دبي : المسبار
هذه المرة، لم تقم هيئة الإذاعة البريطانية BBC بنقل الأخبار، إنما قامت بتخيلها من خلال محاكاة افتراضية لما ستكون عليه الحرب العالمية الثالثة بين روسيا وحلف الناتو. كان هذا عبر برنامج وثائقي أطلقت عليه BBC اسم “من داخل غرفة الحرب العالمية الثالثةWorld war Three :Inside The War Room “، الذي وصف المجابهة الافتراضية بين الغرب وروسيا من خلال غرفة عمليات تدير سيناريوهات الحرب. مخرج الفيلم، البريطاني غابريل رينج Gabriel Range ، والذي كتبه وأنتجه أيضاً، يسأل في الفيلم شخصيات بريطانية عسكرية ودبلوماسية رفيعة المستوى ليقرروا كيف سيكون رد بريطانيا على روسيا، في محاكاة من المتوقع أن تكون حقيقية ذات يوم.
قبل الدخول إلى غرفة عمليات الحرب الافتراضية، حمل الفيلم تمهيداً تاريخياً لانهيار الاتحاد السوفيتي وانضمام دول البلطيق إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي أصبح متوسعاً إلى حدود روسيا. هذا التوسع الاستراتيجي الحتمي جعل المحللين الأوروبيين يخشون من قيام موسكو بامتحان عزم الناتو، خاصة أن موسكو قد نهضت من برودتها عن طريق التدخل في شؤون دول البلطيق. الفيلم الوثائقي ينطلق من المادة الخامسة في تحالف الناتو، التي تقتضي أن يقوم أعضاء الحلف بالدفاع عن الأعضاء الآخرين في حالات النزاعات المسلحة.
أولاً، كان يجب إيجاد مادة خام سياسية جاهزة لـ” التأزيم” داخل غرفة عمليات الحرب، فكانت إستونيا -من دول بحر البلطيق وعضو في حلف الناتو- مؤهلة لهذا الصراع؛ نظراً لوجود 20% من كثافتها السكانية من الروس. وهنا تبدأ موسكو بإدارة الشغب في مدينة إستونية صغيرة، وعلى أعضاء نادي الناتو أن يقوموا بحماية الجيوسياسيا الإستونية. إلا أن الأحداث في إستونيا تزداد سخونة من خلال اعتقال 6 روسيين متورطين في إثارة الشغب، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول من خلال إدانته لأداء الشرطة الإستونية في إدارة الشغب أن يعمل على إثارة القومية الروسية داخل إستونيا، حتى امتدت الشرارة إلى الجارة لاتيفيا، أحدِ دول البلطيق والعضو في الناتو أيضاً، وهناك، في مدينة صغيرة طالب رئيس بلديتها من ذوي الأصول الروسية إجراء استفتاء شعبي من أجل الانفصال عن لاتيفيا. الأقلية الروسية تحولت إلى مليشيات، وكانت تتلقى دعماً من موسكو، وكان الكرملين بالنسبة إلى الناتو يتدخل في سيادة إحدى الدول الأعضاء. وهنا كان أول تحدٍّ سياسي لحلف شمال الأطلسي. السيناريوهات التي تمت إدارتها في غرفة الحرب كانت متراوحة ما بين متهاونة ومتشددة، حيث اختلف كبار القادة السياسيين والعسكريين، منهم من أراد أن يرسل قوات تدخل سريع إلى لاتيفيا، والبعض الآخر اعتبر ذلك تصعيداً خطيراً مع روسيا، وأوصى بالتدخل الاستخباراتي والسياسي. في داخل غرفة عمليات الحرب، تم نقاش العقيدة السياسية التي تعتنقها موسكو، والتي تؤمن بأن ما يبقي الرئيس في الكرملين هو سمعة القوة التي يبديها، ولو وجد بوتين نفسه في مجابهة مع هذا النوع من التحدي من قبل الناتو وأبدى خضوعاً وتراجعاً فذلك يعتبر سقوطاً سياسياً مدوياً بالنسبة إليه. لذلك كانت الأصوات التي تميل إلى الحلول الدبلوماسية تعي كارثية التصعيد العسكري ضد المليشيات الروسية في لاتيفيا.
إلا أن بوتين ما زال مستمراً في اختبار الناتو، لجس المدى الذي سوف يذهب إليه الحلف. بدأت آراء السياسيين والعسكريين داخل غرفة الحرب تزداد توتراً وميلاً إلى التصعيد العسكري، من خلال التصويت بين الأعضاء. يأتي هذا القرار خوفاً من نجاح بوتين في اختبار جدية الناتو في خوض الحرب، وظهور التراخي الأطلسي. وهنا تأتي مرحلة المكاسب الروسية مباغتة من خلال تفكيك الناتو وانقسامه حول نفسه، خاصة بعد ورود معلومات إلى غرفة الحرب بأن ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا، بلجيكا، الدنمارك واليونان، لا يرغبون بالرد عسكرياً، إنما بزيادة الضغط الدبلوماسي وتمديد المهلة التي منحوها لروسيا لسحب قواتها من لاتيفيا. وبسبب هذا الانقسام، يصبح هناك تحالف أطلقت عليه غرفة الحرب “الراغبين العسكريين” داخل التحالف الأم الناتو، تقوده أمريكا ليكون معها فرنسا، بريطانيا، بولندا ودول البلطيق. هنا وافقت بريطانيا على الانضمام إلى الدول الراغبة في الرد العسكري، حيث تم في اليوم التالي إنزال قوة عسكرية بريطانية / أمريكية من أجل إزالة الوجود الروسي في لاتيفيا. في اليوم التالي قامت روسيا بالرد بإطلاق صاروخ نووي تجاه حاملة طائرات أمريكية وسفينة بريطانية، وقد تم تدميرهما بالكامل ومصرع 1200 جندي من الطرفين الأميركي والبريطاني. بعد الضربة النووية التكتيكية من قبل موسكو، لجأ بوتين إلى القنوات الدبلوماسية وأحال الضربة النووية إلى تصرف فردي من قبل أحد جنرالاته، ولإبداء حسن النوايا قام بتخفيض الجاهزية النووية ليثبت أن موسكو لا تريد حرباً نووية. إلا أن البيت الأبيض رد بالمقابل وقصف بسلاح نووي تكتيكي هدفاً عسكرياً روسياً، وهنا قامت موسكو بتجهيز صواريخها النووية العابرة للقارات تجاه مدن حلف “الراغبين العسكريين” ومنهم لندن. المحاكاة داخل غرفة الحرب كانت أقرب إلى ما يحدث حقيقة داخل غرف العمليات، وكيفية اتخاذ القرارات المصيرية الخطيرة، وقد شارك في سيناريوهاتها شخصيات بريطانية ذات رتب رفيعة المستوى في الشأنين العسكري والسياسي، وهم الجنرال ريتشارد شيريف Richard Sherriff نائب القائد الأعلى لقوات التحالف الأوروبية سابقاً، والبارونة فولكنر Baroness Falkner المتحدثة للشؤون الخارجية لحزب الديمقراطيين الأحرار، و السير كريستوفر ماير Christopher Meyer السفير البريطاني في أمريكا، ونيفيل جونز Neville Jones وزيرة الدولة لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب سابقاً، والأميرال ويست Lord West أمير البحرية الأعلى ورئيس هيئة الأركان البحرية سابقاً، وتوني برينتون Tony Brenton سفير بريطانيا السابق لدى روسيا .وقد قام ممثلون وممثلات بأداء دور الشخصيات البريطانية الذين قدموا المحاكاة.
الفيلم الوثائقي الذي أغضب الكرملين، يعتبر ضمن سلسلة حديثة من أفلام الخيال السياسي الذي ينتجها غابريل رينج، الذي قدم عام 2006 محاكاة تخيلية لاغتيال الرئيس الأمريكي جورج بوش. إلا أن واشنطن لم تغضب بقدر ما أبداه الكرملين عبر ديمتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الرئيس الروسي، الذي قال: “إن فيلمBBC مادة رخيصة، الأمر الذي يجعل المرء يأسف على إضاعة الوقت لمشاهدته”.
للمشاهدة