عبدالله حميدالدين*
قبل أيّام قُتل خمسة عشر شخصاً في تفجير لمسجد في أبها جنوب المملكة العربية السعودية. وقد أعلنت داعش مسؤوليتها عن هذه العملية الإرهابية. هذا هو المسجد الثالث الذي استهدفته داعش في السعودية، والرابع في دولة خليجية. في مايو الماضي تم استهداف مسجدين في المنطقة الشرقية من المملكة وآخرَ في الكويت. المساجد الثلاثة هذه كلها شيعية. والآن تم استهداف مسجد سنّيّ، ولكن الدوافع الكامنة خلف كل هذه الهجمات هي ذاتها.
في وقت تفجيرات المساجد الشيعية ظهر رأيان حول دوافع داعش؛ الأول كان يقول إنَّ داعش تستهدف الشيعة لأنهم كفّار، وبالتالي تم افتراض أنَّ دوافع داعش كانت طائفية. هذا التفسير البسيط والمباشر كان سهلاً قبولُه، خصوصاً في ظل شيوع التفسيرات الطائفية لسياسات المنطقة: أي هناك حرب سنية شيعية، واستهداف المساجد هو معركة صغيرة في تلك الحرب.
التفسير الثاني الذي ظهر حينها، أكثرُ تعقيداً، ويفترض أن داعش دموية، ومتطرفة، ومتشددة، ولكنّها أيضاً عقلانية في حساباتها؛ عقلانية بمعنى أنها تنطلق في تكتيكها من منطلقات الربح والخسارة -وفق معاييرها طبعاً- وليس من منطلقات دينية فحسب. هذا الخط التفسيري يُقر بأن داعش تعتبر الشيعة كفاراً وأنَّ الرؤية الداعشية لعالمها النموذجي تخلو من الشيعة، بل تخلو من كل مخالف لهم. ولكن مع ذلك فإنه وفق هذا التفسير الثاني فإنَّ داعش لم تهاجم المساجد الثلاثة بدوافع طائفية، وإنما كانت داعش تبحث عن أهدافٍ ذات أثر مرتفع وقيمة منخفضة. داعش تستهدف الدولة السعودية، ولكنها تريد أن تعمل ذلك بأقل الأضرار على المواطنين السنّة؛ حيث تفترض أنه يوجد بينهم من يتعاطف معها. داعش أرادت من الهجوم على المساجد الشيعية الإضرار بشرعية الحكومة السعودية من خلال استهداف مواطنين سعوديين، فاختارت مواطنين شيعة؛ لأنها كانت تريد أن تثير التوتر بين شيعة المملكة وبين حكومة المملكة. وكلنا يعرف أن هناك أصواتاً شيعية متطرفة تحاول بث خطاب مظلومية بين الشيعة، وتحاول أن تقنع الشيعة السعوديين بأن الحكومة السعودية تمارس تهميشاً وإقصاءً ممنهجين ضد الشيعة. بالتالي فمن المحتمل أن داعش افترضت أن هجومها على المساجد الشيعية سيعزز من شعبية تلك الخطابات المتطرفة بين عموم المواطنين السعوديين الشيعة، مما يؤدي إلى شق بينهم وبين الحكومة السعودية.
وفق التفسير الثاني فإن داعش تجنبت الهجوم على مواطنين سُنّة خوفاً من أن تخسر شعبيتها بين الراديكاليين الدينيين. الراديكالي الديني دينياً يختلف عن المتطرف الديني؛ الأول هو متشدد ديني مُسيّس، ويرفض النظام السياسي الحالي ويسعى لخلافةٍ، ويعتبر أن عدوّه الأول هي الحكومات. أما الثاني فهو متديّن غالٍ يرفض الحداثة وينبذ أنماط الحياة السائدة، ويهدف لمجتمع نقي تقي محكوم بالشريعة بشكل صارم وكامل، ويعتبر أن عدوّه الأول هو الليبرالي والعلماني. وأقصى ما قد يعمله المتطرف الديني هو قلقلة النظام الاجتماعي؛ ومع سوء هذا الصنف إلا أنه – على الأقل – ليس دموياً.
إن قاعدة داعش الأساسية للتجنيد هم الراديكاليون الدينيون، وبالتالي هي حريصة على الحفاظ على شرعيتها بينهم، خاصة وأنَّ الراديكاليين الدينيين قلَّة قليلة في المملكة، وبالتالي فداعش لا تحتمل خسارة حتى واحد منهم. وهناك جدل قديم بين الراديكاليين الدينيين حول مشروعية استهداف أفراد غير مرتبطين بالحكومات، وبالتالي فإن المسار الأسلم لداعش هو تركيز هجماتها على الأهداف المجمع على مشروعيتها. وفي المملكة العربية السعودية؛ فإنَّ الأهدافَ المجمعَ على شرعيتها هي: الشيعة وقوى الأمن. وبعدما تم استهداف الشيعة فإن التالي استهداف قوى الأمن.
إن الدافع الكامن والمنطق الداخلي للهجوم على مسجد شيعي وآخر سنّي هو واحد؛ إنها حرب تريدها داعش ضد الدولة السعودية، ولكن بشكل أعمق ضد فكرة الدولة الحديثة بأي شكل من الأشكال. إن هذه حرب يتم شنُّها ضد نظام، وليس ضد حكومة فقط. إنها حرب ستجعل منّا جميعاً أهدافاً في المستقبل القريب، وبالتالي فإن علينا جميعاً الوقوف ضدها.
* باحث سعودي، مستشار في مركز المسبار للدراسات والبحوث.