتعريف موحد له. لكن في المقابل، فإن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، الصادرة في أبريل (نيسان) 1998، قدمت تعريفاً جامعاً شاملاً للإرهاب. ويمكن الاعتماد على تلك الاتفاقية وما تلاها من قرارات مختلفة من دول عربية عدة، تناولت تعريفاً للإرهاب، وتصنيفاً لجماعات محددة على أنها إرهابية.
إن فهم القضايا القانونية المتعلقة بتعريف الإرهاب على مستوى المؤسسات الدولية، لا بد أن ترافقه محاولات في تفكيك خطابات الإرهابيين في مختلف الدول العربية والغربية. وعلى الرغم من تبدل سياق الإطار العقدي الذي ينهض عليه هذا الخطاب، لكنه يقف على أرضية واحدة في توظيف النصوص الدينية، وفي إضفاء هالة من القداسة على الفعل الإرهابي، في سبيل تقديس العنف الديني وشرعنته، وتوظيفه السياسي الحاد.
تشترك الحركات الإرهابية في الدعوة إلى إقامة الخلافة والانقلاب على الدول، إلا أنَّ الإستراتيجيات تختلف من جماعة إرهابية إلى أخرى، وفقاً للأيديولوجيا الدينية والجغرافيا وتضارب أولويات قيادات التنظيمات الإرهابية، مما يستدعي تحليلاً معمقاً للعدة الأيديولوجية لاستخلاص النتائج في مسائل الدعوة، والعمل السياسي، و«الجهاد» المسلح.
إن تحليل الخطاب يكشف عن فروقات سطحية على مستوى الأيديولوجيا الدينية، ويبين أن المشترك بين حركات الإسلام السياسي التي تدعي السلمية كــ«الإخوان المسلمين» وبين تنظيمات إرهابية تمارس العنف في العلن وتتبناه مثل: «داعش» وتنظيم القاعدة، أعمق وأشد تلاحماً مما يظن كثيرون.
ثمة حاجة ملحة إلى تحليل المنظومة القيمية الاجتماعية التي تدفع بعض أبناء الطبقات المختلفة، بما فيها الطبقتان الوسطى والغنية، إلى تأييد الحركات الإرهابية والإسهام في تمويلها. ولا ريب أننا نحتاج إلى فهم الأزمة المجتمعية والقيمية المؤدية إلى تفاعل هذه الظاهرة.
وعلى أهمية الفهم النظري وإدراك الأسس الاجتماعية والقيمية التي تؤدي بالبعض لتأييد الإرهابيين، نحن مدعوون إلى قراءة الإستراتيجيات المختلفة في مكافحة الإرهاب، واستخلاص الدروس منها، وتحديد التجارب التي لا يصح استجلابها لبيئات أخرى، والتجارب التي يمكن نقلها من بيئة إلى أخرى. ولعل أهم معيار يجب التفكير به يتمثل في الأبعاد المجتمعية والدينية التي تشكل رافداً للإرهاب، خصوصاً بعد اختراق التنظيمات الراديكالية للنسيج الاجتماعي في عدد من الدول العربية، فاتضح أن الحل الأمني وحده لا يحقق نتائج حاسمة في القضاء على الإرهاب.
دعت الدول الأوروبية إلى العمل على إلغاء العوامل الهيكلية التي تشكّل منطلقات التطرّف الديني، والتمييز وعدم المساواة، والظلم داخل وخارج الاتحاد الأوروبي؛ تأكيداً للعلاقة بين الأمن والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتنمية. وسعت إلى التعامل بحذر مع الجاليات المسلمة، تفادياً لربط الإسلام بالحركات الإرهابية، واتخذت إجراءات على مستوى مكافحة الإرهاب عبر الفضاء الافتراضي.
يتضمن الكتاب دراسات تسعى إلى الإحاطة بظاهرة الإرهاب على مستويات عدة: المقدمات النظرية، الأبعاد القانونية، الخطاب، إستراتيجيات مكافحة الإرهاب: دولياً وإقليمياً، نماذج من حركات العنف الديني (أنصار الشريعة في تونس، والسلفية الجهادية في المغرب وغيرهما)، التجارب العربية (تونس والمغرب) في محاربة الإرهاب، إجراءات دول الاتحاد الأوروبي، والسياسة الروسية في مكافحة الإرهاب.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل: عمر البشير الترابي الذي نسّق العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهده وفريق العمل.
رئيس التحرير
يونيو (حزيران) 2015
شاهد فهرس الكتاب