تقديم
يتناول كتاب (تحولات خطاب الإسلام السياسي السعودي من الخلافة إلى الحقوق) (الكتاب التاسع بعد المئة، يناير/ كانون الثاني، 2016) التحولات في الخطاب الديني والسياسي عند الإسلاميين في الخليج العربي إثر أحداث ما عُرف بالربيع العربي. من المهم التمييز بين الدين والخطاب الديني؛ فالدين يمثل الثوابت التي لا تتغير بتغير الظروف والوقائع والأمكنة، في حين أن الخطاب الديني يتجه إلى تبني أيديولوجية التيارات السياسية أو الاجتماعية التي جعلت من مشروعها الأساسي توظيف الديني لأهداف سياسية داخل الجماعات الدينية المؤيدة لها.
تهتم الدراسات المدرجة في الكتاب بالتحولات في خطاب الحركات الإسلامية الخليجية، وتسعى إلى فهم مستوى التبدل لديها، من خلال التركيز على مسائل مركزية، كالعلاقة المتوترة مع الدولة، وموقع التنمية والحقوق عند التيارات الدينية، وتحولات الإخوان المسلمين في البيئة السلفية داخل «الإسلام السياسي الخليجي». ويُعد الدستور وإشكاليات تطبيق الشريعة الإسلامية من بين أكثر الموضوعات المثيرة للسجال عند الإسلاميين، وقد ركزت إحدى الدراسات على التاريخ السياسي للدولة السعودية وعلاقة الإسلاميين به. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي برزت في المملكة الجماعات الدينية تحت مسمى الصحوة، التي تقاطعت مع متغيرات إقليمية وداخلية، أدت إلى بروز اتجاهات مناوئة للدولة تحت شعارات حقوقية أو ديمقراطية.
في واقع الحال، إن الحركات الإسلامية تستمد مشروعها السياسي من نظرية الوصاية على الدين والمجتمع، وتعتبر نفسها مكلفة بتطبيق الإسلام الذي يخضع للتوظيف الأيديولوجي على الجماعات.
عرفت منطقة الخليج العربي تغيرات سياسية كبيرة في العقود الأخيرة، بدءاً بالحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988) ومروراً بالاحتلال الأمريكي للعراق وصولاً إلى أحداث الربيع العربي. وقد دفعت هذه المعطيات الإسلاميين في الخليج إلى تطوير خطابهم كي يواكب المستجدات، فتحولت إلى أحزاب سياسية تبدل خطابها بتبدل الواقع. ويمكن ملاحظة أن المشترك بين الخطابات الدينية كافة لدى هذه الحركات، تحايلها على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومصادرتها لصالح أجندتها السياسية.
بدأ يظهر بعد الربيع العربي –بشكل لافت- تحولات ملحوظة في الخطاب الديني والسياسي الذي ترفعه الحركات الإسلامية في الخليج. فبعد أن كانت المعضلة الأساسية عدم تطبيق الإسلام، صارت المشكلة هي المشاركة السياسية، وبعد أن كان الحل الأساسي هو تطبيق الشريعة الإسلامية، صرنا نسمع من يقول بأن الحل يكمن في إرساء الديمقراطية وتفعيل حقوق الإنسان. هذا التحوّل لم يكتمل بعد، وما زال بعض التيارات الإسلامية ورموزها يراوح بين الخطاب الجديد والخطاب القديم، ولكن يبدو أن الاتجاه سيكون نحو خطاب ديني جديد يقدم تشخيصه للمشاكل وتقديره للحلول من خلال مفردات علمانية مدنية، وذلك في محاولة للاقتراب من الجيل الشاب، الذي لم تعد تستهويه اللغة التقليدية بمنازعها الأصولية. ولا بد أن ندرك أن الإسلاميين لم يتغيروا وأنهم -مع ادعاءاتهم المختلفة- غايتهم الوصول إلى السلطة، وما نراه من تحولات إنما هو أسلوب غايته جذب الرأي العام لا سيما الفئات الشبابية.
يقدم هذا الكتاب مجموعة من الدراسات التي تشرح التحولات في خطاب الإسلاميين في الخليج، وتبين أن التحوّل عندهم يلامس الخطاب وليس الأهداف أو المفاهيم، وأن التيارات الإسلامية لم تجر مراجعات جادة في بنيتها الأيديولوجية وإطارها المفاهيمي.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميلين: عبدالله حميد الدين، وإبراهيم أمين نمر، اللذين نسقا العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهودهما وفريق العمل.
رئيس التحرير
يناير (كانون الثاني) 2016